المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أصبح من الواضح تماماً أن الصدمة العسكرية ـ المعنوية غير المسبوقة التي أصيبت بها إسرائيل من جرّاء الهجوم الذي نفذته حركة حماس يوم السابع من تشرين الأول 2023 في منطقة الشريط الحدودي مع قطاع غزة (والتي تُعرف باسم "منطقة غلاف غزة") واستهدفت المواقع العسكرية والبلدات السكانية المنتشرة في محيط قطاع غزة، بما أسفرت عنه من أعداد كبيرة جداً من القتلى والجرحى والمخطوفين من المدنيين والعسكريين الإسرائيليين، وبما أيقظته في الذاكرة اليهودية الجمعية، ثم ما تلاها وسوف يتلوها من تداعيات ـ أصبح من الواضح أن هذه الصدمة تشكل، في نظر الأوساط السياسية الحاكمة في إسرائيل على وجه التحديد، فرصة لا يجوز تفويتها في سبيل تمرير مشاريع سياسية وأمنية مختلفة تحت ستار الحرب وتحت خيمة "الإجماع القومي" من جهة، وبعيداً عن الرقابة البرلمانية، الإعلامية، الجماهيرية، القضائية، من جهة أخرى.

  وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أول مَن أعلن في يوم الهجوم نفسه أن دولة إسرائيل "موجودة في حالة حرب"، وهو ما لم يُعلَن في إسرائيل منذ العام 1973. ومنذ تلك اللحظة، باتت القيادات الإسرائيلية، السياسية والأمنية، إلى جانب وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، تصف الحرب ضد قطاع غزة بأنها "حرب وجوديّة" و"حرب على البيت"، في محاولة لتجنيد المجتمع الإسرائيلي بأسره ورفع معنوياته التي انهارت، من جهة، وترميم ثقته بقياداته السياسية والأمنية والتي تهاوت، من جهة ثانية، على خلفية الإجماع الكلي تقريباً على أن الدولة ومؤسساتها فشلت فشلاً ذريعاً في الدفاع عن مواطنيها وحماية أمنهم وسلامتهم؛ وهو ما اعترف به رسمياً رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي ، الجنرال هرتسي هليفي، الذي قال يوم 12 تشرين الأول إن "المؤسسة العسكرية أخلّت بالتزاماتها في 7 تشرين الأول بشأن الدفاع عن الدولة وعن المواطنين".

"ضربات استباقية لمواجهة الخطر/ العدوّ الداخلي"!

ما دامت الحرب "حرباً وجودية" و"حرباً على البيت"، يصبح من الطبيعي والمنطقي إذاً أن يتجند المجتمع الإسرائيلي بأكمله في هذه الحرب وتفرعاتها وأن تُستخدَم فيها كل الأدوات والوسائل المتاحة، التي تستطيع السلطة الحاكمة اعتمادها، بغية منع ومحاصرة أية آراء أو مواقف لا تنسجم مع "الإجماع القومي" الإسرائيلي أو تشذّ عنه، ولا سيّما ـ بل بالأخص تحديداً ـ عند الفلسطينيين المواطنين في داخل إسرائيل الذين تتسع يومياً وبصورة مذهلة دائرة التصريحات الإسرائيلية العلنية، الرسمية والشعبية، السياسية والأمنية، التي تعتبرهم "خطراً/ عدواً داخلياً" ينبغي الاستعداد لمواجهته وتوجيه ضربات استباقية له "كي لا يرفع رأسه"! 

فمنذ اليوم الأول لهجوم حركة حماس انطلقت جوقات التحريض على المجتمع الفلسطيني في إسرائيل ورفعت صوتها عالياً، بعد تصريح نتنياهو مباشرة بأنّ إسرائيل "تواجه أربع جبهات، في الجنوب وفي الضفة الغربيّة وفي الشمال وفي الداخل"، من دون أن يحدّد ما هي جبهة الداخل، ولكن كان من الواضح أن التلميح يشير إلى المجتمع العربي. 

وفي موازاة التضييق الخانق وغير المسبوق في حدّته على حرية المواطنين العرب في التعبير عن الرأي وحقوقهم الأساسية، وهو ما تجسد حتى الآن في إقرار تعديلات قانونية خطيرة والاستعداد لإقرار تعديلات خطيرة أخرى، عبر إجراءات تشريعية مستعجلة سواء من خلال قوانين الكنيست أو من خلال الأنظمة التي يضعها الوزراء المعنيون؛ كما تجسد أيضاً في اعتقال عدد كبير من المواطنين العرب وتقديم لوائح اتهام بحق غير قليل منهم بسبب نشرهم، على وسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً، منشورات اعتبرتها الدولة "دعماً للإرهاب" و"تحريضاً على الإرهاب"؛ وفي موازاة حملة القمع والطرد من العمل التي تعرض لها آخرون من العرب للسبب ذاته، وقعت أيضاً العديد من الاعتداءات العنصرية الجسدية التي طاولت كثيرين من المواطنين العرب في بلدات ومدن إسرائيلية مختلفة. هذه كلها، وغيرها، دفعت أعداداً منهم إلى الامتناع عن الذهاب إلى أعمالهم الأمر الذي يشكل خطراً حقيقياً على مصدر رزقهم وأوضاعهم الاقتصادية في الفترة المقبلة. 

لكنّ الإجراء الذي يبدو أنه يحمل في طياته خطراً عينياً جسيماً على حيوات المواطنين العرب وبذور حالة من "فوضى السلاح والقتل" العارمة، بغطاء قانوني شامل، هو قرار الحكومة إطلاق حملة تسليح شخصية لأعداد هائلة من المواطنين اليهود في شتى المدن والبلدات الإسرائيلية. هذا المشروع قديم نسبياً وهو سابق لأحداث يوم 7 تشرين الأول ويندرج ضمن مشروع أكبر وضعه رئيس حزب "عوتسما يهوديت"، الوزير إيتمار بن غفير، لتشكيل "حرس قومي" كتجسيد أبرز لاستيعاب وتعلّم الدرس من احتمال تكرار أحداث "هبّة أيار 2021" التي وقعت في "المدن المختلطة" أساساً، إبّان عدوان "حارس الأسوار" الإسرائيلي على قطاع غزة. فمنذ تولي بن غفير منصبه وزيراً للأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية الحالية، أعلن بكل وضوح وفي أكثر من مناسبة أن مهمته الأساسية هي منع تكرار هذه الأحداث أو حصول أحداث مماثلة. ولكن، رغم كونه قديماً نسبياً، إلا أن توقيت إطلاقه بهذه الصورة الاستعجالية الآن يرمي إلى تحقيق جملة من الأهداف لعل أبرزها اثنان: أولاً ـ محاولة سريعة للتعويض عن الإخفاق الكبير في حماية المواطنين في الجنوب وحماية أمنهم وممتلكاتهم؛ ثانياً ـ حلقة أخرى، جوهرية، في فرض أجواء الترهيب على المواطنين العرب في إسرائيل ومنعهم من التعبير الفعلي عن أية مواقف تخرج عن دائرة "الإجماع القومي" الإسرائيلي ومنعهم من تنظيم أية نشاطات احتجاجية ضد السياسات الإسرائيلية أو داعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه. 

وانتهازاً لهذه الفرصة "الذهبية"، بدأت الدولة ـ عبر الشرطة (وزارة الأمن القومي) والسلطات المحلية ـ بتسليح أعداد كبيرة من الموطنين اليهود ببنادق رشاشة من طراز M16 وسوف تستمر هذه الحملة خلال الأيام والأسابيع المقبلة وفق ما أعلنه رئيس الحكومة، نتنياهو، في خطابه المتلفز إلى الشعب الإسرائيلي يوم 25/10، مضيفاً أن "إسرائيل اشترت وسوف تشتري كميات كبيرة من البنادق لتوزيعها على المواطنين"! وقبل ذلك، أعلن بن غفير، في مقابلة تلفزيونية مع القناة 14 يوم 10 تشرين الأول، أن الشرطة سوف تشتري عشرة آلاف بندقيّة رشّاش وتوزّعها على "وَحدات الحماية المدنية" في البلدات الإسرائيلية، وأنه أمر بتعيين "ضابط لتنظيم هذه الوحدات"، بالتعاون مع ضباط الأمن في السلطات المحلية في تلك المدن والبلدات. 

"يد خفيفة على الزناد: توسيع عديم المسؤولية"

تتعمد الحكومة الإسرائيلية، ورئيسها ووزراؤها، كما ذكرنا، استغلال الفرصة والأجواء لتمرير تعديلات قانونية وإجراءات تنفيذية تحت ستار الحرب وتحت "خيمة الإجماع" من دون أن تحظى هذه التعديلات والإجراءات بما تستحقه وبما يلزم من البحث والرقابة على أكثر من مستوى. وهو ما أشارت إليه، بكثير من القلق، المحامية ميريت شرعبي، مساعدة البحث في "مركز الأمن القومي والديمقراطية" التابع لـ "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، وذلك في مقال نشرته على موقع المعهد (22 تشرين الأول الماضي) فكتبت: "في ظل زحمة الأحداث وتحت الرادار الإعلامي وبأسلوب القنص، أقر في الأسبوع الماضي توسيع دائرة الاستحقاق للحصول على سلاح شخصي بصورة دراماتيكية، الأمر الذي يثير قلقاً كبيراً وتخوفاً عميقاً من أن هذه الأنظمة التي تم وضعها مؤخراً لا تأتي لمواجهة حالة الطوارئ الحالية فقط، وإنما تخدم جدول أعمال أوسع بكثير". 

وأشارت شرعبي إلى أن الأنظمة الجديدة توسع على نحو دراماتيكي دائرة الاستحقاق للحصول على سلاح شخصي في إسرائيل، بحيث ستؤدي إلى زيادة عدد أصحاب التراخيص لحمل سلاح شخصي من 170 ألفاً اليوم (وهو عدد كير جداً في حد ذاته) بثلاثة أضعاف، أي إلى 510 آلاف! وأضافت: "ليست واضحة، إطلاقاً، الاعتبارات التي أقر الوزير بن غفير على أساسها توسيع دائرة استحقاق حمل السلاح الشخصي". ثم أكدت: "من المهم جداً التأكيد على أنه في الصيغة التي تم توزيعها استعداداً لمناقشة الموضوع في الكنيست ورد أن هذه الأنظمة ستسري بصورة مؤقتة لفترة زمنية محددة، على ضوء الوضع الأمني. لكن وزارة الأمن القومي عادت وقررت في اللحظة الأخيرة تحويلها إلى أنظمة دائمة، وذلك بمصادقة اللجنة البرلمانية لشؤون الأمن القومي". 

وتحدثت عن الإشكاليات الكبيرة في هذه الأنظمة من حيث تمكينها أشخاصاً ذوي خلفيات جنائية إجرامية وأشخاصاً ذوي اضطرابات نفسية من الحصول على التراخيص وحمل أسلحة شخصية مرخّصة، وهو ما قد يحمل في طياته خطراً جدياً وجسيماً على الأمن العام وعلى سلامة الجمهور، بشكل عام. وقالت: "إن هذا الوضع يزداد خطورة، بشكل كبير جداً، في ضوء حقيقة أن وزارة الأمن القومي لا تقوم بعمل جدي ولائق في مجال جمع المعلومات عن حاملي التراخيص وحاملي الأسلحة وفي ممارسة الرقابة اللازمة عليهم". 

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات