المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
أزمة كورونا تكشف فئات اجتماعية متزايدة أمام "المستور" اقتصاديا.

باتت إسرائيل أقرب للتأثر بنتائج واقعها الاقتصادي المتأزم، مع استمرار انتشار فيروس كورونا، والتبعات الاقتصادية، فالأزمة السياسية المستفحلة تفرض نفسها على الإدارة الاقتصادية، خاصة على ضوء القناعة بأن الانتخابات البرلمانية المبكرة الرابعة مسألة وقت.

وتعد وزارة المالية سلسلة من الضربات الاقتصادية، تطال الأجيرين في القطاع العام، إضافة إلى تقليص ميزانيات، في حين أن السوق تعاني من حالة تباطؤ شديد؛ وارتفاع قيمة الشيكل أمام الدولار يضرب الصادرات؛ وبين هذا وذاك نشبت أزمة إدارية كبيرة في وزارة المالية، على ضوء استقالة رئيس قسم الميزانيات، المنصب الأهم في الوزارة، رفضا لسياسة وزير المالية يسرائيل كاتس.

فقد انشغلت إسرائيل، في الأيام الأخيرة، باستقالة مدير قسم الميزانيات في وزارة المالية شاؤول مريدور، بشكل مفاجئ من منصبه، على ضوء خلافات حادة حول جوانب إدارية أساسية في إدارة الاقتصاد والميزانيات. وبعث مريدور برسالة حادة إلى وزيره، يسرائيل كاتس قال فيها "إن قدرتي على القيام بمهماتي باتت أمرا غير ممكن".

وكتب مريدور أن "القدرة على القيام بمهماتي تحولت إلى أمر غير ممكن. فإجراءات اتخاذ القرارات في هذه المرحلة، تتأثر بالمصالح الضيقة وغير الموضوعية، وقصيرة المدى، إضافة إلى شل المستوى المهني، واستخفاف صارخ بالعمل الجماعي المهني، وقرارات متسرعة وتحطيم الأدوات وقواعد الميزانية".

وتبين أن مريدور يتهم كاتس بافتعال موارد غير واقعية للميزانية ليبرر الصرف الزائد.

وتلت هذا تقارير صحافية عديدة اتهمت كاتس بأنه يدير وزارة المالية بشكل "هدّام"، ويستهدف السلك المهني في الوزارة، مدعوما من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يريد فرض سياسة اقتصادية تخدم أهدافه السياسية، حسب تلك التقارير، التي تقول إن الخزينة العامة تتعمق في عجز أكبر مما ينشر، وسيتجاوز كل التقديرات، التي تتحدث حتى الآن، عن 12% من حجم الناتج العام.

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر"، سامي بيرتس، في مقال له، إن "مريدور كان مستهدفا من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو منذ بداية هذه الأزمة. إذ أراد نتنياهو موظفين خاضعين ينفذون ما يطلبه منهم، دون إزعاجه بالأسئلة والمطالبة بنقاش مهني. هكذا اعتاد في عمله مع المقربين منه، مثل رئيس المجلس الوطني للاقتصاد، البروفسور آفي سمحون، ورئيس مجلس الأمن القومي، مئير بن شبات". وتابع بيرتس أن "وزير المالية يسرائيل كاتس الذي يتبين كل يوم أنه عبد مطيع لنتنياهو، تماشى معه ومع الهجوم القبيح على المستوى الوظيفي. وحتى المديرة العامة المخلصة له، التي أحضرها من وزارة المواصلات، كيرين تيرنر، تعرضت لهجوم شخصي من الوزير، ولا حاجة للحديث عن شكل التعامل مع مريدور والمستشار القانوني في وزارة المالية".

وكل هذا يستفحل على ضوء واقع عدم إقرار الموازنة العامة، لا للعام الجاري ولا للعام المقبل، في مشهد غير مسبوق في الحكومات الإسرائيلية، التي شهدت مرارا تأخيرا في إقرار موازنة العام، على ضوء حل حكومة وبرلمان؛ ولكن بعد كل انتخابات كانت كل حكومة جديدة تطرح موازنة عامة جديدة، ويقرها الكنيست في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر، أما اليوم، وبعد مرور ما يزيد عن ثلاثة أشهر ونصف الشهر من بدء عمل الحكومة، فإنها لم تتفق في داخلها على إطار الموازنة العامة للعام الجاري الذي شارف على الانتهاء؛ إضافة إلى ما هو معروف عن أن نتنياهو يريد نقض اتفاق الائتلاف، وإقرار ميزانية لعام واحد فقط، وليس للعامين الجاري والمقبل 2021، الذي ميزانيته من المفترض أن تقر حتى نهاية العام الجاري. والخلاف ما زال قائما رغم تأجيل الموعد النهائي لإقرار الموازنة العامة، إلى يوم 23 كانون الأول المقبل.

تأخير الميزانية، مع الصرف الاستثنائي على ضوء انتشار كورونا، جعلا وزارة المالية تبحث عن موارد مالية لتقليص العجز في الموازنة، وتمويل جوانب أخرى. وعلى رأس هذه الموارد إعداد سلسلة من الضربات الاقتصادية، رغم توصية بنك إسرائيل المركزي لحكومته بأن تتجنب الضربات الاقتصادية والتقليصات في ميزانيتي العامين الجاري والمقبل، حتى ولو على حساب زيادة الدين العام.

الضربات والتهديد بالإضراب العام

أبرز الضربات التي تعدها وزارة المالية، تقليص رواتب 700 ألف شخص يعملون في القطاع العام بشكل متدرج، وهذا يطال حتى المتقاعدين. وستكون التقليصات في الرواتب على النحو التالي: إعفاء أول 7 آلاف شيكل من الرواتب غير الصافية، ثم تقليص رواتب من يتقاضون ما بين 7 آلاف إلى 15 ألف شيكل بنسبة 3%، ومن يتقاضون رواتب ما بين 15 ألفا إلى 20 ألف شيكل بنسبة 7%، ومن يتقاضون 20 ألفا وما فوق ستتقلص رواتبهم بنسبة 10%.

وكما ذكر، فإن هذا سيطال من يحصلون على رواتب تقاعدية من الخزينة العامة، وهؤلاء موظفون قدامى، لأن هذا النظام يتقلص، والموظفون في القطاع العام بات مفروضا عليهم فتح توفيرات تقاعدية لدى شركات تأمين خاصة. ويضاف إلى هذا تقليص بنسبة 1,25% من مخصصات التقاعد، من صناديق التقاعد القديمة، وهنا الحديث عن مسنين متقدمين في العمر، لأن هذه الصناديق تم إغلاقها منذ قرابة 25 عاما.

ولكن هذا ليس نهاية المطاف، فهذه التقليصات هي الواجهة، وفي الخلفية خيارات أخرى، تبدو وكأنها أخف وطأة، وهي ما تريد وزارة المالية الوصول إليها في نهاية المطاف، بعد مفاوضات مع اتحاد النقابات العامة، الهستدروت، ستنتهي عند "حل وسط" تكون الوزارة قد خططت له مسبقا.

ويقول الوزير كاتس إن هذه التقليصات ستضمن توفيرا للخزينة العامة، يتراوح بما بين 3 مليارات إلى 4 مليارات شيكل، وأن هذه الأموال سيتم تحويلها لدعم القطاع الخاص، والقصد هنا دعم أماكن العمل الكبيرة لتستوعب عاملين أكثر، وتتوقف عن اغلاق أماكن عمل.

حتى الآن، فإن الأزمة ما تزال قائمة مع الهستدروت، الذي أعلن عن نزاع عمل ينتهي يوم 17 أيلول الجاري، وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق مع وزارة المالية، فإن هذا سيعني الشروع بإضراب عام، يشمل القطاع العام، والنقابات الكبرى في القطاع الخاص، بحسب ما أعلن رئيس الهستدروت أرنون بار دافيد.

فالتقليصات التي أعلنتها وزارة المالية للقطاع العام لن تقتصر عليه، لأن عددا من النقابات المهنية ربطت اتفاقيات الأجور وشروط العمل لديها باتفاقيات قائمة في القطاع العام، كما أن نقابات مهنية تضم لديها عاملين من القطاعين العام والخاص، ما يعني أن التقليصات ستصل أيضا إلى قطاعات في القطاع الخاص.

انهيار الدولار ينذر بأزمات جديدة

مثل كل الدول، تعاني السوق الإسرائيلية في ظل أزمة كورونا من ظاهرة تراجع الاستهلاك، الذي بات يطال حتى الاستهلاك الأساسي، والاحتياجات الحياتية، وفق ما ظهر في تقرير مكتب الإحصاء الحكومي، عن الربع الثاني من العام الجاري، إذ تراجع الاستهلاك الفردي بنسبة 50%، بشكل عام. وتعكس هذه النسبة تراجع الاستهلاك إلى نسبة أقرب إلى الصفر في العديد من القطاعات، مثل السفر إلى الخارج والنقاهة في الخارج، والتراجع الحاد في ارتياد المطاعم.

وجديد الأزمة الاقتصادية المتفاقمة هو الانهيار الحاد في سعر صرف الدولار أمام الشيكل، والذي أعاده إلى مستويات كانت قبل 12 عاما، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، التي بدأت من الولايات المتحدة الأميركية، ما جعل قطاع المصدّرين يهددون بفصل آلاف العاملين، بفعل تفاقم الأزمة التي يواجهونها أصلا بفعل التراجع في حركة التجارة العالمية.

وتراجع سعر الدولار منذ مطلع العام الجاري أمام الشيكل بنسبة 3,5%، منها 1,4% في الأيام العشرة الأخيرة، كما أن سعر الدولار انهار منذ مطلع العام 2019 وحتى اليوم بنسبة 9%. ويواجه سعر الدولار أمام الشيكل حالة عدم استقرار خلال السنوات الـ 12 الأخيرة، ففي العام 2004، أي قبل 16 عاما، قارب سعر الدولار 4,9 شيكل، ولكن سرعان ما هبط إلى مستوى 4,3 شيكل، ولكن الانهيار الحاد بدأ في النصف الثاني من العام 2007. وخلال السنوات الـ 12 الأخيرة، عمل بنك إسرائيل على مضاعفة احتياطي العملات الأجنبية، من 28 مليار دولار في شهر آذار 2008، إلى 130 مليار دولار حتى النصف الثاني من آب الماضي، وقسم من هذه الزيادة كان بفعل تدخل البنك المركزي للجم انهيار الدولار.

وحسب تقديرات معاهد وشركات استثمار اقتصادية، فإن بنك إسرائيل المركزي، كما يبدو، قرر تغيير سياسته بعدم الإسراع لشراء الدولارات، خاصة وأن سعر العملة الأميركية يواجه حالة تراجع عالمية، وليس فقط في إسرائيل؛ ولهذا فإن البنك المركزي الإسرائيلي قد يكون وضع حدا أدنى جديدا للدولار لم يعلن عنه بعد، بحسب شركة الاستثمارات غولدمان ساكس. في المقابل، فإن الحكومة قد تبادر لدعم المصدّرين، وتعويضهم، ولكن ليس من خلال المساهمة في رفع سعر الدولار.

وتقول التقارير الاقتصادية إن التراجع الحالي لسعر الدولار أمام الشيكل يعود لعدة أسباب، منها تراجع الحركة التجارية العالمية، وتدفق كميات كبيرة من الدولارات على إسرائيل بفعل صادرات الغاز، وتراجع حاد على طلب الدولار، بفعل التراجع الحاد جدا للرحلات الجوية والسفر إلى الخارج.

وانهيار سعر الدولار من ناحية المصدّرين هو تراجع الواردات بالشيكل على المصانع، في الوقت الذي تستمر فيها كلفة الإنتاج بالارتفاع. وتقول مصادر في اتحاد الصناعيين إن خطوط إنتاج عديدة توقفت في مصانع كبرى بسبب تراجع الطلب، ولكن أيضا بسبب تردي المردود المالي وعدم الجدوى من الإنتاج.

ويقول المصدّرون إن السعر المثالي للدولار، الذي يمكنهم التعايش معه، هو ما بين 3,7 إلى 3,8 شيكل للدولار. وأمام هذا الوضع، يهدد المصدّرون الكبار في إسرائيل بفصل آلاف العمال، على ضوء الأزمة المزدوجة التي يواجهها قطاع الصادرات.

ويقول الخبير الاقتصادي المتخصص بأسواق المال دودي رزنيك، والخبير كوبي ليفي، في حديث لصحيفة "ذي ماركر"، إن الوضع الاقتصادي سيواصل الضغط على الدولار ويرفع قيمة الشيكل، رغم أن الوضع في إسرائيل ما زال صعبا، وأمامها مرحلة عدم استقرار سياسي واقتصادي، بموازاة استفحال الإصابات بفيروس كورونا، ولربما أيضا تكون هناك انتخابات مبكرة في غضون الأشهر الـ 6 القريبة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات