مع استمرار الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل منذ عدة أسابيع والتي يدفع مؤججوها نحو رفع المزيد من الأصوات في الوقت عينه ضد الأزمتين الصحية والاقتصادية الناجمتين عن تفشي فيروس كورونا، وضد أداء حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، والذي يتم تحت وطأة كون رئيسها يخصص جلّ وقته لهدف واحد فقط: بقاؤه بأي ثمن (اقرأ مقال برهوم جرايسي ومقال سليم سلامة)، شرع عدد من المحللين بطرح سؤال حول ماهية التغيير المرتقب في حال تأدية هذه الاحتجاجات إلى انتهاء عهد نتنياهو المستمر منذ أكثر من عقد.
وافق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مساء أمس الأحد على دحرجة أزمة حكومته لأكثر من ثلاثة أشهر، رغم أنه بات يلعب بأوراق مكشوفة، فهو معني بانتخابات مبكرة، تقلب تركيبة حكومته، بما يسمح له في الاستمرار بالإمساك بخيوط الحكم، في حال فرضت عليه المحكمة تجميد صلاحياته، مع بدء الجلسات المكثفة لمحاكمته في الشهر الأول من العام المقبل، ولأسابيع طويلة. إذ يتخوف نتنياهو من أنه في ظل تجميد كهذا، سينقل صلاحياته لشريكه في الائتلاف بيني غانتس، ما يعني بداية النهاية السياسية لنتنياهو، على الأقل كما يبدو حتى الآن.
يلاحظ المتتبع لمسيرة بنيامين نتنياهو السياسية، منذ ما قبل توليه منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية وخلال إشغاله هذا المنصب، حرصه الشديد على إنشاء علاقات حميمة ووثيقة مع صحافيين، محررين وناشرين. إلا أن ثمة تحولاً قد طرأ على هذه العلاقة خلال السنوات الأخيرة تحديداً، إذ أضيف إلى هذا الحرص ـ الذي بقي قائماً مثلما كان من قبل ـ موقف عدائيّ، بل عدائيّ جداً وتحريضيّ، من جانب رئيس الحكومة تجاه وسائل الإعلام الإسرائيلية بوجه عام وتجاه وسائل إعلام محددة وصحافيين محدَّدين، تبعاً لمصالحه السياسية ـ الحزبية وللتغطيات الإعلامية لأدائه ولقضايا الفساد العديدة التي حامت الشبهات حول تورطه فيها ثم تقديم لائحة اتهام خطيرة بحقه بشأنها، على خلفية وبفضل ما كشف عنه صحافيون محددون في وسائل إعلامية مختلفة، ما صعّد الموقف العدائي والتحريضيّ ضدها إلى درجة حرب شعبوية شعواء متواصلة لا يتوقف نتنياهو عن شنها ضد وسائل الإعلام تلك وصحافييها، مجنداً في هذه الحرب قطاعات واسعة جداً من مؤيديه وأتباعه، سواء من عامة الناس أو من السياسيين والمسؤولين الحكوميين.
قبل45 عاما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 72 دولة ومعارضة35 دولة قرارها رقم 3379 والذي تبنى التعريف الجديد للصهيونية الذي يصنفها على أنها "شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري وأن على العالم مقاومة هذه الأيديولوجيا لأنها تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين"، لتعيد نفس الجمعية إلغاء القرار الذي لم يعمر سوى 16 عاما، وليشكل هذا الانتقال الذي تزامن مع أحداث كبرى في التاريخ مثل انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الأولى ومؤتمر مدريد للسلام، أحد الأحداث الرمزية الدالة على عمق وشمولية التحول الذي يشهده العالم ولأي جهة في الصراع تميل دفة الأمور.
الصفحة 303 من 894