المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
أزمة كورونا "تجرّف" مكتسبات الاقتصاد في إسرائيل. (إ.ب.أ)
  • المشهد الاقتصادي
  • 3575
  • "المشهد الإسرائيلي"- خاص

تشير تقديرات جديدة لوزارة المالية الإسرائيلية، نشرتها الأسبوع الماضي، إلى أن الأزمة الاقتصادية المستفحلة في هذا العام ستمتد آثارها للعام 2023 على الأقل، ولم تقدم الوزارة تقديرات أكثر، مثل مصير الاقتصاد إذا ما تفاقمت الأزمة الصحية أكثر في العام المقبل 2021. ويتهم محللون الحكومة بالفشل، وبأنها فقدت السيطرة على إدارة الميزانية، والاتهام المباشر هو لشخص بنيامين نتنياهو، الذي يؤخر إقرار موازنة العامين الجاري والمقبل لحسابات شخصية انتخابية، لا أكثر.

بموازاة هذا أشار تقرير إلى أن الأزمة الاقتصادية تنعكس بقوة على جمعيات خيرية إسرائيلية تعنى بتقديم المعونة الغذائية للفقراء اليهود، خاصة في موسم الأعياد العبرية، الذي يبدأ الأسبوع المقبل، ويمتد ثلاثة أسابيع.

وتقول التقديرات الجديدة لوزارة المالية إن مداخيل الدولة من الضرائب للعام الجاري 2020، ستهبط في حالها الأفضل، بنحو 50 مليار شيكل، من أصل توقعات سابقة للمداخيل، 360 مليار شيكل، وهو ما يعادل 106 مليارات دولار (بحساب أن معدل صرف الدولار 3.4 شيكل للدولار). بمعنى أنه في أسوأ الأحوال ستهبط المداخيل إلى 311 مليار شيكل، وهذا أقل بنحو 60 مليار شيكل عن سقف مداخيل الضرائب الذي كان في العام الماضي 2019. لكن 311 مليار لن يكون التقدير الأسوأ، في حال استمرت الأزمة الاقتصادية. ويضاف إلى هذا العجز، تراجع مداخيل مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية) بنحو 20 مليار شيكل، بدلا من فائض سنوي هو بالمعدل 24 مليار شيكل.

وفي التقديرات الجديدة لوزارة المالية، يظهر تراجع كبير عما نشرته من تقديرات في شهر أيار من العام الجاري. فالمداخيل في العام المقبل 2021، ستهبط من 375 مليار شيكل وفق التقديرات السابقة، إلى 343 مليار شيكل في التقديرات الأفضل، وإلى 310 مليارات شيكل وفق التقديرات الأسوأ. وفي العام 2022، هبطت التقديرات المتفائلة، من 391 مليار شيكل، إلى 368 مليار شيكل، وفي التقدير الأسوأ 338 مليار شيكل. والحال ستستمر في العام 2023، إذ هبطت التقديرات المتفائلة من 409 مليارات شيكل، إلى 388 مليار شيكل، وفي التقدير الأسوأ قرابة 362 مليار شيكل.

وهذه التقديرات السوداوية، يتبعها عجز في الموازنة العامة، وأيضا تفاقم الدين العام، ما يعني أنه إذا كانت إسرائيل حتى قبل أشهر قليلة قد قالت إن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة شطبت إنجازات السنوات العشر الأخيرة، بالنسبة لخفض الدين، فإن الحديث اليوم يدور حول سنوات أكثر.

ووفق ورقة وزارة المالية نرى، للمقارنة، كيف أن العجز في الموازنة العام سيتفاقم إلى حدود غير مسبوقة. ففي العامين 2015 و2016 بلغ العجز في كل واحد منهما نسبة 2.1% من حجم الناتج العام، وهنا لم تصل إسرائيل إلى السقف المحدد 2.5%. وهبط العجز أكثر في 2017، إلى 1.9%، ثم ارتفع مجددا في العامين التاليين 2018 و2019، إلى 2.9% و3.7% على التوالي. أما في العام الجاري فإن العجز سيقفز إلى نسبة غير مسبوقة، حتى في سنوات الأزمات الاقتصادية، وسيصل إلى 13.4% من حجم الناتج العام، وهذا يعني عجزا يقارب 180 مليار شيكل، ما يعادل 53 مليار دولار. بينما العجز في العام المقبل سيكون بنسبة 9.5%، وهذا خلافا لتقديرات سابقة لبنك إسرائيل المركزي، توقعت أن لا يتجاوز العجز نسبة 4%. وأيضا في العامين التاليين سيكون العجز ضعفي معدل السقف في السنوات الماضية، وسيكون على التوالي 5.7% و5.3%. وكل هذه النسب تفوق نسب النمو الاقتصادي المتوقعة.

ففي العام الجاري، تقول التقديرات، إن الانكماش الاقتصادي سيكون في أحسن أحواله بنسبة 5.1%، وفي أسوأ أحواله 7.2%، وهي نسب مطابقة لتوقعات بنك إسرائيل المركزي، وسيعود النمو للارتفاع في العام المقبل 2021 بنسبة 2.3% كحد أدنى، وهذه نسبة تبقى أقرب للركود الاقتصادي، نظرا لكون نسبة التكاثر السكاني السنوية 2%، وفي التقديرات التفاؤلية، فإن النمو في العام المقبل سيرتفع بنسبة 5.4%. وفي العام 2022، سيتراوح النمو ما بين 3.5% كحد أدنى، و4.6% كحد أعلى، وفي 2023، سيتراوح ما بين 3.6% و4.1%. ولكن كل نسب النمو هذه، بعد احتساب نسبة التكاثر السكانية السنوية، لا يمكنها التعويض عن الانكماش الكبير الحاصل في العام الجاري، ما يعني أن الاقتصاد الإسرائيلي سيحتاج إلى سنوات نسب نمو أعلى، كي يكون بمقدوره التعويض عن أضرار الأزمتين الصحية والاقتصادية المستفحلتين.

أمام هذه التقديرات، فإن الدين العام سيبتعد لسنوات عديدة عن الحد الأدنى الذي هبطت له إسرائيل حتى العام الماضي 2019، إذ بلغ حوالي 60% من حجم الناتج العام، وحسب التقديرات الأولية، فإنه سيقارب هذا العام نسبة 80% من حجم الناتج العام، وقد يتجاوز هذه النسبة في العام المقبل.

وتقول مصادر في وزارة المالية، للصحافة الاقتصادية، إن على الحكومة أن تبحث عن مصادر لتمويل عجز إضافي فوق العجز المخطط له، وتقارب قيمته 62 مليار شيكل، في ميزانية العام المقبل 2021. وحسب تلك المصادر، سيكون على الحكومة إجراء تقليص في ميزانية العام المقبل بقيمة تقارب 12 مليار شيكل، وبموازاة ذلك، سيكون عليها إيجاد مصادر دخل جديدة بقيمة 50 مليار شيكل. وغالبا ما تكون مصادر الدخل الجديدة هي بيع سندات دين، ليتفاقم حجم الدين أكبر، والذي كان حتى مطلع العام الجاري، في حدود 810 مليارات شيكل، ومن المتوقع أن يقفز بنحو 33% مع نهاية العام الجاري.

كل هذه التقديرات طرحتها وزارة المالية قبل قرار الحكومة بفرض إغلاق واسع على الاقتصاد والحركة التجارية، ابتداء من يوم الجمعة المقبل 18 أيلول الجاري، ولمدة أسبوعين، على الأقل، قابلة للتمديد، ولكن هذه فترة ليست عادية للسوق الإسرائيلية، فهي واحدة من أكبر موسمين تجاريين يسبقان مواسم الأعياد العبرية، في الربيع والخريف.

وتقول تقديرات أولية، نشرت في مطلع الأسبوع الجاري، إن الإغلاق لمدة أسبوعين سيكلف الاقتصاد حوالي 19 مليار شيكل، فيما سيعود إلى البطالة، ولو مؤقتا، 250 ألف عامل وموظف.

ويقول المحلل الاقتصادي عومر ميلمان، في مقال له في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "حسب تقديرات وزارة المالية، فإنه إذا لم يتم سد العجز الإضافي حتى العام 2022، سيتفاقم أكثر، وسيكون عجز تراكمي آخر في ذلك العام في حدود 56 مليار شيكل، ويرتفع في 2023 إلى 57 مليار شيكل، وطالما لم تكن هناك إجراءات على مستوى أبعد، وتكتفي الحكومة بإجراءات عينية ومرحلية، فإن العجز سيتفاقم أكثر في السنوات المقبلة".

ويرى ميلمان أنه يجب قراءة تقديرات وزارة المالية، على أساس المخطط السنوي السابق، الذي أقر في عهد وزير المالية السابق، موشيه كحلون، الذي أنهى مهماته في شهر أيار الماضي. فقد وضعت الحكومة مخططا، يقضي بأن تعمل على خفض العجز في الموازنة العامة للعام الجاري إلى 2.25%، بينما اليوم يجري الحديث عن عجز سيصل إلى 13.4%. وفي العام المقبل كان مخططا أن يكون العجز بنسبة 1.75%. وكل هذه نسب سيتم تأجيلها لسنوات، حسبما يظهر من تقديرات وزارة المالية الجديدة.

وحسب التقديرات، فإن الحكومة صرفت وستصرف على أزمة فيروس كورونا في العام الجاري حوالي 82 مليار شيكل، من أصل ميزانية مقررة مسبقا بنحو 94 مليار شيكل، ولكن كل هذه الميزانية هي فوق الميزانية الأساسية لميزانية العام الجاري. وحسب ميلمان، فإن هذه الميزانية لتمويل أزمة كورونا، تم ضمانها من تمويل خاص جانبي، من خلال بيع سندات دين.

وكما هو معروف فإن ميزانية العام الجاري لم تقر بعد، وتدير الوزارات شؤونها على أساس ميزانية العام الماضي 2019، بزيادة 2% على الميزانية الشهرية، إلى حين إقرار الموازنة العامة، التي ليس واضحا إذا ما ستقر هذا العام، أو ما إذا ستقر ميزانية مزدوجة للعامين الجاري والمقبل 2021.

ووفقاً للمحلل الاقتصادي سامي بيرتس، فإن نتنياهو يتلكأ في مسألة الميزانية، إلى حين يعرف إذا طاقم المحامين لديه جاهز للمواجهة في جلسات محاكمته المكثفة، التي ستنطلق في الشهر الأول من العام المقبل. وبحسب بيرتس، إذا عرف نتنياهو أن طاقم المحامين ليس على قدر كاف من الجاهزية، فإنه سيعرقل إقرار الموازنة العامة، ويتجه لانتخابات رابعة، على أساس اعتقاده أن الانتخابات ستكون سببا كافيا للمحكمة لتؤجل جلسات محاكمته مرّة أخرى. ويضيف أنه إذا أيقن نتنياهو أن طاقم محاميه جاهز، فقد يعمل على إقرار الميزانيتين حاليا، أو ميزانية العام الجاري، لتبقى ميزانية 2021 ورقة مساومة بيديه، يستطيع على أساسها حل الحكومة والتوجه لانتخابات رابعة، بموجب حساباته الشخصية.

الجمهور سيدفع الثمن

القناعة المنتشرة حاليا هي أن كل قرارات الحكومة لتمويل أزمة كورونا، بضمنها المنح المالية، التي نالتها كل الشرائح على حد سواء تقريبا، بمعنى أولئك الغارقين في الفقر المدقع، وحتى الأثرياء، سيدفع ثمنها الجمهور لاحقا، بتقليصات في الميزانيات الاجتماعية ولسنوات، وهذا يعني تقليص خدمات وتقليص قوى عاملة في قطاع الخدمات الاجتماعية.

وكما يبدو، وحسب التقارير التي تظهر تباعا، فإن ميزانية الجيش لن تكون على قائمة التقليصات، فقيادة الجيش تطالب منذ الآن زيادة بمليارات كثيرة لميزانيتها، وحصلت في الأسبوع الماضي على ميزانية إضافية تفوق 3 مليارات شيكل. ولكن ما هو معروف أن الجيش سيطلب ميزانيات أعلى، للحفاظ على ما تسميه إسرائيل "التفوق العسكري في المنطقة"، خاصة إذ صادقت الولايات المتحدة على بيع دولة الإمارات طائرات إف 35 الحربية المتطورة.

وفي سياق الأزمة الاقتصادية، قال تقرير لاتحاد الجمعيات الخيرية الإسرائيلية التي تعنى أساسا بالمعونات الغذائية للعائلات الفقيرة، إن هذه الجمعيات تواجه عجزا كبيرا في ميزانياتها، ما يجعلها في أزمة حادة للقيام بالمهمات التي اعتادت عليها على أساس يومي، ولكن بشكل خاص في موسم الأعياد العبرية. وينبع العجز من تراجع حاد في التبرعات التي تحصل عليها الجمعيات من الجمهور ومن صناديق خارجية. وحسب التوقعات، فإن الحكومة ستدر على هذه الجمعيات ميزانيات دعم، خاصة وأنها تخدم جمهورا واسعا من المتدينين المتزمتين الحريديم، وهو الجمهور الذي يعتبر بمثابة داعم فوري لبنيامين نتنياهو والليكود، من خلال كتلتي الحريديم في الكنيست شاس ويهدوت هتوراة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات