تتراكم أسئلة وقضايا متعلقة بالعمل والعمال تفرضها الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران. فبعد أقل من أسبوع على إعلان "وضع خاص" في الاقتصاد بسبب الحرب، حدّد وقف النشاط الاقتصادي كله باستثناء الاعمال التي تعتبر "حيوية"، عادت وزارة العمل وأعلنت عن فتح مزيد من القطاعات بشرط توفر ظروف حيطة وأمان في أمكنة العمل.
وقد رحّبت دائرة سلطة التشغيل بفتح الاقتصاد، لكنها أعربت عن خشيتها من أن غياب افتتاح الأطر التعليمية من شأنه أن يفرض أثماناً باهظة على الأهالي، الذين سيجدون صعوبة في الوصول إلى أماكن عملهم، بالتزامن مع تواجد أولادهم بدون إطار تعليمي، وخصوصاً الأمهات. بناءً عليه، كما نقل موقع "دفار"، دعت المديرة العامة لدائرة سلطة التشغيل، المحامية عنبال مشاش، إلى النظر في تطبيق آلية دعم من الدولة بالتعاون مع أصحاب العمل، لتغطية أجور الأهالي العاملين لفترة زمنية محدودة.
وفقاً لمعطيات السلطة، فإن أمهات الأطفال ذوي محدوديات (حتى سن 18) هن أكثر الشرائح تضرراً في سوق العمل خلال أوقات الطوارئ. تبلغ نسبتهن في الاوضاع العادية بين المسجلين كباحثين عن عمل 24%، ولكن في الأيام الأولى من هذه الحرب ارتفعت النسبة إلى 32.7%. وأشارت معطيات سابقة إلى أنه كلما تراكمت أحداث الطوارئ – مثل الإغلاقات خلال كورونا والحرب على غزة – تعود الأضرار لتتركز في الشرائح السكانية نفسها. مثلا، بين من تم إخراجهم مراراً من سوق العمل، تبلغ نسبة الأمهات 37.4%. أي أن بين الباحثين عن عمل من المتضررين بشكل متكرر في حالات الطوارئ، تكون نسبة الأمهات لأطفال ذوي محدوديات، ممن يتحملن العبء الاقتصادي والعائلي معاً، مرتفعة بشكل خاص. وتخشى الدائرة من أنه هذه المرة أيضاً، سيُطلب من الأهالي – وخاصة الأمهات – البقاء في البيت مع الأطفال، فيُفصلون أو يتم إخراجهم إلى إجازة غير مدفوعة الأجر. هذا في حين لم تنظم الحكومة بعد آلية تمكّن العاملين في عطلة غير مدفوعة الأجر من الحصول على مخصصات بطالة.
حيرة الأهالي بين الذهاب للعمل وبين رعاية أولادهم بسبب إغلاق المدارس
بدلاً من ذلك، تقول الدائرة، قد يضطر الأهالي الذين يسعون لتجنب الفصل أو الإخراج القسري إلى تلك العطل، إلى دفع أثمان شخصية واقتصادية باهظة مثل استهلاك أيام الإجازة، أو التكاليف على عاملات رعاية للأطفال، أو الذهاب إلى أمكنة العمل مع الأطفال، وغير ذلك.
وتشدّد مشاش على أن إيجاد حل للأهالي بات أكثر إلحاحاً حين نأخذ بعين الاعتبار أن السنة الدراسية تنتهي خلال أقل من أسبوعين، ويبدو أنه طالما استمر وضع الطوارئ، فلن يكون هناك حل للأطر التعليمية، في شهر تموز أيضاً. النموذج الذي تقترحه سلطة التشغيل في غياب إمكانية فتح الأطر التعليمية، هو السماح بالعمل عن بُعد في المهن التي يمكن فيها ذلك، أما حيث لا يمكن فتقترح دراسة مشاركة الدولة مع أصحاب العمل في دفع أجور العاملين بواسطة آليات حكومية لفترة مؤقتة (أي، طوال فترة فرض القيود الاقتصادية)، وذلك لتفادي إخراجهم من سوق العمل.
"قد نشهد اتساع ظاهرة فصل الصيف المقيتة، حيث يُفصل عدد كبير من الأهالي مؤقتاً ويُعادون إلى العمل مع بداية السنة الدراسية"، حذّرت مشاش. و"يجب تجنّب ذلك بأي ثمن، خاصة وأن الدراسات تشير إلى أنه كلما طالت فترة البقاء خارج سوق العمل، يصبح من الأصعب العودة إليه. لقد شهدنا ذلك خلال كورونا، وعلينا أن نتعلم من دروس الماضي ونبذل كل جهد ممكن لضمان بقاء الأهالي لأطفال مع محدوديات داخل سوق العمل".
40% من الموظفين المستقلين لا يمكنهم العمل عن بُعد
ارتباطاً بمسألة العمل عن بُعد، وفقا لتقرير أعده د. روبي نتنزون، المستشار الاقتصادي لاتحاد أصحاب المهن الحرة المستقلين في إسرائيل، فإن نحو 190 ألف عامل مستقل، أي حوالي 40% من مجمل الموظفين المستقلين في إسرائيل، لا يمكنهم العمل من المنزل، ومن المتوقع أن يتكبدوا خسائر كاملة في دخلهم، تحت ما حددته تعليمات الجبهة الداخلية. ووفقاً لتقديره، هناك نحو 157.6 ألف عامل مستقل، أي 76% من مجمل المستقلين في إسرائيل، من المتوقع أن يعانوا من فقدان جزئي للدخل.
تستند المعطيات التي أوردها التقرير، من بين أمور أخرى، إلى استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية خلال فترة تفشي الكورونا، والذي أشار إلى نسبة الأعمال التي عمل فيها المستقلون عن بُعد خلال فترات الإغلاق. وبحسب تقديرات نتنزون، فإن تكلفة توقف النشاط الاقتصادي ليوم عمل واحد تقدّر بنحو 11,684 مليون شيكل، فيما تبلغ تكلفة هذا التوقف لقطاع المستقلين نحو 7,980 مليون شيكل، ولعامل مستقل واحد تقدر التكلفة المتوسطة بـ 16,774 شيكل.
وبناء على هذه المعطيات، دعا رئيس اتحاد منظمات المستقلين وأصحاب الأعمال، المحامي روعي كوهين، إلى تحرك فوري لوضع خطة تعويضات واضحة وقابلة للتطبيق لقطاع المستقلين. وكما قال: "لا يُعقل أنه في كل مرة يقع حدث أمني، لا تتوفر خطة تعويضات ولا يكون هناك وضوح اقتصادي. إن الدولة تواصل التعامل مع المستقلين بجفاء وبشكل قاس وبارد، رغم أنهم يواصلون دفع الضرائب، والخدمة في قوات الاحتياط العسكرية، ودعم الاقتصاد الإسرائيلي. تجاهل الحكومة ليس مؤذياً، فقط، بل هو مدمر أيضاً. المصالح الصغيرة لن تصمد بدون يقين ووضوح. نحن نطالب بخطة منظمة، وميزانية مخصصة لهذا القطاع، وشفافية تامة – الآن".
لم يتم تحديد آلية واضحة لتعويض العاملين وأصحاب العمل
وما زال من غير الواضح ما إذا كان مليونا عامل، لا يُعدّون "حيويين" وتغيبوا عن عملهم بناءً على تعليمات الجبهة الداخلية، سيحصلون على رواتبهم، وبأي آلية. وجاء في تقرير لموقع "دفار" أنه "على الرغم من أن إسرائيل تمرّست على الحروب، لم يتم حتى الآن تحديد آلية ثابتة، واضحة ومعروفة سلفاً لتعويض العاملين وأصحاب العمل عن توقف العمل بناءً على تعليمات الجبهة الداخلية، أو الأضرار الناتجة عن تعذر الوصول إلى العمل نتيجة إغلاق المدارس بسبب الحرب".
التسهيلات في التعليمات التي أُعلنت الاربعاء الماضي، والتي تتيح الوصول إلى أماكن العمل التي تتوفر فيها وسائل حماية معيارية، لا تزيد الوضع إلا تعقيداً: النظام التعليمي لم يُستأنف، وكثير من الأهالي مضطرون إلى البقاء في البيت، إلى جانب عاملين في أماكن عمل غير محصنة.
من الناحية القانونية الظاهرة حالياً، وفقاً لنقابة العمال العامة، لا يُلزم القانون أصحاب العمل بدفع رواتب للعاملين الغائبين، وفي بعض الحالات يمكنهم ربط الدفع باستنفاد أيام الإجازة. في الماضي، استُخدم نموذجان رئيسيان لمعالجة قضية أجور العاملين عن أيام العمل الضائعة في حالات الطوارئ – نموذج الإجازة غير المدفوعة ونموذج حرب "الجرف الصامد". النموذج الأول طُوّر في إسرائيل خلال فترة كورونا، ولكنه استُخدم أيضاً في الأشهر الأولى من الحرب على غزة بين 7 تشرين الأول و31 كانون الأول 2023، حين كانت البلاد بأكملها خاضعة لتعليمات طوارئ صارمة من الجبهة الداخلية. وفقاً لهذا النموذج، يخرج أصحاب العمل موظفيهم إلى عطل غير مدفوعة، وتُمكّن الدولة هؤلاء الموظفين، عبر تعديل في قانون التأمين الوطني، من الحصول على مخصصات بطالة (رهناً باستيفاء شروط الاستحقاق). لاحقاً تم تخفيف شروط الاستحقاق لمخصصات البطالة، بحيث أصبح مستحقاً لها من أُخرج إلى عطلة غير مدفوعة الأجر لمدة 14 يوماً أو أكثر (بدلاً من 30 يوماً كما في كورونا). كما تم تحديد آلية "بدل بطالة" للعاملين الأكبر من 67 عاماً، غير المستحقين لمخصصات البطالة.
تكاليف أجور العاملين المتغيبين قد تصل إلى 5–6 مليارات شيكل وأكثر
هذا النموذج يعوّض فقط عن 75% من الأجر، وقد يترك بعض العاملين بدون أي دعم اجتماعي – كمن قدّموا طلباً للحصول على مخصصات بطالة خلال الأشهر الـ12 الأخيرة، واستنفدوا كامل أيام البطالة المستحقة لهم. كما أن النموذج يقطع العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل. وإذا لم يوافق العامل على الخروج إلى عطلة غير مدفوعة، يُعتبر مفصولاً ويستحق تعويضات فصل، مما قد يفرض تكاليف إضافية على أصحاب العمل.
أما النموذج الثاني، الذي استُخدم في معظم فترات الحروب وفي فترات التوتر الأمني منذ "الجرف الصامد" العام 2014، فهو نموذج تعويض أصحاب العمل عن أجور العاملين الذين تغيبوا عن عملهم بسبب تعليمات الجبهة الداخلية أو إغلاق المدارس التي يتعلم فيها أولادهم، بواسطة صندوق ضريبة الأملاك. في هذه الحالات، تم تنظيم التعويض لأصحاب العمل قانونياً، كما نُظمت واجبات دفع الرواتب للعاملين من خلال اتفاقيات جماعية بين الهستدروت ومنظمات أصحاب العمل، والتي تم تعميمها على جميع قطاعات الاقتصاد عبر أوامر توسيع.
على عكس مخصصات البطالة، يوفر هذا النموذج دفع الأجر الكامل للعاملين، لكن من عيوبه أنه عادة ما يتم تطبيقه بعد أشهر طويلة من التأخير. والمشكلة الأكبر في هذا النموذج أنه طُبّق حتى الآن في حروب تم فيها تعطيل العمل في مناطق محددة فقط من البلاد، وكانت التكاليف الإجمالية للأجور أقل نسبياً. في هذه المرحلة، لم تُعرف بعد التكاليف الكاملة للأجور التي كان من المفترض دفعها للعاملين المتغيبين، والتي قد تصل إلى 5–6 مليارات شيكل أو أكثر.
رئيس الهستدروت يطالب بتحديد خطة تعويضات للحرب الحالية
رئيس الهستدروت، أرنون بار دافيد، أوضح لوزير المالية ورئيس لجنة المالية أنه يطالب بتحديد خطة تعويضات للحرب الحالية تضمن عدم المساس بأجور العاملين المتغيبين. وفي جلسة أسئلة وأجوبة أجرتها هذا الأسبوع المسؤولة الرئيسية عن علاقات العمل في وزارة العمل، المحامية ريفكا ورفنر، أوضحت أنه في هذه المرحلة لا يمكنها أن تضمن أن العاملين المتغيبين سيحصلون على رواتب، لكنها أعربت بحذر عن تفاؤلها بأن يتم، كما في العمليات السابقة، تنظيم الدفع للعاملين وتعويض أصحاب العمل من الدولة عبر نموذج "الجرف الصامد". ومع ذلك، في هذه المرحلة، لا يبدو أن هناك يقيناً بأن هذا هو ما سيحصل، ولا يبدو أن الحكومة قد قررت بعد كيف ستتصرف.
في مقال كتبه مؤخراً نائب المدير العام للاستراتيجية والسياسات في الهستدروت ومدير قسم التنظيم المهني، آدام بلومنبرغ، دعا الدولة إلى إنشاء آلية دائمة، سريعة وشفافة، تضمن تعويضاً مناسباً للعاملين غير القادرين على الوصول إلى عملهم بسبب حالة طوارئ. "نموذج كهذا سيعزز الثقة بين العاملين، أصحاب العمل والدولة، وسيكون دعامة حيوية للصمود الوطني في أوقات اللايقين"، كتب بلومنبرغ. وأضاف: "اليقين للعاملين ليس مجرد مسألة اقتصادية، بل مطلب أساسي لمجتمع مستقر وقادر على العمل".
وكتب يقول: "إسرائيل تعيش من جديد واقعاً أمنياً معقداً أكثر من المعتاد، والتعامل مع إيران وحلفائها يفرض تحديات جسيمة على كل مواطن ومواطنة. ملايين العاملين في إسرائيل لم يذهبوا إلى أعمالهم منذ عدة أيام – سواء بسبب تعليمات الجبهة الداخلية، أو الحاجة للبقاء في البيت مع أطفالهم بعد إغلاق المدارس. إن هذا الوضع، رغم أنه ليس غير مسبوق، يسلط الضوء مجدداً على الحاجة الماسة إلى حلول ثابتة وواضحة لسوق العمل الإسرائيلية في حالات الطوارئ. السؤال الذي يخيّم على رؤوس هؤلاء العاملين، الذين يُعدّون العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي، بسيط لكنه حاسم: هل، ومتى، سيتقاضون أجورهم؟ لا يُعرف كم ستستمر المعركة الحالية، لكن تبعاتها الاقتصادية سيُشعر بها بلا شك لوقت طويل بعد انتهائها. وفي هذا السياق، فإن تحوّل حالة عدم اليقين الوظيفي إلى عنصر دائم في حياة العاملين خلال الأزمات يمثل خطراً حقيقياً على الصمود الوطني"، بحسب تعبيره.