موسوعة المصطلحات

مدار - بيديا موسوعة مصطلحات تحوي أكثر من 5000 مصطلح اسرائيلي

الهجرة الاولى (1882 - 1903):

نظمت هذه الهجرة جمعيات (محبي صهيون) وحركة (بيلو). ولهذه الهجرة دوافع وأسباب وهي:

أ-) تأثير نشاطات لاسامية في روسيا، أو ما يُعرف باسم (عواصف في النقب).

ب-) الاهتمام الكبير من قبل فروع جمعيات (محبي صهيون) في روسيا ورومانيا وبولندا وغيرها بتنظيم الهجرة والحث عليها.

ت-) التأثير الذي تركته كراسة المفكر اليهودي (بينسكر) (وعنوانها (التحرر الذاتي) على الشباب اليهودي في البلدان التي خرجت منها الهجرة.

ث-) الإحباط وخيبة الأمل التي أصابت المثقفين اليهود جراء ازدياد الملاحقات والمضايقات التي تعرض لها اليهود في أوروبا، ورغبة مجموعات من اليهود بإيجاد حلول مناسبة للمشكلة اليهودية، خاصة في روسيا التي تعرض فيها اليهود لأكبر كم من المضايقات والملاحقات.

واجه مهاجرو هذه الهجرة مشاكل وصعوبات خلال عمليات استيطانهم في المستوطنات التي أقاموها في فلسطين، ومن بين هذه المشاكل والصعوبات:

أ-) جهل المهاجرين بالعمل الزراعي، رغم أن الهدف الأساسي المعلن من وراء الهجرة هو العمل في الأرض واستغلال الأرض للمعيشة ولبناء المستوطنات.

ب-) لم يكن لدى المهاجرين أي أُسس أو قواعد أولية في معرفة طرق الزراعة والري.

ت-) واجه المهاجرون في هذه الهجرة مشكلة نقص المياه، وانتشار الاوبئة الفتاكة والتي عجز الأطباء في بعض الحالات عن معالجتها ما أدى إلى وفاة كثير من المهاجرين.

ث-) تعرض بعض المستوطنات إلى أعمال سرقة من قبل جماعات من البدو لأسباب تتعلق بالسيطرة على الأراضي التي كان البدو يستفيدون منها.

ج-) لم يتلق مهاجرو هذه الهجرة أية مساعدة أو دعم من اليهود العائشين في فلسطين من قبلهم، فكان عليهم العمل من أجل حلّ مشاكلهم، والتي لم ينجحوا في حلّ جزء منها، خاصة الشؤون والقضايا المرتبطة بالجوانب المالية.

ولم يتم لأبناء هذه الهجرة حلّ مشاكلهم لولا تدخل البارون روتشيلد الذي وضع مشروعاً ومخططاً كاملين لإنقاذ هذه الهجرة، وخصص مبالع من المال والموظفين للقيام بعملية الإنقاذ للحركة الاستيطانية التي قام بها أبناء الهجرة الأولى.

وكان لمشروع البارون روتشيلد ايجابيات وسلبيات. أما الايجابيات فهي على النحو التالي:

أ-) كان لدعمه المالي مساهمة كبيرة وفعالة في إنقاذ المستوطنات من الانكسار والتدهور.

ب-) قدم البارون مبلغاً بقيمة خمسة ملايين جنيه استرليني لمشروعه هذا.

ت-) تمت عملية تنظيم النشاط الزراعي وما يرافقه من نشاطات وفعاليات استناداً إلى طرق حديثة وأُسس إدارية رآها البارون وموظفوه أنها ناجعة وناجحة في الوقت نفسه.

ث-) ساهم مشروع البارون في إقامة مستوطنات جديدة مثل عقرون ومئير شفيا، إضافة إلى المستوطنات التي كان المهاجرون قد أقاموها ونالوا الدعم اللازم لتسيير شؤونها، مثل زخرون يعقوب وريشون لتسيون وبيتاح تيكفا.

ج-) ساهم الخبراء الزراعيون الذين أحضرهم البارون إلى فلسطين في إدخال أصناف جديدة من المزروعات كالتوت والكينا (الذي استعمل لتجفيف المستنقعات) وبعض أنواع من الكرمة التي استخدم عنبها في صناعة النبيذ في كل من ريشون لتسيون وزخرون يعقوب.

تعرض مشروع البارون إلى جوانب سلبية، منها:

أ-) حصل المستوطنون على دعم مادي بحسب عدد أفراد الأسرة أو عدد المستوطنين في كل مستوطنة، بدلاً من وضع خطة عملية لتشجيعهم على العمل في حقولهم، ما أدّى بالمستوطنين إلى تشغيل عمال عرب من القرى المحيطة بمستوطناتهم، لأن أجرة العامل العربي أقل من أجرة العامل اليهودي، وبالتالي يتبقى مال من الدعم الذي خصصه البارون بأيدي المستوطنين.

ب-) سخر المراقبون والموظفون الذين أرسلهم البارون من المهاجرين، ونظروا إليهم نظرة استعلائية وتدخلوا في حياتهم وشؤونهم الخاصة، وفي كثير من الأحيان استخدموا الشدة والقسوة في تعاملهم معهم، ما أدى إلى تباعد بين المراقبين والمهاجرين وتكوين عداوات بين الطرفين.

ت-) ازداد تأثير الفكر والاتجاه الثقافي الفرنسي في أوساط المستوطنين من جراء ما قام به الموظفون والمراقبون من بث أفكار فكرية فرنسية، والمهاجرون قدموا من بيئات مختلفة كلية. إضافة إلى أن التأثير الفكري والثقافي الفرنسي جاء أيضاً على حساب التراث والفكر اليهوديين.

ث-) كان طاقم المراقبين والموظفين كبيراً وضخماً للغاية، واكثر من الحاجة التي تفرضها الظروف والواقع في المستوطنات، وهذا الطاقم أعاق مسيرة تطور وتقدم المستوطنات بشكل يتيح المجال أمام المهاجرين الاعتماد على النفس.

وبعد أن تبين للبارون روتشيلد أن المستوطنات لم تتمكن من الاعتماد على نفسها بنفسها، إنما اتكلت على دعمه المالي والإداري والإرشادي، وازدياد الخلافات بين موظفيه والمستوطنين، قام البارون بتحويل الإشراف على المستوطنات وتطويرها إلى جمعية (ايكا).

اهتمت الجمعية المذكورة بوضع خطة للتنظيم الاقتصادي، مثل تقليص عدد الموظفين والمراقبين، ومنح القروض والتسهيلات الزراعية والمهنية لتطوير فرع الزراعة وما يتبعه من فروع أخرى. ونجحت هذه الجمعية في زيادة عدد المستوطنات بعد أن استولت على أراضٍ في مناطق مختلفة من فلسطين. والمستوطنات الجديدة التي أقامتها هي: تل حاي وكفار غلعادي بالقرب من المطلة في شمالي فلسطين، وكفار تابور بالقرب من جبل الطور في الجليل الشرقي وغيرها من المستوطنات.

الهجرة الثانية (1904 - 1914):

هاجر خلالها إلى فلسطين ما يقارب الـ 35 ألف مهاجر يهودي، غالبيتهم العظمى من روسيا. أما خلفيات ودوافع حصولها فهي على النحو التالي:

أ-) قرار المؤتمر الصهيوني السابع العام 1905 الذي أعلن الغاء مشروع اوغندا بالتمام.

ب-) تأثير موت هرتسل المفاجىء العام 1904 على قضية اليهود وعلاقاتهم داخل المجتمعات الاوروبية ومع السلطات السياسية في هذه المجتمعات نفسها.

ت-) ازدياد حدّة الاضطرابات والمضايقات ضد اليهود في روسيا بشكل خاص، وانطلاقة هذه المضايقات من كيشنييف بالتحديد.

ث-) دب في قلوب ونفوس الشباب اليهودي اليأس من فشل الثورة التي حصلت في روسيا العام 1905، وليس هذا فحسب بل لجوء القيصر الروسي نيقولاي الثاني إلى اتباع أساليب الشدة والمضايقات مع اليهود متهماً إياهم بالمشاركة الفعالة في الثورة المذكورة، ووقوفهم إلى جانب الثوار الهادفين إلى قلب نظام الحكم وزعزعة أركان السلطة.

ج-) تطور طرق المواصلات والنقل إلى فلسطين، وذلك في أعقاب مدّ شبكة من سكك الحديد في أرجاء الامبراطورية العثمانية، وتحسين طرق المواصلات البرية فيها كذلك، وهذا التطور والتحسين شجع اليهود على الهجرة إلى فلسطين.

ح-) قيام عدد من المنظرين والزعماء اليهود الصهيونيين بإطلاق نداءات لتشجيع اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين، ومن بينهم يوسف فيتكين الذي كتب في مطلع ندائه (صوت صارخ ينادي الشباب الاسرائيلي). ولقد دعت هذه النداءات إلى ضرورة العمل بشكل مكثف بين اليهود بهدف تحقيق نجاح هذه الهجرة أكثر مما حصل في الهجرة الأولى، والتي كانت قد أدّت إلى فشل عدد من المشاريع التي خطط لها المهاجرون وقياديو الصهيونية في فلسطين، وبالتالي كانت الظروف التي حصلت في أعقاب الهجرة الأولى سبباً في عودة عدد من المهاجرين فيها إلى موطنهم الأصلي، أو أنهم اتجهوا نحو بلاد أخرى علهم يجدون فيها ما يحلمون به.

حمل أبناء هذه الهجرة فكرة (احتلال العمل)، إذ أن العمل اليدوي كان مثالاً سامياً وموجهاً عقائديا لهم، ونادوا بالعمل في مجال الزراعة لأنهم آمنوا أن الزراعة يمكنها إحداث ثورة أساسية في الفكر اليهودي البراغماتي، وأن الزراعة كفيلة وحدها بإنقاذ اليهود من مرض الغربة. ومن بين الأشخاص الذين نادوا بضرورة احتلال العمل كان اهارون دافيد غوردون، وكان الهدف من وراء هذا النداء إحلال اليهود مكان العمال العرب في المجا لات الزراعية والقيام بتطويرها، أي السير وفق أسلوب مختلف عن أبناء الهجرة اليهودية الأولى الذين اتكلوا واعتمدوا على العمالة العربية لكون أجرها أقل من تلك اليهودية، ما يساعد في توفير الأموال.

عمل غوردون بنفسه في الأرض ليكون نموذجاً ومثالاً يُحتذى به، ولقد لخص عقيدته بضرورة الابتعاد عن حياة المدينة اللاهية، وأن روح الانسان تنمو من خلال ارتباطه بالأرض والطبيعة، وأن العمل في الأرض هو عنصر قومي أساسي من الدرجة الأولى. والدعوة ملحّة إلى دعم العمل العبري ورفض العمل العربي، والتظاهر علنا أن سبب الرفض الأساسي ليس من منطلقات قومية، إنّما من منطلقات عقائدية يهودية يؤمن بها المهاجرون أنفسهم. ولهذا السبب قدم المهاجرون إلى فلسطين ليعملوا بايديهم في الأرض.

وفي واقع الأمر وجدت تناقضات عميقة بين مهاجري الهجرتين (الأولى) و(الثانية)، ومن بين هذه التناقضات:

أ-) فارق السن بين أبناء الهجرتين: كان مهاجرو الهجرة الأولى كبار في السن، ولم يفهموا رغبات وميول أبناء الهجرة الثانية الذي كانوا - نوعاً ما - في سن أصغر.

ب-) تمتع أبناء الهجرة الثانية بثقافة أعلى من أبناء الهجرة الأولى، وحملوا معهم من مواطن هجرتهم أفكاراً أكثر تحررية ومثاليات حياتية متقدمة.

ت-) فضل أبناء الهجرة الأولى عمالاً عرباً مطيعين لهم ورواتبهم الشهرية منخفضة، بينما فضل أبناء الهجرة الثانية العمل بأنفسهم في الأرض من منطلقات عقائدية ويهودية.

ث-) طالب العمال من أبناء الهجرة الثانية حقوقاً ودوراً له فاعلية في المؤتمرات الصهيونية، أكثر مما أراده أبناء الهجرة الأولى الذين بدأوا بالقدوم إلى فلسطين قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول العام 1897 في بازل في سويسرا.

ج-) ما نلاحظه في الهجرة الثانية أن غالبية العمال هم من العلمانيين وغالبية الفلاحين من المتدينين.

ح-) وجه أبناء الهجرة الثانية نقداً لاذعاً وشديداً للدعم المالي الذي حصل عليه أبناء الهجرة الأولى عن طريق هيئات يهودية داعمة وفي مقدمتها البارون روتشيلد وغيره، ولقد انعكس هذا الدعم على أسلوب ونمط ومستوى معيشة أبناء الهجرة الأولى في مستوطناتهم بدلا من الاعتماد على قوتهم هم.

واجه عمال الهجرة الثانية الشعور بالوحدة والغربة لعدم وجود هيئة أو مؤسسة تمثلهم وتعتني بأحوالهم ومعيشتهم في بلاد لم يعرفوها من قبل، وحتى أن بعضهم لم يسمع عنها إلاّ قبيل هجرته بقليل. وكان على أبناء الهجرة الثانية مواجهة الصعوبات وحدهم على كافة الأصعدة. لهذا فإنهم رأوا أنه من الأفضل لهم الانضمام إلى إطارين حزبيين، هما: (هبوعيل هتسعير) و(بوعالي تسيون).

ساهمت الهجرة الثانية في إبراز عدة انجازات بالمنظور الصهيوني، منها: (احتلال العمل)، أي تحويل العمل للأيدي اليهودية بدلاً من تشغيل العرب. وكان لهذا الانجاز مفهوم عقائدي، نابع من الخلفية الاشتراكية التي نشأ عليها أبناء هذه الهجرة قبل هجرتهم إلى فلسطين. وتدعو هذه العقيدة إلى قلب المفهوم الشائع في أن اليهود هم رأسمال اقتصادي فقط، وأنهم ليسوا منتجين بأنفسهم. واعتقد المهاجرون أنه باستطاعتهم إثبات أن اليهودي الطلائعي بإمكانه الارتباط بالأرض وأن يصبح منتجاً ومكوناً لنفسه بقواه الذاتية.

وانطلق مهاجرو الهجرة الثانية إلى تطبيق مبدأ (احتلال العمل) إثر رفض أبناء الهجرة الأولى استيعابهم في مستوطناتهم، فأقاموا عملاً جماعياً مشتركاً في بلدة الشجرة (إلى جوار الشجرة العربية)، وركزوا عملهم في الأرض والحظائر وغرس الأشجار والعمل في المحاجر المجاورة. هؤلاء ساهموا في إقامة الشكل الأول للمستوطنات الاشتراكية التعاونية، مثل دغانيا.

حققت هذه الهجرة نجاحاً آخرا وهو تطبيق مبدأ (احتلال الحراسة). القصد من وراء ذلك أنه بعد أن انتقل العمل لأيدٍ يهودية كان من الضروري ايجاد حراسة بديلة عن استخدام حراس عرب، فأُقيم التنظيم العسكري الأول باسم (بارغيورا) العام 1907 الذي تركز نشاطه في منطقة الجليل. ومع ازدياد عمليات السطو والنهب التي تعرضت لها بعض المستوطنات أُقيم التنظيم العسكري (هشومير) للغاية نفسها العام 1909 في منطقة الجليل الأسفل. وهذه التنظيمات العسكرية كانت الاساس لقيام تنظيمات وعصابات عسكرية أخرى في المستقبل ومن أبرزها عصابة (الهاغاناه).

أما النجاح الثالث الذي حققته هذه الهجرة فكان (تطوير الاقتصاد والمدن)، إذ أن عدداً كبيراً من المهاجرين استوطن في المدن أو أقاموا لهم أحياء سكنية خاصة بهم مثل حي (احوزات بايت) خارج أسوار القدس العام 1909، أو في أجزاء من يافا والتي شكلت فيما بعد نواة تل ابيب. ولقد دفع هذا الاستيطان بالمهاجرين إلى إقامة صناعات ومشاغل كثيرة في المدن، وهذه كانت نقلة نوعية في تطوير حياة المجتمع المدني اليهودي في فلسطين والقاعدة لظهور أعمق لهذا المجتمع فيما بعد الحرب العالمية الأولى وزوال الحكم العثماني عن فلسطين واستبداله بالانتداب البريطاني الذي ساهم بدوره في نقل اشكال التمدن الأوروبي إلى فلسطين.

ولا شك في أن النجاح الأخير كان مهماً للمشروع الصهيوني حيث نمت وترعرعت اللغة العبرية بعد أن كانت لغة شبه ميتة. وكذلك أصبح بالامكان تطوير التراث الفكري اليهودي وإعادة إحياء الأدب العبري بكافة أشكاله، وتصدر هذا الأمر اليعيزر بن يهودا باعث ومحيي اللغة العبرية في العصر الحديث، وهو نفسه رفع شعار (ثلاثة أمور منحوتة بحروف نارية على راية القومية: الأرض واللغة القومية والثقافة القومية). وهذا الشعار كان دافعاً ومحفزاً لتأسيس عشرات من المدارس والمؤسسات التربوية والتعليمية اليهودية في عدة مواقع في فلسطين.

الهجرة الثالثة (1919 - 1923):

معظم مهاجري هذه الهجرة كانوا من مناطق في شرق ووسط أوروبا. وأمّا أسباب ودواعي تنظيم هذه الهجرة فهي كما يلي:

أ-) ازدياد الآمال في الأوساط اليهودية لإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين إثر إعلان تصريح بلفور في الثاني من شهر تشرين الثاني العام 1917.

ب-) انهيار الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ومجيء الاحتلال البريطاني، ما قوى الآمال اليهودية والصهيونية بتحقيق فكرة إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين.

ت-) استمرار عمليات الملاحقات ضد اليهود في بعض المناطق الاوروبية، وخاصة في بولندا ورومانيا والاتحاد السوفييتي.

ث-) النشاطات التي قامت بتنفيذها حركة الطلائعيين (هحالوتس) والتي قام بتنظيمها يوسف ترومبلدور.

ولقد تميزت هذه الهجرة بعدة أمور نوجز بعضاً منها فيما يلي:

أ-) كان معظم المهاجرين في هذه الهجرة من الشباب الذي لم يملك شيئاً.

ب-) هاجر أبناء هذه الهجرة في جماعات كبيرة وليس أفراداً أو مجموعات صغيرة كالهجرات السابقة.

ت-) وجد أبناء هذه الهجرة أُطراً سياسية كالأحزاب والمنظمات السياسية القائمة والتي سعت إلى استيعابهم، ولهذا لم يشعروا بوحدة أو غربة كما حدث مع أبناء الهجرة الثانية.

ث-) أراد أبناء الهجرة الثانية إقامة مجتمع عادل أساسه العمل التعاوني والاشتراكي، فعملوا من أجل تحقيق احتلال العمل والحراسة في المستوطنات لتأكيد هذه التوجهات التي آمنوا بها. بينما لم يقم أبناء الهجرة الثالثة بهذا العمل، إذ أن دورهم كان متمحوراً في زيادة الانتاج وتفعيل المرافق الاقتصادية.

والواقع أن حركة (هحالوتس) في روسيا لعبت دوراً بارزاً في تحضير ستة آلاف مهاجر للهجرة إلى فلسطين، وبالرغم من التحضير المسبق لقدومهم إلى فلسطين فإنهم واجهوا عدة صعوبات في فسطين، ومن أهمها:

أ-) استمرار المزارعين اليهود في عملية استيعاب العمال العرب في مزارعهم وحقولهم، رغم التشديد الذي كان قائماً قبل الحرب العالمية الأولى حول مسألة استيعاب عمال يهود فقط من منطلق اعتماد العمل العبري.

ب-) وُجدت رغبة قوية لدى مهاجري هذه الهجرة لإقامة مصالح خاصة بهم، فلم يهتموا بالمجال الزراعي بشكل خاص، بل إنهم أولوا اهتماماً أكبر بمجالات وفروع اقتصادية أخرى. فنرى أن عدداً من مهاجري هذه الهجرة لجأ إلى فرع البناء ومدّ الشوارع. وبناء على هذه الخلفيات فإن الظروف العمالية والسياسية كانت مناسبة للإعلان عن إقامة منظمة عمالية للعمال العبريين في فلسطين تحت اسم (الهستدروت)(أي نقابة العمال العبريين) وذلك العام 1920. وكانت البداية في حيفا، إذ تمّ إنشاء مكتب للأشغال العامة والبناء بهدف تنظيم عملية استيعاب العمال اليهود في المصالح المختلفة. فأُقيم بنك العمال وأُقيمت عدة مستوطنات، منها عين حارود وبيت الفا وياجور وتل يوسف وغيرها.

ت-) واجهت هذه الهجرة خطراً شديداً العام 1923 ما أدّى إلى نهايتها، وذلك أن الامتيازات الخاصة التي منحتها حكومة فلسطين الانتدابية لمدّ الشوارع وإقامة المباني العامة قد انتهت، فقويت عملية الهجرة المعاكسة من فلسطين إلى خارجها، وبالأخص باتجاه الولايات المتحدة الأميركية. وساد بين المهاجرين شعور بالفشل واليأس، وحاولت الهستدروت إنقاذ الوضع العام عن طريق توزيع أيام العمل بين العمال اليهود بالتساوي، وهذه الخطوة التنظيمية ساعدت العائلات على البقاء في فلسطين، وبالتالي زادت من قوة ونفوذ الهستدروت في الاوساط العمالية اليهودية، وأصبحت تلعب دوراً سياسياً قوياً وفعالاً داخل المجتمع اليهودي المهاجر وأخذت حركة من الانتعاش الاقتصادي تنتشر في مرافق عديدة في المجتمع اليهودي المهاجر والقديم لتبدأ مرحلة جديدة في حياة المجتمع اليهودي في فلسطين، ولتبدأ هجرة جديدة عرفت بالهجرة الرابعة.

الهجرة الرابعة (1924 - 1928):

عادت الهجرة اليهودية إلى التجدد في الفترة المذكورة في أعقاب تحسن الظروف والأحوال الاقتصادية في فلسطين. فهاجر إلى فلسطين أكثر من سبعين ألف يهودي، بقي منهم اثنان وخمسون ألفاً، أما البقية فعادوا إلى موطنهم الأصلي أو انتقلوا إلى بلاد أخرى. نصف المهاجرين الذين قدموا في هذه الهجرة كانوا من بولندا والنصف الثاني من روسيا ورومانيا واليمن والعراق. وكان جزء كبير من أبناء هذه الهجرة من الطبقة الوسطى، أي رجال صناعة وتجارة وأصحاب حرف ومهن متنوعة. وجلب المهاجرون معهم عائلاتهم وبعض حاجاتهم، ولم يتم تحضيرهم من قبل، ولهذا واجهوا صعوبات كثيرة واعترضت طريق حياتهم عقبات جمة، لم يكن من السهل ايجاد حلول لهم، خاصة وأن رياح الأزمة الاقتصادية العالمية أخذت تهب من الغرب، وبالتحديد من الولايات المتحدة الاميركية.

لقد آمن أبناء هذه الهجرة بضرورة الوصول إلى تحقيق مصالحهم الشخصية والخاصة، فاصطدموا برجال التيار الاشتراكي والتعاوني، لهذا لم ينظر رجال الهجرة الثالثة بعين الرضى والارتياح إلى مهاجري الهجرة الرابعة لأنهم مغايرون لهم من حيث التطبيق العملي لأُسس الحياة في فلسطين.

ساهمت الهجرة الرابعة في زيادة عدد السكان اليهود في مختلف المدن، وكان التركيز على أول مدينة عبرية، ألا وهي تل ابيب، إذ ارتفع عدد سكانها من 16 ألفا إلى حوالي أربعين ألفا خلال مدة زمنية قصيرة للغاية، فجرى تطوير للشوارع والطرقات الداخلية في المدن وبين المدن والمستوطنات، وإقامة مبانٍ جديدة وفتح مؤسسات تعليمية جديدة كالمدارس، وإقامة مجمعات تجارية كبيرة في المدن العبرية أو المختلطة مثل القدس وحيفا. وتم أيضاً تطوير المنشآت الصناعية مثل حصول بنحاس روطنبرغ على امتياز الكهرباء في فلسطين، مما سهل تزويد كل المستوطنات والمدن العبرية بالكهرباء، وبوجود الكهرباء أصبح من اليسير إقامة المصانع على أنواعها وتوفير رأس المال لتحقيق ذلك، فأُقيمت مصانع الغزل والنسيج وصناعات الأغذية والمواد الطبية والصحية والأثاث، وتم توسيع مساحات الأراضي المخصصة لزراعة الحمضيات لتنافس الحمضيات الهربية المعروفة بجودتها في فلسطين وبالتحديد في يافا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مستوطنات الساحل اليهودية قد ازدادت نتيجة لبناء المدن العبرية على طول بعض أجزاء الساحل الفلسطيني.

وأظهر أبناء هذه الهجرة ميلاً ثقافياً واسعاً نحو إصدار جرائد ومجلات تهتم بالنواحي الإعلامية والتثقيفية العامة، وكذلك إنشاء مسرح عبري هو (هبيما) في تل ابيب، وافتتاح الجامعة العبرية في القدس لتكون أول جامعة عبرية مستقلة في فلسطين تهتم بالدراسات العليا، وتولي اهتماماً بالمواضيع المتعلقة باليهود واليهودية، وأن تكون هذه الجامعة نواة للتفوق العلمي على المجتمع العر بي الفلسطيني.

الهجرة الخامسة (1929 - 1939) :

وصل إلى فلسطين خلال هذه الهجرة ما يقارب 280 ألف مهاجر يهودي، وكانت غالبيتهم من يهود تعرضوا إلى ملاحقات من قبل النازية، أو أنهم خافوا من أعمال النازيين تجاههم فقرروا الهجرة إلى فلسطين.

ونظرة على الأسباب والدوافع نلاحظ ما يلي:

أ-) صعود الحزب النازي إلى سدة الحكم في المانيا وإعلانه - أي الحزب - عن رغبته في فرض أنظمة تطهير ضد شعوب غير المانية كان أحد عوامل تشجيع الهجرة إلى فلسطين.

ب-) استمرار ملاحقة واضطهاد يهود في بعض دول اوروبا الشرقية مثل بولندا وهنغاريا.

ت-) استمرار المؤسسات الصهيونية واليهودية في التشجيع على الهجرة إلى فلسطين والتحضير الاساسي لتحقيق الهجرة في الوقت المناسب لها.

ث-) كان للسلطات الانتدابية البريطانية مساهمة مباشرة أو غير مباشرة في تشجيع الهجرة بواسطة تسهيل عمليات إقامة المستوطنات اليهودية بعد أن تتم عملية شراء الأراضي أو الاستيلاء عليها لهذه الغايات وتحضير المستوطنات لاستيعاب اليهود المهاجرين من أوروبا إلى فلسطين.

ولقد تميزت هذه الهجرة بنواحٍ كثيرة، منها:

أ-) بلغ عدد المهاجرين أربعة أضعاف المهاجرين في الهجرة الرابعة. والواقع أن زعماء الصهيونية لم يتوقعوا مثل هذا العدد وخلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.

ب-) شكل اليهود الالمان العنصر الأساسي والسائد في هذه الهجرة.

ت-) امتازت هذه الهجرة بالعدد الوفير لرجال الأعمال ورؤوس الأموال أكثر من كل الهجرات السابقة، أي أن حوالي ربع المهاجرين كان من رؤوس الاموال، وهؤلاء بدون ادنى شك شكلوا الدعامة الاقتصادية الأساسية لتطور كثير من المرافق الاقتصادية، وبالتالي تطور مستوى المعيشة لدى العائلات اليهودية بشكل أسرع مما هو لدى العائلات العربية.

ث-) كان قسم كبير من مهاجري هذه الهجرة من الأكاديميين ورجال العلم والفكر، وهؤلاء لعبوا دوراً كبيراً في إثراء الحياة الثقافية العبرية في فلسطين في الأوساط اليهودية.

والملاحظ أن زيادة كبيرة حصلت في عدد سكان المدن الرئيسية من جراء هذه الهجرة مثل تل ابيب ويافا، بحيث ازداد عدد السكان فيها أكثر من ثلاثة أضعاف، ويعود السبب في وقوع هذه الزيادة إلى ان طبيعة مهاجري هذه الهجرة انهم من سكان مدن جاؤوا، لذلك فضلوا العيش في مدن.

والملاحظ أيضا أن عدد اليهود العاملين في الأشغال الصعبة والزراعية أخذ بالتناقص، ولم يكن أمام اليهود أية إمكانية سوى تشغيل العمال والمزارعين العرب في مصالحهم.

والملاحظ أيضاً أنه في فترة هذه الهجرة أُقيمت مصانع كثيرة تابعة لشركات يهودية أو لأشخاص يهود، مثل مصنع (آتا) للملابس، وإقامة مستوطنات جديدة مثل رشفون وكفار هزوريع وكفار هيس وغيرها.

وانتهت هذه الهجرة عملياً مع بداية الحرب العالمية الثانية، وفرض السلطات الانتدابية البريطانية أحكام الطوارىء في كل أنحاء فلسطين.