يمكن القول إن نشوة النصر التي عاشها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لحظة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم 18/1/2020 عن خطته للسلام في الشرق الأوسط والتي أطلق عليها اسم "صفقة القرن"، والتي جاءت في ذروة صراع الأول على السلطة في جولة انتخابات ثالثة وحاسمة متوجة رزمة سخية وغير مسبوقة من الهدايا التي قدمها له الرئيس الأميركي تباعا (الاعتراف بضم القدس والجولان ونقل السفارة وإغلاق بعثة المنظمة في واشنطن ومحاصرة وكالة الأونروا... إلخ)، لن تكون عابرة وقصيرة فقط، بل قد تعتبر لحظة الهبوط بالعلاقات الأميركية- الإسرائيلية إلى مستوى غير مسبوق من التردي والانحطاط لتسجل على أنها بداية النهاية التي تصدع فيها الإجماع الأميركي فوق الحزبي على دعم إسرائيل.
يمكن القول إن "قانون كورونا الكبير" (أو: "قانون التفويض") الذي سنّه الكنيست الإسرائيلي في ساعة متأخرة من يوم الخميس الأخير (23 تموز الجاري) يدشن مرحلة جديدة في مسار تطور إسرائيل السياسي والقانوني ويحدث تغييراً جوهرياً في مستوى العلاقة المستقبلية بين الحكومة، بكونها السلطة التنفيذية، وأذرعها المختلفة، من جهة، وبين الكنيست، باعتباره السلطة التشريعية والبرلمان الذي يجسد "حكم الشعب"، من جهة أخرى. والتغيير الذي نقصده هنا يطال أيضاً الوضع الدستوري المعمول به في إسرائيل، إلى درجة أن القانون الجديد يشكل خروجاً واضحاً وفظاً عنه. فالوضع القائم اليوم ـ أو الذي كان قائماً حتى اليوم، على الأصح ـ هو أن الكنيست هو، وهو فقط، المخول صلاحية وضع وإقرار الترتيبات والقواعد المعيارية الأساسية الملزمة للجمهور عامة. أما ما حصل هنا، في هذا القانون، فهو قلب لهذه القاعدة ويكتسي خطورة استثنائية لكون الحديث يجري عن تشريع جديد يطال، بصورة عميقة وحادة، حقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية، بل قد يترتب عليه تجريم وعقوبة جنائية أيضاً.
وسط صدامات متواصلة بين كبار مسؤولي إدارات الجامعات الإسرائيلية وبين الوزير المسؤول عن التعليم العالي، زئيف إلكين (الليكود)، والتي جاءت تحت غطاء (وليس فقط بسبب) ما يجدر اتّباعه من إجراءات ناجمة عن أزمة الكورونا في مؤسسات التعليم، أعلن رئيس "لجنة رؤساء الجامعات" ورئيس جامعة حيفا، البروفسور رون روبين، بتاريخ 14 تموز الجاري، عن استقالته من منصبه كرئيس لتلك اللجنة، قائلا إن الخطوة جاءت احتجاجاً على خطوات اتخذها الوزير إلكين، وفي مركزها، أشبه بالقشّة التي قصمت ظهر البعير، تنحية القائمة بأعمال المديرة العامة لمجلس التعليم العالي، ميخال نويمان. هذه الخطوة رأى فيها رؤساء الجامعات تمادياً جديداً على استقلالية المؤسسات الأكاديمية على طريق تعميق تسييسها اليمينيّ.
هناك أكثر من سبب للاعتقاد بأن الأيام الراهنة ترسم أولى إشارات بداية نهاية عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المستمر منذ أكثر من عقد، وهو ما ركزنا عليه في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، بواسطة تسليط الضوء بشكل أساس على التداعيات الاقتصادية- الاجتماعية المترتبة على أزمة فيروس كورونا والتي بلغت آماداً حادّة.
لعل أبرز هذه الأسباب هو انطلاق حملة احتجاج مُرشّحة لأن تتصاعد ضد هذه التداعيات؛ حتى إن كانت تعيد إلى الأذهان إلى حدّ كبير حملة الاحتجاج الاجتماعية التي شهدتها إسرائيل العام 2011 وفشلت في تحقيق مبتغاها، فهي أشدّ قسوة وعمقاً كونها متأتية عن حراك "جمهور يختنق ولم يعد قادراً على التنفس"، كما وصفتها صحيفة "هآرتس"، مؤكدة أنه من غير الممكن إسكاتها ولا حتى بواسطة الشرطة وعنفها.
الصفحة 306 من 894