المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يعيد تقريرٌ جديد لمراقب الدولة الإسرائيلية التأكيد على استهتار السلطات الإسرائيلية بحياة وسلامة وحقوق العمال الفلسطينيين في المناطق الصناعية التي "تديرها إسرائيل في منطقة يهودا والسامرة"، أي الضفة الغربية المحتلة منذ 1967.

ووفقاً للتقرير فإن هناك 35 منطقة صناعية، وتقع كلها في المنطقة ج بحسب مفتاح تعريف المناطق في اتفاقية أوسلو. ويعمل فيها حوالي 5500 عامل إسرائيلي وحوالي 14100 عامل فلسطيني. وتنقسم المناطق الصناعية إلى ثلاثة أنواع: (أ) مناطق صناعية تعمل خارج المستوطنات ولا علاقة لها بها وتجري بشكل مستقل من حيث الأمن والإدارة. (ب) المناطق الصناعية المتاخمة للمستوطنات التي لها صلة بالمستوطنات وذات صلة أمنية بها. (ج) مناطق صناعية ذات مراكز تجارية عامة مشتركة "تخدم السكان الإسرائيليين والفلسطينيين"، على حد قول التقرير، وتتميز بنشاط بدرجة عالية، ليلاً ونهاراً. 

لوضع القضية في سياقها الأوسع، فبحسب أحدث بحث صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) قدمه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعنوانه "التكاليف الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني: حصيلة القيود الإضافية في المنطقة ج، 2000-2020"، أكد أن الفوائد التي تعود على السلطة القائمة بالاحتلال من المستوطنات في المنطقة ج المحتلة والقدس الشرقية هي على النقيض من التكلفة التي يتحملها الشعب الفلسطيني. ويقدر البحث المساهمة السنوية لهذه المستوطنات في اقتصاد سلطة الاحتلال بنحو 41 مليار دولار، أي 227 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني في العام 2021. وهذا الناتج المحلي الإجمالي، المنتج باستخدام الأراضي والموارد الطبيعية الفلسطينية، هو مؤشر آخر على التكلفة الكبيرة التي يتحملها الشعب الفلسطيني بسبب إقامة المستوطنات ونموها المستمر.

وهو يضيف أن التكلفة المقدرة لا تمثل سوى جزء بسيط من تكلفة الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة (ج)، والتي هي في حد ذاتها جزء صغير من التكلفة الاقتصادية الإجمالية التي يفرضها الاحتلال على الشعب الفلسطيني. وشدد على أن وصول الفلسطينيين إلى المنطقة (ج) أمر ضروري لتحقيق التنمية المستدامة. ويختتم البحث بالتشديد على ضرورة رفع جميع القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي الفلسطيني في المنطقة (ج). ومن شأن رفع هذه القيود أن يوفر للاقتصاد الفلسطيني قاعدة موارد اقتصادية وطبيعية تمس الحاجة إليها في سبيل تطوير اقتصاد الفلسطينيين وعكس الاتجاه الحالي المتمثل في تفاقم الأزمة المالية وزيادة الحرمان الاجتماعي والاقتصادي، وفقا للتقرير.

التوصيات بشأن السلامة 

تنتظر الإنفاذ منذ 11 عاماً

يتطرّق تقرير المراقب إلى ما يسميه مشاكل وقصورات أمنية، وهو جانب لا يتناوله هذا المقال الذي يستعرض سائر المسائل التي تناولها مراقب الدولة. ووفقاً له فقد تم الإبلاغ عن 5 حوادث عمل قاتلة إلى إدارة السلامة بوزارة الاقتصاد في هذه المناطق الصناعية، بين السنوات 2019 - 2021. علماً بأنه لا يتم الإبلاغ عن حوادث العمل غير القاتلة (بما فيها التي تنتهي بإصابات بالغة ومحدودية دائمة في القدرة على الأداء والعمل). وهو ما يجري في ظلّ عدم إنفاذ قوانين من قبل الأذرع المسؤولة في جهاز الاحتلال عن مجال العمل، وخصوصاً ما يسمى "الإدارة المدنية" وضابط مراقبة التشغيل. تقرير المراقب يكشف أنه حتى اليوم وبعد مرور 11 سنة على التقرير السابق في هذا الشأن، فقد تم تطبيق 4 قوانين عمل فقط على تشغيل العمال في المستوطنات الإسرائيلية والمناطق الصناعية في الضفة الغربية، وهذا من أصل 16 قانوناً تم تحديدها في قرار حكومي من العام 2014 ينبغي تطبيقها في الضفة الغربية.

أجرى مراقب الدولة، كما نصّ التقرير الجديد، على أنه بين الأشهر تشرين الأول 2021 إلى تموز 2022، تمت مراجعة متابعة للطرق التي طُبّقت لغرض تصحيح أوجه القصور التي أثيرت في التقرير السابق (2012). وتمت مراجعة الإجراءات التي قامت بها "قيادة تنسيق العمليات الحكومية في الإدارة المدنية" ووزارة الاقتصاد والصناعة والتجارة لتصحيح أوجه القصور. هنا ينوّه المراقب إلى أن "اللجنة الفرعية التابعة للجنة رقابة الدولة في الكنيست قررت عدم وضع هذا التقرير بأكمله على طاولة الكنيست، بل نشر أجزاء منه فقط، من أجل الحفاظ على أمن الدولة، وفقاً للمادة 17 من قانون مراقب الدولة 1958".

وجد التقرير أنه فيما يتعلق بـ "تطبيق قوانين العمل الإسرائيلية على أرباب العمل الإسرائيليين الذين يوظفون مواطنين في مناطق الاستيطان والمناطق الصناعية الإسرائيلية"، تبين في التقرير السابق أن عمل الهيئات الوزارية المشتركة لفحص الحاجة إلى تعديل التشريع الأمني ​​(من خلاله يمكن أيضاً تطبيق الأحكام والقوانين في الضفة الغربية) المتعلقة بقوانين العمل لم يقم سوى بخطوات أوّلية فقط، وما زال في بدايته فقط (رغم مرور 11 عاماً). ووجد أن معظم قوانين العمل (12 من 16) التي تقرر في العام 2014 تطبيقها لم تخرج إلى دائرة الإنفاذ بعد. والقوانين الأربعة التي تم تطبيقها هي: قانون الحد الأدنى للأجور؛ 1987، قانون عمل المرأة، 1954؛ قانون العمال الأجانب، 1991؛ وقانون خدمة التشغيل، 1959.

غياب الرقابة على تطبيق 

قانون الحد الأدنى للأجور

أما فيما يتعلق بتطبيق قانون الحد الأدنى للأجور، فقد ورد في التقرير السابق (2012) أن القسم المسؤول عن المجال في وزارة الاقتصاد والصناعة والتجارة لم يتحقّق ولم يتأكد من إجراء عمليات مراقبة منتظمة لإنفاذ الالتزام بدفع المبلغ المطلوب للعمّال، أيّ الحد الأدنى للأجور المفروض الالتزام به من قبل أرباب العمل الإسرائيليين، أيضاً في المصانع الواقعة في المناطق الصناعية التي تديرها إسرائيل في الضفة الغربية. كذلك، ورد في التقرير السابق أنه لم يتم وضع إجراء ينظم تقسيم العمل بين مفتشي العمل بوزارة الصناعة والاقتصاد ومناهج العمل في كل ما يتعلق بنشاط الإنفاذ، بما في ذلك مناهج تبادل المعلومات بينهم. 

لكن التقرير الحالي، تقرير متابعة تلك القصورات والتوصيات بتصحيحها، يكشف أنه لم يتم تصحيحها: إدارة فرع العمل في وزارة الاقتصاد لا تجري تدقيقات استباقية في المناطق الصناعية فيما يتعلق بدفع الحد الأدنى للأجور. كما لا توجد عمليات تدقيق منتظمة في المصانع لغرض تطبيق الحد الأدنى للأجور؛ ولم يتم وضع أي إجراء لتنظيم تقسيم العمل في هذا الموضوع بين الهيئتين – الوزارة و"الإدارة المدنية". ويخلص إلى أن "كل هذه العوامل قد تسبب ضررا لأجور جميع العاملين هناك". لكن يتبيّن أنه تم تقديم لائحتي اتهام فقط في العام 2020 ضد أصحاب العمل الذين انتهكوا قانون الحد الأدنى للأجور. وفي العام 2021، تم تقديم لائحة اتهام واحدة وفي العام 2022 (حتى شهر آب) لم يتم تقديم أي لوائح اتهام.

الوضع نفسه قائم في مجال تطبيق قوانين وأنظمة السلامة في العمل. إذ ورد في التقرير السابق (2012) أنه كانت هناك على مر السنين ثغرات تشريعية في مسألة السلامة والأنظمة في الضفة الغربية، مقارنة بالتشريعات المعمول بها في هذا المجال في إسرائيل. وأوصى مكتب مراقب الدولة في التقرير السابق بأن تعمل الإدارة المدنية بمشاركة وزارة الاقتصاد والصناعة والتجارة ووزارة العدل على تطبيق القوانين الملائمة في مجال سلامة العمل. ولكن هنا أيضاً، تبين في تقرير المتابعة الجديد، أنه لم يتم تصحيح تلك القصورات: لم يتم تطبيق قوانين السلامة والعمل المعمول بها في إسرائيل، كذلك في الضفة الغربية.

في التقرير السابق، أوصى مكتب مراقب الدولة "الإدارة المدنية" ووزارة الاقتصاد والصناعة والتجارة بضرورة ضمان تطبيق القانون بشكل منتظم على أرباب العمل الإسرائيليين في الضفة الغربية، إلى جانب أمن أنشطة التفتيش في أماكن العمل، من أجل ضمان سلامة وصحة جميع العمال - الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن كشف تقرير المتابعة أن الخلل أيضاً لم يتم تصحيحه: لم يتم إجراء أي إشراف ورقابة فيما يتعلق بتنفيذ القانون الحالي المعمول به فيما يتعلق بالسلامة والتدقيق اللغوي في العمل، في هذه المناطق الصناعية.

وردت في التقرير السابق توصية بوجوب تأمين العمال الفلسطينيين ضد إصابات العمل، لكن الجهات المسؤولة المشار إليها أعلاه لم تعين "هيئة" لتنظيم وتطبيق التأمين، ولم يتم تطبيق أحكام الأمر الخاص بالتأمين ضد إصابات العمل من العام 1976 على أصحاب العمل الإسرائيليين، ولم تكن هناك رقابة على أصحاب العمل الإسرائيليين الذين يشترون بوليصات تأمين للعمال الفلسطينيين الذين يوظفونهم خارج المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، كما يقتضي القانون.

على الوزارات استكمال القضايا 

التي تعيق تطبيق قوانين العمل 

 

أبلغت وزارة العدل المراقب في أيلول 2022 أنه "سيتم النظر" في مسألة أجور العمال الفلسطينيين، لكنها زعمت أن الفريق الذي تعامل مع الأمر لم يجد حلاً له جدوى عملية وقانونية. وفوق ذلك، لم يُطرح الموضوع مرة أخرى على المستوى السياسي في الحكومة الأخيرة. هناك قضية أخرى تدعي الوزارة أنها تتطلب قراراً على المستوى السياسي، وهي هوية المحكمة القانونية التي ستخوّلها مسألة مناقشة النزاعات الناجمة عن قوانين العمل كما هي مطبقة في المناطق الصناعية التي تديرها إسرائيل في الضفة. وأضافت أن التأخير في تطبيق قوانين السلامة على تلك المناطق يرجع على مر السنين إلى معارضة إدارة السلامة في فرع العمل. ومن جهتها، أبلغت المستشارة القانونية لفرع العمل مراقب الدولة أنها، كجزء من العمل على التقرير الحالي، ستعمل على المضي قدماً في هذه القضية مع المستشار القانوني لدائرة خدمات الرقابة الداخلية ومع وزارة العمل. وهي تتحدث عن وجوب إدخال وسائل أمنية من أجل تحقيق التطبيق الأمثل في هذا المجال. وكتبت أنه "من أجل زيادة تطبيق القانون في هذا المجال، يلزم اتخاذ تدابير خاصة، مثل السيارات المصفحة والمرافقة من قبل الشرطة والجيش، والتدريب وحيازة السلاح المرخص، ووسائل الحماية الأخرى. لأنه في غياب هذه التدابير، هناك صعوبة في تنفيذ الإنفاذ في المنطقة كما هو مطلوب"، على حد وصفها.

أمام هذا الوضع يخلص تقرير المراقب إلى أنه يجب على وزارة العدل ووزارة الاقتصاد والصناعة والتجارة ووزارة المالية، بالتعاون مع المستشار القانوني للحكومة، استكمال جميع القضايا التي تعيق تطبيق قوانين العمل الإسرائيلية في المصانع والمصالح التي تديرها إسرائيل في الضفة الغربية، والعمل وفقاً لقرار الحكومة الصادر في العام 2014 وقرار محكمة العدل العليا في التماس منظمة "عنوان العامل" 2007، القاضي بوجوب تمكين وجود عمليات تفتيش وتعديل عدد مفتشي العمل بسبب الحاجة إلى إجراء عمليات تفتيش منتظمة ومستمرة فيما يتعلق بأرباب العمل الإسرائيليين في هذه المصانع، وذلك لضمان منح الحقوق للعمال الفلسطينيين العاملين لدى الإسرائيليين في الضفة. ويكتب مراقب الدولة الإسرائيلية في ختام التقرير: لقد كشفت مراجعة المتابعة أن بعض أوجه القصور التي لوحظت في التقرير السابق لم يتم تصحيحها. في معظم المناطق الصناعية هناك ثغرات كبيرة في ترتيبات الأمن والسلامة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات