المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
رودولف [يسرائيل] كاستنر.
رودولف [يسرائيل] كاستنر.

 في العام 1954 أقام رودولف [يسرائيل] كاستنر دعوى قضائيَّة كانت الأولى من نوعها في إسرائيل والتي توجَّبَ فِيها على قاضٍ إسرائيليّ وللمرّة الأولى البتّ، قانونياً وسياسياً، في مسألة ما إن كان يُمكِن تجريم بعض اليهود بتهمة التعاون مع النّازية خلال الحرب العالميّة الثانية.

كان المتّهم عجوزاً يهودياً هنغارياً يُدعى مالكييل غرينوالد، وكان المُدّعي هو رودولف كاستنر الذي اتّهم غرينوالد بالتشهير به مدّعياً أنّه كان متعاوناً مع النازيّة خلال الحرب العالميّة الثانية. كاستنر كان قد عاش في هنغاريا في ذلك الوقت وكان عضواً في لجنة الإنقاذ الصهيونية التي عملت على توفير ملجأ آمن لليهود الفارّين من النازية في أوروبا. وبعد الاحتلال النازيّ لهنغاريا العام 1944، عمل كاستنر كمفاوض رئيس بعد استدعائه من قبل ضابط الأس أس النازيّ، أدولف أيخمان، الذي يعرف بمهندس الحلّ النهائيّ، للتفاوض حول مصير اليهود الهنغاريين. عرض كاستنر اتفاقاً مبدئياً لإنقاذ حياة ما يقارب مليون يهوديّ مقابل عشرة آلاف شاحنة تسلّم للجيش الألمانيّ فيما عرف لاحقاً بالـ"Blood for Goods". لكنّ الاتفاق لم ينفّذ وأرسل أكثر من 400 ألف يهوديّ إلى معسكر اعتقال أوشفيتز، ومع ذلك، تمكّن كاستنر من عقد اتفاق جانبيّ لإنقاذ حياة 1685 يهوديّا من بينهم أقاربه وأصدقائه أرسلوا إلى سويسرا مقابل أموال ومجوهرات سُلِّمت إلى أيخمان.

كانت المواجهة الأولى بين كاستنر وغرينوالد بعد انتهاء الحرب مُباشرة، عندما وجه الأخير اتهاماً مُباشراً إلى كاستنر خلال المؤتمر الصهيوني العام 1946 بأنّه أنانيّ انتهازيّ ضحَّى بحياة اليهود الهنغاريين للحفاظ على سلامته الشخصيّة. هذا الاتّهام ردّ عليه كاستنر من خلال رفع قضيّة تولّتها محكمة المؤتمر ضد غرينوالد، ولكنّ المحكمة توصّلت إلى قرارٍ بانعدام وجود ما يكفي من الأدلّة للوصول إلى قرارٍ حاسم حول القضيّة وأوصت بتحقيقٍ متعمّق في المسألة مستقبلاً. لاحقاً، انتقل كاستنر إلى إسرائيل وانضم إلى حزب المباي - ما أصبحَ يُعرف الآن بحزب العمل- وبعدها أصبح المتحدّث باسم وزارة الصّناعة والتجارة الإسرائيليّة العام 1952 وكان مرشّحاً للكنيست عن حزب المباي في الانتخابات الإسرائيليّة الأولى والثانية برغم عدم نجاحه في الدورتين.

في ذلك الوقت كان مالكييل غرينوالد عضواً فاعلاً في حزب "همزراحي"، الجناح الدينيّ للحركة الصهيونيّة، وكلاجئ فقد معظم أفراد عائلته في هنغاريا. كانت لغرينوالد دوافع سياسيّة وشخصيّة لمُطاردة كاستنر مرّة أخرى في إسرائيل؛ فإضافة إلى رغبته في فضح جرائم كاستنر، سعى غرينوالد لتشويه المباي أيضاً، مُطالباً بطرد كاستنر من الحزب وتشكيل لجنة تحقيق في الظّروف التي أدّت إلى إبادة يهود هنغاريا. ادّعى غرينوالد من خلال كُتيّب قام بكتابته وتوزيعه مجاناً في مدينة القُدس، أنّ المفاوضات التي جرت بين كاستنر وأيخمان سهّلت عمليّة تدمير اليهود في الوقت التي كان فيها فائدة شخصيّة لكاستنر. في الكتيّب الذي أرسل منه نسخاً لحزب "همزراحي" أيضاً، كتب العام 1955: "يجب إقصاء كاستنر. لثلاث سنواتٍ كنت أنتظر هذه اللحظة التي أجلبه فيها للمحاكمة... الانتهازيّ الذي استمتع بأفعال هتلر من سرقة وقتل، وعلى أساس خدعه الإجراميّة وتعاونه مع النازيّة... أنا أدينه بأنّه قاتل بالإنابة لإخوتي الأعزّاء...".

زعم غرينوالد أنّ كاستنر كان في صداقة مع النّازيين وأيخمان أثناء مفاوضتهم، وبسبب تلك الصداقة سُمِحَ لهُ بإنقاذ أقاربه وعدد صغير من النّخب اليهوديّة الهنغاريّة. وفي المقابل، سَمَحَ كاستنر للنازيين باستخدامه من خلال تعمّده عدم إخبار اليهود الهنغاريين بالوجهات الحقيقيّة للقطارات التي ركبوها غصباً. كذلك ادّعى غرينوالد أنّ كاستنر وبالتواطؤ مع بعض النازيين قد سَرق مال اليهود ومن ثمّ ساعد في إنقاذ الضّابط النازيّ "بيخر Becher"، من خلال شهادة أدلاها في محاكمات نيرنبرغ الألمانيّة.

اضطّرَ كاستنر للردّ على هذه الاتّهامات بعدما حذّره مدّعي الدولة العام بأنّ عليه إمّا رفع قضيّة ضدّ غرينوالد أو عليه الاستقالة من منصبه الحكوميّ. رفع كاستنر قضيّته بالفعل على غرينوالد، ولكن، وبطريقة ما، كان المُتَّهَمُ مُتَّهِما والمتَّهِمُ مُتّهماً؛ فكاستنر دافع عن نفسه لتفنيد الاتّهامات الموجّهة إليه بينما وقَفَ غرينوالد من وراء محاميه شموئيل تامير، الذي تلخّص دفاعه في عدم إنكار أيّ تهمة موجّهة لموكّله والتأكيد على صحّتها جميعاً. "نعم هو قال الحقيقة"، قال تامير عن موكّله، مدّعياً أنّه لو أنّ اليهود أخبِروا بخطّة معسكرات الاعتقال النازيّة، لربّما تمكّن بعضهم من الفرار إلى رومانيا، أو ربّما ثاروا على الألمان، أو ربّما أرسلوا في طلب المساعدة من الخارج، وكلّ هذا كان يمكنه إبطاء آلة القتل النازيّة. والآن، عليكم أنتم أن تثبتوا أنّ هذا الرجل لم يكن متعاوناً مع النازية.

وهكذا أصبحت القضيّة التي رفعها كاستنر ضد غرينوالد، قضيّة كاستنر.

قضيّة اليهوديّ الجديد ضدّ قديم المباي

كمحاكمة أدولف أيخمان التي كانت أوّل محاكمة إسرائيليّة لمجرم حربٍ نازيّ ألمانيّ، كانت محاكمة "قضيّة كاستنر" مشهداً وطنيّاً جعلَها بدلاً من كونها مُحاكمة في قضيّة تشهيرٍ، محاكمة فاحصة لسلوك كاستنر خلال الحرب العالمية. وفي حزيران 1955، حكَمَ القاضي بنيامين هاليفي في صالح غرينوالد، واجِداً في عبارة فاوستيّة – نسبة إلى مسرحية فاوست للشاعر والأديب الألمانيّ الشهير غوته- صُلبَ حُكمه على كاستنر: "ولكنّ حذار من قُبول هدايا الإغريق. في قبول هذه الهديّة، كاستنر باعَ روحه للشَيطان". غير أنه في العام 1958 عادت محكمة العدل العليا في إسرائيل ونقضت حكم هاليفي وتضمّن حكمها نقداً لتحيّز هاليفي بقراءة المصادر التاريخيّة. لكنّ ذلك الحكم جاء متأخّراً؛ ففي العام 1957 اغتيلَ كاستنر أمام منزله من قبل المتطرّف اليمينيّ وضابط المخابرات السابق زئيف إكشتاين.

لم تكن قضيّة كاستنر تخصُّ كاستنر بعينه؛ بل كانت جزءاً من صراع اليهوديّ الجديد ضدّ قديم المباي، أو ما كان في نظر اليمين الصهيونيّ قديم المباي. فقد اتّهم غرينوالد وأنصاره ولا زال كثيرون حتّى اليوم في تيار اليمين السياسي يتّهمون الوكالة اليهوديّة بأنّها "اختارت" عدم التدخّل لإنقاذ حياة يهود أوروبا من النازية. وكانت هذه النظرية أساس كتاب "الغدر Perfidy’s"، لبن هيخت؛ الذي وضع كاستنر في القلب من مؤامرة الوكالة اليهودية على يهود أوروبا الذين تُركوا للذبح من أجل الحصول على قبول عالميّ للدولة الصهيونيّة في فلسطين.

تمكّن تامير، مُحامي غرينوالد، من ليِّ عُنق المحاكمة لتصبح محاكمة لكاستنر ولحزب المباي الحاكم في إسرائيل آنذاك. وبالموازاة مع اتّهام الوكالة اليهوديّة بـاختيار عدم التدخّل لإنقاذ حياة يهود أوروبا، كانت هناك نقاشات حادّة جارية داخل الييشوف - الكيان السياسيّ الذي كان مسؤولاً عن المستوطنين اليهود في فلسطين- حول العلاقة مع البريطانيين في فلسطين. وفي حين اختار المباي مساندة البريطانيين في حربهم ضدّ النازيّة، اعتقد اليمين الصهيوني أنّه لا بدّ من استكمال العمل العسكريّ ضدّ البريطانيين لإجبارهم على منح الحركة الصهيونية مطلبها المتمثّل في إقامة دولة يهوديّة في فلسطين. تمكّن تامير من خلقِ موازاةٍ ما بين قيادة المباي وما بين كاستنر بسبب انتماء الأخير لحزب المباي؛ مدّعيّاً أنّ كليهما فضّلا التفاوض والتعاون على "المقاومة" العسكريّة، وكان هذا الخيار على الدوّام كارثياً لأنّه كان السّبب وراء تسهيل عمليّة إبادة ملايين اليهود في أوروبا. كان على المحاكمة من وجهة نظر تامير أن تكون درساً للرأي العام الإسرائيليّ، درساً لتحذيره من أيّ مفاوضات براغماتيّة كان تُميِّزُ طِباع يهوديّ الشّتات. والآن، برأي تامير، على اليهوديّ الجديد رفضَ هذه السّلوكيّات، وكذلك رفض ونقد قيادة المباي التي أظهرت "ذهنيّة الشّتات". كانت المحاكمة دعوة للرأي العام لرفض المباي، وشرعنة اليمين الصهيونيّ كممثّل للصهيونيّة الأصيلة القادرة على حماية اليهود مستقبلاً من أيّ كوارث مشابهة لكوارث الماضي.

وضع اليمين الصهيونيّ قضيّة كاستنر في سياق الرّواية الأوسع التي تخصُّ التعاون ما بين المباي والنّازية، وتحديداً في سياق اتفاقيّة التعويضات الموقّعة بين إسرائيل وألمانيا الغربيّة العام 1953 والتي واجهت معارضة شرسة من قبل اليمين بقيادة من أصبح لاحقاً رئيساً لحكومة إسرائيل، مناحيم بيغن. ووجد اليمين في كاستنر انعكاساً لعدوّهم السياسيّ بن غوريون، زعيم حزب المباي، فالأخير قَبِل المال الملطّخ بالدّماء، والأوّل وفّره للألمان للحفاظ على حياته وحياة أقربائه.

نحن لا نفاوض، الكابو يفاوضون!

كان كاستنر في نظر اليمين الصهيوني، أو في نظر قاتله على الأقلّ، كابو، لا أكثر ولا أقلّ. والكابو Kapo، أو السّجين الموظّف، هو الوصف الذي كان يُطلق على السّجناء اليهود المتعاونين مع الضبّاط النازيين في معسكرات الاعتقال النازية. إذ كانوا يُكلَّفون بمهام الحراسة والرقابة على أعمال السّخرة، وبعضهم كان يتمادى في أداء مهامّه بحيث يمارس أفعالاً قمعيّة ساديّة، كضرب المعتقلين، إهانتهم أو جلدهم بالسّوط. وعادة ما كان يُنتقى الكابو من فئة المجرمين المدانين أو السجناء الذين يظهرون مشاعر ساديّة تجاه ممارسات التعذيب التي تُمارس على السجناء اليهود. وبداية من العام 1946، بدأت بعض العصابات اليمينيّة، خاصّة من بعض النّاجين من الهولوكوست، باستهداف كلّ يهوديّ كان يُعرف عنه تعاونه مع النازيين في معسكرات الاعتقال النازية. بعضهُم اغتيل، بعضهم الآخر تعرّض لمحاولات قتل في الشوارع وبعضهم الآخر لاعتداءات جسديّة بليغة.

بعد بضع سنوات، وتحديداً في العام 1950، استبدلت المحاكم الجنائيّة عصابات الشوارع بعد تمرير قانون العقاب الجنائيّ للنازيين والمتعاونين مع النازية. وفي ظلّ هذا القانون تمّت محاكمة اليهود الكابو وكذلك مسؤولي الغيتوهات اليهوديّة لجرائمهم ضدّ "الشعب اليهوديّ" وجرائمهم ضدّ الإنسانيّة.

كانت محاكمة كاستنر نُقطة فاصلة في تاريخ محاكمات المتعاونين مع النازية. ويعتقد ديفيد ميككس أنّ هناك سؤالاً لم يُطرح من قبل ظهر بعد تبرئة كاستنر من قبل محكمة العدل العُليا؛ وهو سؤال إن كان أصلاً من الممكن إدانة اليهود في عالمٍ نازيّ فيهِ كلّ شيء قُلِبَ رأساً على عقب، وأنّ عدم قدرتنا على فهم ذلك العالم الذي خلقه الألمان لليهود والذي كان فيه مجرّد العيش يعدّ جُرماً، ما يجعلنا قادرين على محاكمة من عاش في تلك الفترة وإدانة بعض سلوكيّاتهم.

يعتقد ميككس أنّ العالم الجهنميّ الذي خلقه النازيون لليهود في أوروبا من الصّعب العيش فيه من خلال مفاهيم صلبة كالخير والشرّ والتي من الممكن التّفكير من خلالها في الحياة المدنيّة السّلميّة. فتسليم الآخرين للموت خلال الهولوكوست، كان الطّريقة الوحيدة لإنقاذ الذّات، أو العائلة، أو الأصدقاء، وذلك كان روتينياً بالنّسبة لأفراد الشرطة اليهوديّة الذين سلّموا اليهود للنازيين مقابل العفو عنهم وأحياناً حتّى عن عائلاتهم.

في ذلك الإطار وُضِعَ كاستنر؛ في إطار الشخصيّة الأنانيّة التي فضّلت إنقاذ نفسها على الآخرين، وفي الإطار نفسه وضع اليمين الصهيونيّ حزب المباي والوكالة اليهوديّة وكلّ مؤسسة صهيونيّة لم تُحاول إنقاذ اليهود في أوروبا بأيّ طريقة ممكنة. بالنّسبة لغرينوالد وأنصاره حتّى اليوم؛ ذلك كان النّهجُ اليساريّ الإسرائيليّ، نهجُ المفاوضة والمهادنة الذي مثّله لاحقاً العام 1993 إسحاق رابين واغتيل بسببه، وذلك أساس نهجُ اليمين الصهيونيّ في إسرائيل اليوم بما يتعلّق بملف الاستيطان والفلسطينيين؛ لا تفاوض، على الإطلاق، لا شيء على الإطلاق.

يسار جديد، يمين قديم!

شكّل كاستنر موضوعاً جدليّاً ما بين اليسار واليمين في إسرائيل على مدى الـ75 عاماً المنصرمة، لكنّ الجدل عاد ليتجدد مرّة أخرى بعدما قبلت مؤسسة "ياد فشيم" الخاصّة بإرث الهولوكوست العام 2007 وللمرّة الأولى أرشيف عائلة كاستنر كجزء من أرشيف الهولوكوست. ولاحقاً مع صدور الفيلم الوثائقي Killing Kasztner العام 2008. ولكنّ ذروة الجدل كانت بعد انتخاب ميراف ميخائيلي، حفيدة رودولف كاستنر، العام 2013 عضواً في الكنيست عن حزب العمل الإسرائيلي، ولاحقاً العام 2021 رئيسة للحزب نفسه.

في خطابها الأوّل أمام الكنيست بعد انتخابها، رأت ميخائيلي أنّ هناك رابطاً مباشراً ما بين التشكيك في دوافع جدّها وما بين الهجوم اليمينيّ على اليسار الإسرائيليّ: "هو أنقذ اليهود بطريقة قد تبدو للبعض غير ملائمة، وليست يهوديّة كفاية، وليست صهيونيّة كفاية. أنا أنحدر من عائلة مؤسِّسة، ولكنّها ليست كلِّياً من التيّار المهيمن، وليست جزءاً من الإجماع... من المعتاد إسرائيلياً أنّ أيّ نقدٍ للدولة أو للطريقة التي نتصرّف فيها ينظرُ إليه على أنّه فعلٌ من أفعال الخيانة".

سرعان ما أصبحت ميخائيلي بعد خطابها وظهورها كيساريّة علمانيّة عدوّاً للجناح اليميني الدينيّ في إسرائيل؛ وقد أثار تبنّيها لإرث جدّها وقصّته صحوة شعبيّة مناهِضة لكاستنر وموظِّفة إيّاه في سياق السّياسة الإسرائيليّة الرّاهنة. عاد كاستنر إذاً ليكون في القلب من الفَصْلِ القائم بين اليمين الشُّجاع واليسار الضّعيف. ميخائيلي وازَت ما بين النقد الذي وجّه لجدّها وما بين مواضيع السياسة الحاليّة في إسرائيل؛ فمنتقدو كاستنر لم يهتمُّوا بولائه لليهود، ولم يهتمّوا بإنقاذه لبعضهم، ولكنّهم فقط حاكموه لأساليبه التي تخرجُ عن إجماع التيّار السائد في المجتمع الإسرائيليّ آنذاك. كانت ميخائيلي تلفتُ النّظر إلى موقع اليسار حالياً في السياسة الإسرائيلية، في مجتمع تتصاعد فيه القوميّة والسّياسة اللاتفاوضيّة التي تنسجمُ والإجماع السائد في المجتمع الإسرائيليّ. وقد عادت مرّة أخرى العام 2019 في تعقيبها على مقالٍ نقديّ لكاستنر عبر موقع تويتر لتفتعل ربطاً ما بين الهجوم عليها في الحاضر والهجوم على جدّها في الماضي: "قُتل كاستنر في دولة إسرائيل رغم أنّه أنقذ يهوداً. وقد قُتِلَ بعد حملة تحريض سياسيّة قاسية، لصالح قوى سياسيّة مسيانيّة يمينيّة خطيرة؛ أنا فخورة بكوني حفيدة يسرائيل كاستنر".

وضعت ميخائيلي كاستنر إذاً موضع "الشهيد"، الذي قُتل وحُوكِمَ رغم ولائه لليهود ولدولة إسرائيل التي لم تكن قادرة على حمايته من التطرّف اليمينيّ؛ في إشارة ربّما إلى وضعها الحاليّ في دولة تعجُّ بالمتطرّفين والمستوطنين وفي ظلّ خروجها - أو ما تراه هي خُروجاً- عن الإجماع الصهيوني الإسرائيلي.

يعود كاستنر إذاً إلى المشهد الإسرائيليّ ولكن بعد تأويله وتأويل تاريخ "الضحايا المجرمين" اليهود من خلال أيديولوجيا الحاضر، وهي عمليّة تأويليّة كاشِفة عن نمطٍ ثابت في أيديولوجيا اليمين الصهيونيّ عندما يتعلّق الأمر بعلاقة اليهود بالآخر، نازياً كان أم بريطانياً، أم فلسطينياً، وهو النمط القائم على القوّة أوّلاً - كما في "مقالة الجدار الحديدي" لزئيف جابوتنسكي- وعدم التفاوض المُطلق.

مراجع:
Rudolph Kastner and how History becomes Midrash, Chesky Kopel, The Lehrhaus, December 29, 2019.
Kapos: Can Jews be found guilty of partnering with Nazis? David Mikics, The Tablet.
Guest Contribution, “Judging Evil in the Trial of Rudolph Kastner”, History Cooperative, November 22. 2016.
The “strange Mr. Kastner”- Leadership ethic in Holocaust-era Hungary, in the light of grey zones and dirty hands, Paul Sanders, Leadership Vol. (12)1 4-33, 2015.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات