لم يكن من السهل على منظّمات وجمعيات اليمين في إسرائيل تحقيق ما حقّقته، حتى الآن على الأقل، من ترسيخ لخطاب وتوجّهات اليمين في المجتمع الإسرائيلي ككل وليس في الحقل السياسي فحسب، لولا الدعم المالي الذي يضمن لأي مشروع سياسي استمرار عمله وتنفيذ أجنداته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد تمت الإشارة في مساهمات سابقة (تحديداً تلك التي تناولت موضوعة جمعيات ومنظّمات اليمين الجديد في إسرائيل في مُلحق "المشهد الإسرائيلي") إلى الدور الكبير الذي لعبته جمعيات ومنظّمات وصناديق التمويل الأميركية المحافظة في تعزيز الخطاب اليهودي- الصهيوني المحافظ والدفع قُدُماً بأجندات اليمين السياسية- الاقتصادية- الاجتماعية- الدينية، من خلال الدعم السخي لمنظّمات وجمعيات اليمين في إسرائيل، مستفيدةً من الهامش الذي يُتيحه القانون الأميركي للشركات والجمعيات الخاصة من حرية تلقّي التبرّعات وحرية توجيهها.
تعود في إسرائيل من فترة إلى أخرى إلى العناوين (غير الرئيسية) قضية تواصل التكتّم على ملايين الوثائق المودَعة في الأرشيفات الرسمية، المدنيّة والعسكرية، تحت سريّة عالية. وهذا يشمل وثائق انتهت الفترات التي يحددها القانون لحجبها، بل تلك التي تم إعادة تمديد فترات منع كشفها. وعلاوة على كل هذا، فحتى بالنسبة للحالات التي ادّعت فيها السلطات أن سبب الحجب هو عدم تجهيز المواد لأسباب تقنيّة، فإن نسبة ضئيلة فقط منها متاحة للجمهور.
سلّطت آخر المستجدات في إسرائيل الأضواء مرة أخرى على مجموعة اليهود الحريديم المتشددين دينياً، ما يحتّم علينا المرة تلو الأخرى العودة إلى بعض الأدبيات البحثية حولهم والتي من شأنها في الوقت ذاته أن توضّح الكثير من النقاط الدالة على المشهد السياسي الإسرائيلي الراهن، ولا بُدّ من القول بداية إن قسماً كبيراً من هذه الأدبيات سبق أن تعامل معها "مركز مدار"، سواء من حيث ترجمتها إلى العربية، أو من خلال استخدامها في كتابة مواده العديدة بما في ذلك مواد "المشهد الإسرائيلي".
تتزايد في الأيام الأخيرة المعطيات السلبية للاقتصاد الإسرائيلية، التي باتت تتنبأ بحالة ركود اقتصادي قريبة، مع استمرار وتيرة التضخم المالي العالية، وارتفاع كلفة المعيشة، وتحذير الخبيرة الاقتصادية الرئيسية، في وزارة المالية الإسرائيلية، من عجز إضافي في الميزانية العامة، على ضوء الصرف الزائد للحكومة، الذي يتصدّره دفق الميزانيات الضخمة على مؤسسات وجمهور المتدينين المتزمتين، الحريديم، علاوة على الميزانيات الضخمة أصلا التي يتلقونها.
الصفحة 140 من 901