الراصد القانوني

متابعة وتوثيق القوانين والتشريعات الاسرائيلية ذات الصلة بالفلسطينيين.

شهدت الدورة العشرون للكنيست الإسرائيلي والتي امتدت ما بين 7 أيار 2015 وحتى 1 كانون الثاني 2019 موجة غير مسبوقة من التشريعات العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان. فقد عالج الكنيست العشرون 221 قانونا ضمن هذا الإطار، من بينها 35 قانونا أقرت بالقراءة النهائية، إضافة إلى 6 قوانين استدمجت في هذه القوانين، ما يعني عمليا أنه تم سن 41 قانونا. كما بقي على جدول أعمال الكنيست قانونان في مرحلة القراءة الأولى، وهما مرشحان لاستمرار تشريعهما في الولاية البرلمانية الجديدة، في حين أن القوانين الـ 23 التي أقرت بالقراءة التمهيدية، وبقيت عند هذه المرحلة من مسار التشريع، تعكس أكثر طابع التركيبة البرلمانية، وهذا ما يتعزز أكثر من خلال قراءة 153 مشروع قانون أدرجت على جدول الأعمال ولم تدخل مسار التشريع.

وللمقارنة والتوضيح، فقد تمّ في الولاية الـ 17 للكنيست إبان فترة حكومة "كديما" برئاسة إيهود أولمرت، 2006- 2009، إقرار 6 قوانين، وفي الولاية التالية الـ 18، في فترة حكومة بنيامين نتنياهو، 2009- 2013، تم إقرار 8 قوانين (قائمة بهذه القوانين في الملحق الثاني من هذا التقرير)؛ أي أن حكومة نتنياهو الرابعة سجلت زيادة بنسبة 583% في التشريعات العنصرية والتمييزية والداعمة للاستيطان (اذا ما احتسبنا فقط 35 قانونا) مقارنة بالكنيست الـ 17، وزيادة بنسبة 437% مقارنة بالكنيست الـ 18 التي ترأس نتنياهو خلالها الحكومة أيضاً.

وفيما عدا الزيادة الكمية في المشاريع والقوانين، تحمل بعض القوانين التي تم إقرارها في الدورة العشرين ثقلا نوعيا وتشكل مؤشرا استراتيجيا إلى وجهة إسرائيل القريبة والبعيدة. وفي هذا الإطار، يُعد قانون أساس القومية من جهة، وقانون التسوية، من القوانين النوعية التي سنها الكنيست، ويهدف القانونان إلى تحصين الفوقية اليهودية وتعزيز خطط الضم ودعم الاستيطان.

وفضلاً عن موجة التشريعات العنصرية التي قادتها أحزاب الائتلاف، من المهم الإشارة إلى مستوى معارضة باهت من قبل كتل المعارضة ("يوجد مستقبل" و"المعسكر الصهيوني")، ويستثنى من ذلك كتلتا "القائمة المشتركة" و"ميرتس"، اللتان شكلتا فعليا المعارضة الوحيدة المثابرة لهذه الموجة؛ يضاف إلى ذلك، مساهمة كتلة "يوجد مستقبل" بسلسلة من المبادرات لقوانين قمعية، تستهدف أساسا أهالي الضفة والقدس، وقوانين تستهدف السلطة الفلسطينية، وأبرزها نهب أموال الضرائب.

لقد بدأ تدفق مشاريع القوانين على جدول أعمال الكنيست منذ اليوم الأول لبدء عمل الهيئة العامة للكنيست (8 أيار 2015) بعد الانتخابات التي جرت يوم 17 آذار 2015. كان كثير من القوانين التي بدأ العمل عليها مشاريع قوانين تم إدراجها في ولايات برلمانية سابقة. وكانت التقديرات لقسم منها، أنها لن تدخل إلى مسار التشريع، استنادا لما لاقته من معارضة في ولايات برلمانية سابقة، حتى في أوساط اليمين، وبالذات الليكود. إلا أنه كلما كان العمل البرلماني يتقدم، كانت تتضح صورة عكسية، وباتت بعض المشاريع قوانين سارية، ودخلت أخرى مسار التشريع، ولا يعود ذلك إلى مجرد المنافسة داخل دوائر اليمين الاستيطاني الذي يقوده بنيامين نتنياهو، بل أيضا إلى القناعات الأيديولوجية داخل رأس الهرم الحاكم. ولكن التوغل الأكبر في هذه القوانين، بمعنى التجرؤ على سن قوانين في غاية الخطورة، بدأ فورا بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، في أوائل شهر تشرين الثاني 2016؛ مثل قوانين تتعلق بالقدس المحتلة، وقوانين ضم الضفة، وآخرها قانون القومية العنصري، الذي مكث في أروقة البرلمان الإسرائيلي 7 سنوات، ومرّت عليه ثلاث ولايات برلمانية حتى تم إقراره كليا.

فقد شجعت سياسات الإدارة الأميركية بزعامة دونالد ترامب حكومة بنيامين نتنياهو على تمرير قوانين في غاية الخطورة، كانت ستتحفظ منها إدارات أميركية سابقة؛ برغم أن تلك الإدارات لم تبتعد كثيرا، من حيث الجوهر، عن السياسات الإسرائيلية. فقد رأينا أنه في بعض الأحيان، سبقت الإدارة الأميركية الحكومة الإسرائيلية في إجراءات معادية للشعب الفلسطيني؛ مثلا، حينما قررت الإدارة الأميركية خصم أموال دعم للسلطة الفلسطينية، من ضمن ذرائعها، دفع مخصصات للأسرى المحررين، وللذين في السجون ولعائلاتهم، ولعائلات الشهداء، إذ بدأت الإجراءات الأميركية في مطلع العام 2018، بينما قررت الحكومة الإسرائيلية الإسراع في سن قانون سلب ونهب أموال الضرائب الفلسطينية، بذات الذريعة، في ربيع وصيف العام 2018.

وقد ورد في التقرير السنوي، حول القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، الصادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، في نيسان 2018، أن قسما جديا من قوانين الضم، أساسا، بما فيها قوانين القدس، دخلت مسار التشريع، ولاحقا أقر بعضها، بعد انتخاب دونالد ترامب، رئيسا للولايات المتحدة، وحتى قبل أن يدخل إلى البيت الأبيض. إذ شرع الائتلاف في دفع مشاريع القوانين، بحيث كانت تصادق عليها الحكومة تباعا، قبل إقرارها في الهيئة العامة. وهذا ما تدل عليه تواريخ إقرار القوانين في المراحل التشريعية المختلفة، كما يتبين هذا من جدول القوانين المرفق هنا.

وهذا ما شهدناه أيضا، في قانون سلب ونهب الأراضي بملكية خاصة (تحت مسمى قانون التسوية)، فأول مشروع قانون في هذا المجال تم إدراجه على جدول أعمال الكنيست، في نهاية شهر تموز 2015، بمبادرة النائب يوآف كيش من حزب الليكود، ولم يلتفت له أحد. وتم إدراج المشروع الثاني في مطلع تموز 2016، وهذا أيضا لم يتحرك، إلا بعد أيام من انتخاب ترامب في مطلع شهر تشرين الثاني 2016، ودخل مسار تشريع سريع، إذ تم إقراره نهائيا في غضون ثلاثة أشهر من يوم التصويت عليه بالقراءة التمهيدية، إذ أقر نهائيا في شهر شباط 2017.

وهذا أيضا ما شهدناه في الحراك البرلماني بشأن قانون تثبيت قانون ضم القدس، الذي تم إقراره في اليوم الأول من العام 2018؛ أي بعد أقل من شهر من إعلان ترامب بشأن القدس. ورافق هذا حراك برلماني لطرح مشاريع القوانين المتعلقة بضم مستوطنات للقدس وعزل أحياء فلسطينية عنها، إلا أن الحراك توقف لاحقا، وحتى تقديم هذا التقرير.

ويعني نهج حكومة نتنياهو بعد انتخاب ترامب أن الحكومة التي كانت تنصت على مدى السنين أساسا للأصوات الصادرة عن البيت الأبيض، شعرت منذ مطلع تشرين الثاني 2016 بأن يدها باتت طليقة أكثر.

 

الراصد القانوني

أحدث القوانين