المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
أثر التدمير والتجويع في وسط غزة، يوم 29 أيار 2025. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 162
  • هشام نفاع

المقاطعة الأكاديمية للجامعات ومؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية تتواصل، بتصاعُد، منذ شن الحرب على قطاع غزة. وكشفت معطيات رسمية حدوث انخفاض لعدد الطلاب الأجانب في الجامعات في إسرائيل بنحو 50% منذ اندلاع الحرب، وتراجُع حجم المنشورات العلمية بنسبة 21%.

جاء ذلك ​​​​خلال جلسة مشتركة للجنتي العلوم والتكنولوجيا، والتعليم والثقافة والرياضة في الكنيست، تناولت "صورة مقلقة لحجم الضرر الذي لحق بجهاز التعليم العالي الإسرائيلي نتيجة موجات المقاطعة الأكاديمية حول العالم منذ اندلاع الحرب"، كما جاء في بيان رسمي. ومما قاله أعضاء اللجنة: "نحن في خطر حقيقي. موجة المقاطعة الأكاديمية مع تغير الموقف تجاه إسرائيل قد تضر بالمكانة الأكاديمية والدولية لدولة إسرائيل". وكذلك: "على عكس الرواية الداخلية، فلا يمكننا القول إن الجميع معادون للسامية ونعفي أنفسنا من المسؤولية، وإذا لم نستفق، سوف نتحول من قوة تكنولوجية إلى قوة جوز الهند والصنادل​. ويجب على الدولة أن تكون في رأس الحربة كي لا يشعر الباحث الإسرائيلي بأنه وحيد".

لجنة رؤساء الجامعات: تهديد للبحث العلمي، للاقتصاد وللأمن

حضر هذه الجلسة البروفيسور دانيئيل حايموفيتش، رئيس جامعة بن غوريون في بئر السبع ورئيس لجنة رؤساء الجامعات، وقال: "التهديد الأكاديمي مؤشر على عمق الأزمة". وتابع محذراً: "هذا ليس تهديداً أكاديمياً. إنه تهديد للدولة بأسرها. إنه تهديد للبحث العلمي، للاقتصاد، وللأمن. باحثون يفحصون إمكانية نقل مختبراتهم إلى الخارج لأنهم لا يستطيعون تحمّل احتمال عدم الاستمرار في التعاون مع المؤسسات الرائدة في أوروبا. لن يكون هناك مستقبل للعلم هنا. نحن نفقد أصدقاءنا في الأوساط الأكاديمية. أفضل أصدقائنا يجدون صعوبة في الدفاع عنا. الخطر هو أن نصل إلى نقطة لا عودة منها".

البروفيسورة ميخال بار آشر سيغال، نائبة رئيس جامعة بن غوريون للعلاقات الدولية، أبلغت: "نحن على حافة حصار علمي. عدد الطلاب الأجانب لدينا انخفض بنسبة 50% على الأقل. نحن بحاجة إلى مساعدة عاجلة". بينما قالت د. نعومي بك، نائبة المدير العام للاستراتيجية والعلاقات الدولية في مجلس التعليم العالي: "بدون الأكاديمية الإسرائيلية لم يكن هناك كوبيكسون أو موبيل آيي. إن برنامج البحث الأوروبي هو الأكثر مكانة وتنافسية في العالم، ونحن رواد في الحصول على منح بحثية تتراوح بين 1.5 و2.5 مليون يورو للمنحة. يجب أن نقف بثبات كي تبقى إسرائيل في برنامج هورايزون. إذا تم استبعاد إسرائيل من البرنامج أو حتى من أجزاء منه، فستكون ضربة قاسية لمحرك النمو في إسرائيل. إذا ما تم إقصاؤنا سنجد أنفسنا ننحدر إلى واقع شبيه بروسيا يصعب العودة منه".

من جهته، قال البروفيسور ميخائيل كلينغهوفر، رئيس أكاديمية الموسيقى والرقص: "لقد انخفض عدد الطلاب الدوليين إلى النصف. منذ بداية الحرب تلقيت العديد من الاستفسارات من زملاء في الخارج حول كيفية التعامل مع ردود فعل طلابهم بشأن التعاون مع إسرائيل".

خطوات "قسم معاداة السامية" في وزارة الشتات لا تغيّر شيئاً

رون برومر، رئيس "قسم معاداة السامية" في وزارة الشتات، قال إنه: "من الخطير جدا التعامل مع هذا عبر الحكومات. الأدوات الدبلوماسية مهمة، لكن يجب العمل أيضا في الساحة المدنية. أطلقنا مشروعا وطنيا لمكافحة معاداة السامية بقيمة 50 مليون شيكل، مع جمعيات، وندرس تخصيص ميزانية خاصة للأكاديميا، بحيث لا تكون الحكومة في الواجهة، بل تدعم الجهات المستهدفة".

لكن هذه الخطوات التي عرضها مندوب وزارة الشتات لا تغيّر القلق ولا مصادره كما يمكن الاستنتاج. فقد عرضت وزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا أمام الجلسة البرلمانية صورة وُصفت بالقاتمة، وفيها: انخفاض عام في التعاون الدولي في البحث العلمي، إذ أن أحد المؤشرات المهمة جداً لجودة المنشورات الأكاديمية هو عدد الاقتباسات منها. وقد أظهر بحث أُجري في إسرائيل أن متوسط عدد الاقتباسات لكل منشور أكاديمي يبلغ 11، لكن في المنشورات التي تتضمن تعاوناً دولياً يرتفع العدد إلى 27 اقتباساً، وفي حالة التعاون مع باحثين من الاتحاد الأوروبي تحديداً يرتفع عدد الاقتباسات إلى 33 اقتباساً للمنشور الواحد – أي أكثر من ثلاثة أضعاف.

منذ بداية الحرب تم تخصيص 40 مليون شيكل للتعاون الدولي، منها 10 ملايين شيكل للجامعات. وتشير البيانات إلى انخفاض حاد في الإنتاج العلمي الإسرائيلي: عدد المنشورات العلمية الإسرائيلية انخفض من 141.70 لكل 1000 منشور عالمي في 2022 إلى 111.45 فقط في 2024 – أي انخفاض بنحو 21%.

في ختام تقديمه هذه المعطيات، قال إيتمار غزاله من قسم البحث والتطوير في وزارة العلوم والابتكار خلال الجلسة إن "هناك تراجعاً في التعاون الدولي في مجال البحث مع إسرائيل، خلافاً للاتجاه العالمي. وذلك بخلاف الاتجاه السائد في العالم، حيث قامت دول أخرى مثل الصين وإيران برفع مستوى منشوراتها العلمية. إن التعاون له تأثير مباشر على جودة البحث العلمي".

الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم": "العلم الإسرائيلي في خطر حقيقي"

هذه الجلسة تزامنت مع بيان أصدره "مجلس الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم"، الأسبوع الفائت، تحت عنوان: "العلم الإسرائيلي في خطر حقيقي: الأكاديمية تحذّر من قطيعة مع الاتحاد الأوروبي".

هذه الأكاديمية ذات طابع شبه رسمي، أنشئت في العام 1961 بهدف "تشجيع الاتصال بين علماء العلوم والإنسانيات في إسرائيل"، وبهدف "تقديم النصائح للحكومة فيما يتعلق بالمشاريع البحثية ذات الأهمية الوطنية". تتشكل الأكاديمية من 84 من أبرز العلماء في إسرائيل. ويقع مقرها مقابل السكن الرسمي للرئيس الإسرائيلي مباشرة، كإشارة لمكانتها الرفيعة. ومن هنا أهمية تقييماتها. وجاء في البيان: "يحذر مجلس الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم، استناداً إلى دوره القانوني في تقديم المشورة للحكومة في القضايا ذات الأهمية الوطنية في مجالي البحث والتخطيط العلمي، من أن التطورات السياسية الأخيرة في الاتحاد الأوروبي تنذر بخطر جسيم قد يهدد العلم الإسرائيلي ومستقبل التعاون العلمي بين إسرائيل ودول الاتحاد. فقد باشر الاتحاد الأوروبي مؤخراً في مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، استناداً إلى المادة الثانية من الاتفاقية المتعلقة بحقوق الإنسان، وذلك في أعقاب الحرب على غزة والوضع الإنساني الخطير الناجم عنها. وعلى الرغم من أن هذه المراجعة لا تزال في مراحلها الأولى، فإنها تشكل جرس إنذار بالغ الخطورة بشأن مستقبل التعاون العلمي والأكاديمي بين إسرائيل وأوروبا، كما تهدد بمكانة مشاركة إسرائيل في برامج الاتحاد الأوروبي الرائدة للبحث والتطوير، وعلى رأسها برنامج هورايزون"، برنامج المنح البحثية والتطويرية المرموق.

ويتابع: "إن القلق ناجم من احتمال أن يكتسب تضرر قنوات الدعم الأوروبي، وبالتالي مستقبل العلم الإسرائيلي، بعداً إضافياً في ظل التطورات المقلقة في الولايات المتحدة، إذ أن سياسات إدارة ترامب المتمثلة في تقليص ميزانيات البحث الفيدرالية، والحد من التعاون مع باحثين أجانب، وتجميد المنح الثنائية، قد بدأت تؤثر سلباً على تمويل الأبحاث الإسرائيلية، ويُرجّح أن تتفاقم هذه التداعيات في المستقبل. هذا التوجه يعزز من اعتماد البحث العلمي في إسرائيل على التعاون الأوروبي ويُظهر مدى تعقيد وخطورة الوضع الراهن".

 

رئيس الأكاديمية: "ما تفعله إسرائيل يجعل الأوروبيين يعيدون النظر"

يورد بيان الأكاديمية معطيات لهيئة الابتكار الإسرائيلية نُشرت في شهر آذار الماضي، وبحسبها فقد حصل باحثون وشركات إسرائيلية في السنوات الأخيرة على منح تفوق مليار يورو من برنامج هورايزون للبحث والابتكار. وفقاً لتقرير "حالة العلم" للعام 2022 ، فإن أكثر من 60% من المقالات البحثية المشتركة للباحثين الإسرائيليين مع زملائهم من الخارج، كانت مقالات كتبوها بالتعاون مع باحثين من دول أوروبا. ومن هنا، فإن "التداعيات المحتملة للإضرار باتفاقية الشراكة لا تقتصر على فقدان مصادر تمويل حيوية، بل تشمل أيضاً التأثير السلبي على العلاقات مع مؤسسات بحثية رائدة، والإقصاء من المشاركة في مشاريع وبُنى تحتية علمية دولية رائدة، والضرر في القدرة على استقطاب باحثين متميزين والحفاظ عليهم، وتدهور مكانة إسرائيل في المجتمع العلمي العالمي. ومن البديهي أن أي تراجع في هذه المكانة ستكون له آثار طويلة الأمد على قوة إسرائيل الاقتصادية والأمنية"، شدد البيان.

وفقاً لمعطيات صحيفة "هآرتس"، قبل أسبوع، فإن أكثر من 20 جامعة حول العالم بدأت بمقاطعة إسرائيل بسبب الحرب المستمرة في غزة والوضع الإنساني في القطاع، كما تزداد حالات المقاطعة الفردية للأكاديميين الإسرائيليين. قبل أسابيع، عُقد اجتماع لمجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، طرحت خلاله هولندا مبادرة لإعادة النظر في اتفاقيات التعاون مع إسرائيل في ظل انتهاكات حقوق الإنسان في غزة. وقد حظيت المبادرة بدعم 17 من أصل 27 دولة في الاتحاد، وتشمل المبادرة أيضاً مشاركة إسرائيل في برنامج "هورايزون".

البروفيسور دافيد هرئيل، رئيس مجلس الأكاديمية، قال لصحيفة "هآرتس": "إن مجرد طرح النقاش يضر، لأنه قد يؤثر بشكل غير رسمي على اختيار المرشحين وعلى حافزية العلماء الإسرائيليين لتقديم طلباتهم. فمنذ لحظة بدء هذا النقاش – يُنظر إليك بشكل مختلف. السياق لإعادة التقييم واضح – بعد 7 أكتوبر كانت هناك دعم شامل لإسرائيل، لكن مع مرور الوقت وبسبب الصور من غزة – ما تفعله إسرائيل يجعل الأوروبيين يعيدون النظر في علاقتهم بها".

"لجنة التخطيط والتمويل" التي تعمل في إطار مجلس التعليم العالي في إسرائيل، وتتحمل مسؤولية توزيع ميزانية الدولة المخصصة للتعليم العالي على الجامعات والكليات العاملة في إسرائيل، عبرت هي الأخرى عن مخاوفها الصريحة إذ قالت إن: "إلغاء اتفاقيات التعاون بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إلغاء الاتفاق الذي ينظم مشاركة دولة إسرائيل في برنامج الإطار الأوروبي للبحث والتطوير، سيمثّل ضربة قاسية للأوساط الأكاديمية الإسرائيلية وخطراً يهدد بتدهور سريع في البحث العلمي الإسرائيلي. هذا المسار قد يُسرّع من هجرة الأدمغة، إذ سيسعى أفضل الباحثين إلى مؤسسات أكاديمية بديلة تُمكّنهم من تطوير كامل إمكاناتهم، مما سيؤدي إلى تراجع في جودة الأكاديمية الإسرائيلية ويضرّ بمحرك نموّ رئيس لدولة إسرائيل".

على الرغم من كل ما سلف، ففي حين تقرّ "الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم"، علانية وضمنياً، بأن فظاعات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وسائر الشعب الفلسطيني هي السبب الحصري في هذا الوضع الذي تصوّره بأشدّ الألوان خطراً، فإنها تمتنع عن التعبير عن أيّ موقف أخلاقي ولا سياسي ضد فظاعات الحرب. وبعدما دعت "حكومة إسرائيل إلى التحرك الفوري والحازم، وتوظيف جميع الأدوات المتاحة لديها من أجل منع الإضرار باتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ويجب على الحكومة أن تعمل على تهيئة الظروف التي تضمن استمرار التعاون الاقتصادي والعلمي مع أوروبا، بالتوازي مع تقديم رد مناسب على المخاوف الدولية المطروحة، مع الحفاظ على المصالح الوطنية لإسرائيل"، لم تذكر حتى ضرورة وقف الفظاعات الحربية ولو لغايات نفعية.

لا بل أن "الأكايمية" ذهبت أبعد من ذلك في هربها من التعبير عن موقف، حين ناشدت "جميع مؤسسات البحث والعلم في أوروبا بعدم إدخال اعتبارات غير مهنية في التعاون العلمي مع دولة إسرائيل، والامتناع عن اتخاذ خطوات من قبيل وقف تمويل الأبحاث، أو قطع العلاقات، أو فرض المقاطعات الأكاديمية، لما لذلك من ضرر لا يقتصر على العلم في إسرائيل، بل يمتد إلى العلم العالمي والصالح العام". وبعبارات يصعب وصف درجات تبلّدها، أعلنت هذه الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم أنها "ستواصل عملها من دون كلل من أجل تعزيز مكانة العلم الإسرائيلي بين المؤسسات العلمية والبحثية في أوروبا وسائر أنحاء العالم، وذلك استناداً إلى القيم العالمية للحرية الأكاديمية، وتبادل المعرفة، والمسؤولية العلمية تجاه تقدم الإنسان والمجتمع"، على حد قولها.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات