المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الحرب على غزة: مشهد من النصيرات. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 556
  • سليم سلامة

لا تزال الحكومة الإسرائيلية تصرّ على عدم تقديم أية رؤية سياسية لفترة ما بعد حرب الإبادة والتدمير الشامل التي تشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ أوائل تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وللشهر العاشر على التوالي، مغلِّبَةً اعتباراتها ومصالحها السياسية ـ الحزبية الداخلية على أية اعتبارات ومصالح استراتيجية ـ سياسية خارجية، إلى جانب استمرارها في تفضيل الحرب على أية صفقة لتحرير المخطوفين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أحياءً كانوا أم أمواتاً. وتستغل إسرائيل استمرار الحرب في قطاع غزة غطاءً لمواصلة وتعميق مساعيها وإجراءاتها العملية على أرض الواقع لضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية فعلياً ليصبح هذا الضم حقيقة واقعة في حكم الواقع. وهي تفعل ذلك بروح "السباق مع الزمن" من منطلق رغبتها، ورغبة ائتلافها البرلماني الحاكم، في "استغلال الفرصة التاريخية" التي تتيحها لها تشكيلتها الائتلافية و"إنجاز هذه المهمة القومية العليا" قبل انفراط عقد هذا الائتلاف البرلماني، لأنه قد يكون انفراطّا نهائياً بغير رجعة، في المدى المنظور على الأقل. وهي تفعل ذلك، أيضاً، من خلال العمل الحثيث على إضعاف السلطة الفلسطينية، وخاصة من الناحية الاقتصادية بوقف تحويل أموال المقاصة، بموازاة تكثيف الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وشرعنة المزيد من البؤر لاستيطانية "غير القانونية"(!) مقابل تهجير المزيد من التجمعات الفلسطينية من أراضيها وبيوتها، إلى جانب توفير الدعم والغطاء لممارسات المستوطنين الإرهابية ضد الفلسطينيين في قراهم، أحيائهم ومنازلهم في مختلف أنحاء الضفة الغربية، معتمدةً ليس فقط على الجيش وحكمه العسكري هناك، بل على "الإدارة المدنية" أيضاً، التي أوكلت المسؤولية عنها إلى "الوزير في وزارة الدفاع"، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

 وهي تمضي في هذا كله قُدُماً بالرغم من انقلاب التعاطف والتأييد الدوليين اللذين حظيت بهما على أثر أحداث يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، على نحو غير مسبوق خلال العقود الأخيرة ربما، وتبدّلهما بانتقادات حادة ومتصاعدة، باتهامات رسمية تنظر فيها المحكمتان الدوليتان في لاهاي، بعقوبات آخذة في الاتساع والاحتدام ضد مستوطنين وتنظيمات استيطانية في الضفة الغربية وبتراجع واضح في علاقات إسرائيل الخارجية ومكانتها الدولية، سواء مع دول مختلفة على صعيد العلاقات الثنائية أو على صعيد علاقاتها مع الهيئات الدولية ومكانتها فيها.

هذا التوصيف المكثف هو أبرز التشخيصات التي يضعها التقرير نصف السنوي الذي أصدره معهد "مِتفيم" (مسارات)، "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية"، نهاية الأسبوع الأخير، حول "الوجهات المركزية الأبرز في سياسة إسرائيل الخارجية الإقليمية" خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، من كانون الثاني حتى نهاية حزيران. ويستند هذا التقرير، بشكل أساس، إلى ما رصدته الأعداد الشهرية الستة الأخيرة من "التقرير الدبلوماسي" الذي ينشره هذا المركز بوتيرة شهرية ويستعرض فيه التطورات الأخيرة التي حصلت، خلال شهر، على صعيد علاقات إسرائيل مع كل من: الشعب الفلسطيني، الشرق الأوسط، أوروبا وحوض البحر المتوسط؛ كما يستعرض أداء أذرع السياسة الخارجية الإسرائيلية المختلفة.

تراجع خطير في العلاقات الخارجية والمكانة الدولية

في سياق الحديث عن التراجع الحاد والخطير في علاقات إسرائيل الخارجية ومكانتها الدولية، في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بما خلفته حتى الآن ـ ولا تزال ـ من قتل ودمار، يشير تقرير معهد "متفيم" بوجه خاص إلى تصاعد حدة التوتر بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية واتساع المظاهرات المناوئة للسياسات الإسرائيلية في الغالبية الساحقة من الولايات الأميركية ومن الجامعات الأميركية (وكذلك غالبية الجامعات في دول العالم المختلفة)، كما إلى الأزمة غير المسبوقة في العلاقات الإسرائيلية ـ التركية.

مع ذلك، يرى التقرير أن "إسرائيل لم تصبح دولة برصاء منبوذة بعد، والجزء الأكبر من اتفاقياتها الثنائية ومعاهدات التعاون الرسمية لا يزال قائماً ونافذاً رغم المشاهد التي تخرج من قطاع غزة ورغم ممارسات الحكومة التي تفضل الاعتبارات الحزبية الداخلية على مكانة دولة إسرائيل في العالم". لكن، "بالرغم من ذلك"، يؤكد التقرير، "حصل هبوط حادّ جداً في تصنيف إسرائيل الائتماني، أقدمت العديد من شركات الملاحة الجوية على وقف رحلاتها الجوية إلى إسرائيل ومنها، قطعت كولومبيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وتراجعت علاقاتها التجارية مع تركيا، أعلنت كل من فرنسا وكندا حظراً على بيع الأسلحة لإسرائيل، مُنعَت إسرائيل من المشاركة في معارض دولية مركزية، أُلغِيَت معارض لفنانين إسرائيليين في دول مختلفة في العالم، حصل تراجع حاد في مستويات التعاون الأكاديمي بين الجامعات الإسرائيلية والعديد من الجامعات في العالم، وتدهورت مكانة إسرائيل وفقدت طابعها الليبرالي في مؤشرات الديمقراطية العالمية المركزية". 

يؤكد التقرير أن "شرعية الحرب الإسرائيلية ضد حماس (ضد الشعب الفلسطيني، بالطبع، لا "ضد حماس"!)، بل شرعية دولة إسرائيل نفسها كجزء من عائلة الشعوب والدول في العالم، تلقت ضربات متتالية وحصل تراجع حاد وواضح فيها، حتى أنها أصبحت تواجه تحدياً جدياً في المحكمتين الدوليتين في لاهاي وفي مؤسسات دولية أخرى وساقت الحرب إسرائيل وقادتها إلى المحكمتين الدوليتين للرد على اتهامات ضدها وضدّهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية". وتبدلت الشرعية الدولية التي مُنِحت للحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة والدعم الدولي لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" بحملة واسعة من الانتقادات الدولية الحادة والمطالبة بوقف القتال وإنهاء الحرب.

يحاول التقرير تحجيم المسؤولية الإسرائيلية الرسمية عن هذا التردي والتفاقم اللذين يُسهب في وصفهما، سواء على مستوى الحكومة وائتلافها أو على مستوى المعارضة وأحزابها من "الوسط" و"اليسار"، ويحاول حصر هذه المسؤولية في "الاعتبارات السياسية ـ الحزبية والأيديولوجية المتطرفة" فيدّعي بأنه "أينما جرت محاولات ومساعٍ للمحافظة على القانون الدولي وعلى مبررات العملية العسكرية ومحاولات لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، كانت تسقط ضحية لتصريحات وسلوكيات إسرائيلية نابعة من اعتبارات سياسية ـ حزبية وأيديولوجية متطرفة، مما أدى في نهاية المطاف إلى زيادة وتوسيع دائرة الانتقادات الدولية، بدل تقليصها"! ويرى التقرير أن هذا حصل بالتوازي مع استمرار محاولات الحكومة إضعاف الجهاز القضائي الإسرائيلي "على الرغم من اتكائها عليه في صد الانتقادات الدولية وعلى الرغم من امتناع هذا الجهاز ذاته عن حماية وتطبيق أحكام القانون، الإسرائيلي والدولي، في الحرب ضد قطاع غزة وكذلك في المناطق المحتلة".

الحرب توقف "قطار التطبيع" وتُبدل ترتيب الأولويات

من ضمن التداعيات الأبرز التي يرصد التقرير ترتّبها على الحرب الإجرامية التي تواصل إسرائيل شنها على قطاع غزة، الوقف التام لـ"قطار التطبيع" الإقليمي، وخاصة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، مما حمل في طياته خطر "انتكاس التعاون الإقليمي الضروري لمواجهة إيران، في حال استمرار الحرب أكثر"! ورغم أن التقرير يعتبر أن "علاقات إسرائيل الإقليمية أظهرت مناعة ولم تُقطع بصورة رسمية، رغم كل المشاهد والصور التي خرجت من غزة وما حملته معها من ضغوطات"، إلا أن طابع هذه العلاقات قد شهد تغييراً والانطلاقة التي رافقت مساعي تكريسها وتعزيزها بصورة رسمية في بدايات الطريق "تبدّلت تجميداً وانتظاراً وتحسباً".

يقول التقرير إنه بينما أيدت إسرائيل مساعي دولة الإمارات العربية المتحدة لتصدّر المشهد في مجال المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، ارتأت الدولتان التروي وإبطاء الإجراءات في كشف علاقاتهما الثنائية والتوقف مؤقتاً عن الدفع قُدُماً بمشاريع اقتصادية مشتركة. أما العلاقات العلنية مع كل من البحرين والمغرب فقد "دخلت مرحلة التجميد"، بينما لم يلتئم أي من الأطر الإقليمية المتعددة الأطراف التي تولّدت من مسيرة التطبيع وأصبحت مسألة تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية الآن، حيال استمرار الحرب ضد قطاع غزة، "مرهونة بمدى استعداد إسرائيل لإنهاء الحرب والتقدم نحو حل الدولتين". على الجانب الآخر، ينوه التقرير إلى أن "الضرورة والقدرات الكامنة للتعاون الإقليمي قد تجسدت بصورة ممتازة في صد الهجوم المباشر الذي شنته إيران ضد إسرائيل".

في خارطة التعاون الإقليمي الراهنة، في ضوء مخلفات الحرب حتى الآن وفي ضوء استمرارها، يؤكد التقرير على أنها تتركز الآن في "إدارة الجوانب المختلفة للمعركة في غزة ومنع انتقالها إلى ساحات أخرى، وذلك من خلال المستويات المهنية بصورة أساسية، من خلال عدم الثقة والتوتر بين المستويات السياسية". فمصر تساعد في مساعي الإغاثة الإنسانية، في إدارة شؤون الحدود الجنوبية لقطاع غزة وفي التوسط في مساعي التوصل إلى اتفاق لتحرير المخطوفين الإسرائيليين. أما الأردن فتتعاون مع إسرائيل في إدخال مساعدات إنسانية أردنية إلى قطاع غزة كما ساعدت في صدّ هجوم المسيّرات الإيرانية ضد إسرائيل. وتسعى قطر في التوسط في مفاوضات تحرير المخطوفين الإسرائيليين بينما أرسلت المغرب مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة وأصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة الشريك الأول والأقرب في تقديم المساعدات الإنسانية للقطاع. وأكد التقرير: "هذه العلاقات وجبهات التعاون اعتمدت، بالأساس، على اتصالات مسؤولي الأجهزة الأمنية والمخابراتية في هذه الدول، بينما ساد التوتر، على الأقل، بين المستويات السياسية، بل العدائية العلنية في بعض الأحيان".

 

المصطلحات المستخدمة:

انقلاب, بتسلئيل, الإدارة المدنية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات