المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أحيت آلاف النساء في إسرائيل، يوم الأربعاء الثامن من آذار ـ يوم المرأة العالمي ـ بسلسلة نشاطات متزامنة في عشرات المواقع في العديد من المدن والبلدات الإسرائيلية توحدت، ميدانياً ومضمونياً، مع النشاطات الاحتجاجية ضد "برنامج الإصلاح القضائي" الذي تسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية لتنفيذه. فقد شاركت آلاف النساء، وهن يرتدين القمصان الحمراء ويمسكن بأيدي بعضهن بعضاً، في نشاطات "سلسلة نساء من أجل الديمقراطية" التي جرت تحت شعار مركزي هو "نساء إسرائيل يضعن خطاً أحمر أمام المس بحقوق النساء"، على خلفية ما أسمينه "عزم الحكومة على إضعاف الجهاز القضائي وغياب التمثيل النسائي في الحكومة ومواقع القيادة في وزاراتها"، مُعتبراتٍ أن "النساء سيكنّ أول المتضررين من التشريعات الجديدة المزمع إقرارها".

وأوضحت إحدى منظمات هذه النشاطات أن النساء "خرجن للاحتجاج على غياب المساواة الجندرية والتخوف الشديد من تعمقه أكثر فأكثر جراء البرنامج الإصلاحي الجديد". وأضافت: "إن حقيقة الغياب شبه التام للنساء من الحكومة الحالية ووزاراتها المختلفة هي، في حد ذاتها، وصمة عار. فنحن لسنا أقلية، بل نشكل 51 بالمائة من السكان ومن حقنا أن يكون لنا تمثيل في جميع هذه الغرف، بدون استثناء وهذا ما دفعنا إلى الخروج إلى الشوارع اليوم، في يوم المرأة العالمي، لنعلن أننا نضع خطاً أحمر أمام المس بحقوق النساء... نحن هنا من كل القطاعات والأديان لنؤكد أنه من غير الممكن تجاهلنا". 

بالرغم من أن قضية تمثيل النساء في الحياة السياسية تحتل، منذ عقد من الزمن تقريباً، موقعاً متقدماً في جدول الأعمال العام على صعيد العالم عموما، سواء في المستوى السجاليّ أو البحثيّ، إلا أن الثامن من آذار من كل عام يشكل مناسبة جيدة لإعادة دفع الموضوع إلى الواجهة تماماً. ويقوم البحث في هذا الموضوع، إجمالاً، على فرضية أساس تقول إن لتمثيل النساء في الحياة السياسية العامة، وفي البرلمان بوجه خاص، أهمية قصوى لأنه "يتوافق مع المبادئ والقيم الديمقراطية والليبرالية ويسهم في رفع مكانة النساء وتحسين أوضاعهن في المجتمع". ولكن، رغم حصول تقدم كبير في كل ما يتعلق بتمثيل النساء في البرلمانات المختلفة في دول عديدة من العالم خلال العقود الأخيرة بالتحديد، إلا أن هذا التمثيل "ما زال بعيداً جداً عن سد الفجوات وتحقيق المستوى المطلوب"، كما تؤكد الأبحاث التي تنشرها منظمات نسائية دولية مختلفة باستمرار، وهو ما دفع دولاً وأحزاباً مختلفة إلى اعتماد طريقة تخصيص حصص معينة ثابتة لضمان تمثيل النساء ورفع مستواه في الحياة السياسية، لا بل فقد حققت بعض الحكومات في بعض الدول مؤخراً ما وُصف بأنه "توازن جندري" بحيث تشكلت من عدد متساوٍ من الرجال والنساء في المناصب الوزارية.  

تراجع ناجز ولا توقع بحصول تحسن!

بالرغم من أن نظام "تخصيص الحصص الثابتة للتمثيل النسائي في الحياة السياسية" غير مكرس بصورة قانونية وغير معمول به بصورة رسمية في إسرائيل، إلا أن تحسناً ملحوظاً كان قد طرأ في كل ما يتعلق بالحضور النسائي في الحياة السياسية خلال السنوات الأخيرة، حتى سجل هذا الحضور رقماً قياسياً غير مسبوق في بداية العام 2022. لكن، منذ تلك اللحظة، تتميز مسألة الحضور النسائي في الحياة السياسية العامة في إسرائيل بالتراجع المستمر إلى الحدّ الذي جعل "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" يصفه بأنه "تراجع مثير للقلق"، وذلك في استعراض جديد وضعه لواقع التمثيل النسائي في الحياة السياسية العامة في البلاد ونشره في تقرير خاص بمناسبة يوم المرأة العالمي هذا العام وخلص في نهايته إلى القول إنه "إذا كان تمثيل النساء في الكنيست والحكومة والسلطات المحلية قد حقق رقماً قياسياً في العام 2022، فقد ابتعدت إسرائيل اليوم عن الدول التي تشكل النساء الأغلبية بين أعضاء الحكومات فيها أو تشغلن فيها مناصب وزارية في حكومات متساوية التمثيل. وإذا كانت هذه هي الحال الآن، فينبغي القول إنه بالنظر إلى الخط الإيديولوجي الذي تقوم وتسير عليه الحكومة الحالية، فليس من المتوقع أن يطرأ تحسن في مكانة وتمثيل النساء في الحلبة السياسية الإسرائيلية". 

النساء في الكنيست

في الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي، التي جرت في تشرين الثاني 2022، انتُخبت لعضوية الكنيست 29 امرأة، لكن في أعقاب تبديلات تناوبية جرت في بعض الأحزاب منذ ذلك اليوم، ارتفع عددهن قليلاً وبلغ الآن، في الثامن من آذار 2023، 31 امرأة. ويشكل هذا الرقم تمثيلاً بنسبة تقل عن 26 بالمائة من مجمل عدد أعضاء الكنيست الـ 120. وبنظرة تاريخية واسعة، يمكن القول إن هذا تمثيل بمستوى مرتفع نسبياً، لكنه يعكس تراجعاً عما كان عليه الوضع قبل عام واحد.  

بالعودة إلى التاريخ، نرى أن نتائج الانتخابات الثلاث الأولى للكنيست الإسرائيلي، والتي جرت بين الأعوام 1949 و1955، أسفرت عن تمثيل النساء في عضويته بنسبة 10 بالمائة تقريباً من مجموع أعضائه الـ 120. بعد ذلك، وعلى مدر أربعة عقود حتى العام 1999، طرأ انخفاض في عدد النساء اللاتي تم انتخابهن لعضوية الكنيست وتراوح بين الحد الأدنى في العام 1988 ـ 7 نساء، وبين الحد الأعلى في العام 1992 ـ 11 امرأة. ثم بين الأعوام 1996 و2015، سُجل ارتفاع حاد في عدد النساء الأعضاء في الكنيست، غير أن نسبة تمثيلهن بقيت مستقرة على حالها منذ تلك الانتخابات. وفي الانتخابات الخمس الأخيرة، تراوح عدد النساء اللاتي انتُخبن لعضوية الكنيست بين 29 و30 امرأة. وخلال الدورة الأخيرة للكنيست، قبل الحالية، ارتفع عدد النساء الأعضاء في الكنيست وبلغ 35 امرأة، وذلك نتيجة تطبيق "القانون النرويجي" القاضي باستقالة عضو الكنيست الذي يتم تعيينه لإشغال منصب وزاري. 

الارتفاع في تمثيل النساء في البرلمان الإسرائيلي ليس أمراً مميزاً، إذ أن ازدياد عدد النساء اللاتي تم انتخابهن لعضوية برلمانات الدول المختلفة يمثل إحدى الظواهر البارزة جداً خلال العقدين الأخيرين على وجه التحديد، وليس في "الدول الديمقراطية" فحسب. فعلى سبيل المثال، حتى العام 2003 كانت هنالك دولة واحدة تجاوزت نسبة النساء في برلمانها الـ 40 بالمائة. لكن منذ ذلك العام فصاعداً، تجاوز تمثيل النساء في المزيد، ثم المزيد، من البرلمانات هذه النسبة حتى أصبح عددها اليوم 29 دولة. وتبين مقارنة تمثيل النساء في الكنيست الإسرائيلي بتمثيلهن في دول أخرى أن إسرائيل تحتل اليوم المرتبة الـ 93 من أصل 192 دولة من حيث تمثيل النساء في برلمانها. وللمقارنة، فقد كانت إسرائيل تحتل المرتبة الـ 61 قبل سنة واحدة فقط! أما بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، التي تتمتع إسرائيل بعضويتها، فهي تحتل الآن المرتبة الـ 31 من أصل 38 دولة، بينما كانت تحتل المرتبة الـ 23 قبل سنة واحد فقط!

النساء في الحكومات الإسرائيلية

حتى العام 1974، كانت غولدا مئير المرأة الوحيدة التي أشغلت منصباً وزارياً في أية حكومة إسرائيلية. بعد ذلك، تلتها كل من: شولاميت ألوني (1974)، سارة دورون (1983)، شوشانا أربيلي ألموزلينو (1986) وأورا نمير (1992). عملياً، في الفترة بين قيام دولة إسرائيل في العام 1948 والعام 1996، تولت خمس نساء فقط مناصب وزارية في الحكومات الإسرائيلية. لكن الوضع تحسن كثيراً، نسبياً، منذ ذلك الحين وتم تعيين 27 امرأة أخرى في مناصب وزارية. 

الحكومتان الأخيرتان، قبل الحالية، سجلتا، كل منهما على حدة، رقماً قياسياً في تمثيل النساء في الحكومة. ففي بداية دورتها، ضمت الحكومة الإسرائيلية الـ 35 التي شكلها بنيامين نتنياهو (بالشراكة مع بيني غانتس) عقب انتخابات العام 2020 عدداً غير مسبوق من النساء اللاتي أشغلن مناصب وزارية ـ 8 نساء، أي ضعفيّ الرقم القياسي السابق، إذ أن عدد النساء في أية حكومة سابقة لتلك لم يتجاوز الـ 4، في الحد الأقصى. أما الحكومة التي تلتها، الحكومة الـ 36 التي شكلها نفتالي بينيت (بالشراكة مع يائير لبيد) عقب انتخابات آذار 2021، فقد ضمت 9 وزيرات ـ ثُلث عدد الوزراء الكلي فيها. وأما الحكومة الحالية، الحكومة الـ 37 (حكومة نتنياهو السادسة) فقد تراجعت تراجعاً حاداً عن سابقتها إذ تضم بين صفوفها 6 وزيرات فقط (منهن وزيرتان بدون حقيبة) من أصل 32 وزيراً، مجموع عدد الوزراء الكلي فيها. 

غير أن الأبرز في مسألة تمثيل النساء في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هو أن هذا التمثيل لم يتجاوز حدوداً معينة سوى في حالتين اثنتين فقط منذ قيام الدولة حتى اليوم: غولدا مئير التي أشغلت منصب رئيسة الحكومة ومنصب وزيرة الخارجية، وتسيبي ليفني التي أشغلت منصب وزيرة الخارجية. ما عدا هاتين الحالتين، لم تشغل أية امرأة أي واحد من المناصب الحكومية الأهم والأكثر "حساسية": رئاسة الحكومة، وزارة الدفاع، وزارة الخارجية ووزارة المالية.   

ولكن، حتى لو شهد تمثيل النساء في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تحسناً ما، فإنه يبقى بطيئاً بالمقارنة مع دولة أخرى عديدة لم يُسجل فيها ارتفاع التمثيل النسائي في حكوماتها فحسب، بل كانت حكوماتها أكثر تساوياً من الناحية الجندرية، أو كانت فيها أغلبية نسائية حتى. هكذا هي الحال في فنلندا وهولندا، مثلاً، حيث تشكل النساء الأغلبية الوزارية في حكومتيهما، وفي هولندا وكندا والسويد التي يتساوى عدد الرجال والنساء في حكوماتها.   

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات