المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
فعالية مناصرة لفلسطين في جامعة براون الأميركية. (أرشيفية، عن موقع "ميديل ايست مونيتور")
فعالية مناصرة لفلسطين في جامعة براون الأميركية. (أرشيفية، عن موقع "ميديل ايست مونيتور")

"المجتمع الأميركي يتغيّر، يمكنكم ملاحظة ذلك (..) أستطيع تأكيد ذلك بنفسي، فقبل عشرة أو خمسة عشر عاماً، إذا كنت سألقي محاضرة في أي جامعة عن فلسطين وإسرائيل، كان يجب أن أحظى بتأمين من الشرطة. هذا تغيّر تماماً الآن، وهو تغير مهم جداً. أعتقد أن هذا التطور سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تغيّر ملموس في السياسة الخارجيّة الأميركيّة" (نعوم تشومسكي، مقابلة على قناة "ديموقراطيّة الآن"، نيسان 2019)

في العام 2004 تأسست "الحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافية لإسرائيل" (PACBI)، وتلا ذلك نداء المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ لحملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة بـ "BDS"، حيث قامت أكثر من 170 شخصيّة ومنظمة مجتمع مدني فلسطينية بإطلاق نداء عالمي. وبرز خطاب الحملة الفلسطينيّة المعتمد على حقوق الإنسان في قطاعاتٍ أميركيّة واسعة، وخصوصاً عند الجيل الشابّ، حيث تشير نتائج الإحصائيات الصادرة من عدة مؤسسات منها "معهد غالوب" و"معهد بروكينغز" وغيرهما إلى أرقام "مثيرة للقلق الإسرائيلي" فيما يخصّ التأييد تجاه إسرائيل والفلسطينيين ضمن مختلف فئات المجتمع الأميركي. وأشارت نتائج الاستبيان الذي أجراه معهد "PEW" إلى تراجع كبير في نسب التأييد لإسرائيل في القطاعات الشابة المولودة بعد العام 1980، حيث تراجعت نسبة التأييد لإسرائيل خلال الفترة ما بين الأعوام 2006- 2016 من 51% إلى 43%، في مقابل ارتفاع نسبة التأييد للفلسطينيين من 9% إلى 27% خلال الفترة نفسها.

وهذا يبيّن أن المقاطعة الأكاديميّة والنشاطات التي تنحو لنزع الشرعيّة عن سياسات إسرائيل والصهيونيّة في أوساط الجامعات الأميركيّة، تزداد وتتكثّف في الحجم والأثر، ما أدى إلى حالةٍ قلق عند الجهات الداعمة لإسرائيل، وأيضاً الجهات والمراكز البحثيّة والجامعات والمؤسسة الإسرائيليّة.

في هذا التقرير، سأقدّم ملامح من أثر المقاطعة وردود الفعل الاسرائيليّة وما هي الآليّات التي اقترحت لمكافحة نشاطات حملة "BDS" والمنظمّات الطلابيّة الفلسطينيّة الأخرى.

أثر نشاط المقاطعة

وردَ في تقرير "رابطة مكافحة التشهير" (Anti-Defamation League) في العام 2019، أن "الهستيريا المحيطة بالنشاط المناهض لإسرائيل في الحرم الجامعي غير مبرّرة. فلا يعاني الطلاب اليهود من الاضطهاد على أساس يومي، والاعتداءات الجسدية نادرة جداً"، حيثُ أن التأثير الأساس للنشاط المعادي للصهيونيّة واسرائيل وخصوصاً نشاط حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (B.D.S)، يرتكز بشكل أساس على الساحل الشرقي. ومع ذلك، يوضّح التقرير أن على الطلبة اليهود في مئات الجامعات الذي يعتبرون أنفسهم مرتبطين بالمنظمّة الصهيونيّة العالميّة أو بدولة اسرائيل، التعاطي مع الواقع الجديد الذي خلقته النشاطات التي تنزع شرعيّة سياسة إسرائيل في كافّة تشعباتها.

ولفتَ تقرير آخر للبروفسور مريم آلمان، مديرة "رابطة مكافحة التشهير"، والصادر مؤخراً عن "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي، إلى أنه منذ عقدين وفي مؤتمر "المنظمات والجمعيّات غير الحكومية" الذي عقد في العام 2001 في جنوب أفريقيا، أطلقت الدعوة إلى عزل إسرائيل دولياً، ولا تزال هذهِ الدعوات قائمة لمقاطعة إسرائيل وإدانتها وفرض عقوبات بانتظام في معظمِ الجامعات الأميركيّة. وأحالت إلى أن استمرار النشاط لنزع الشرعية عن سياسة إسرائيل، يؤدي في العديد من الجامعات اليوم إلى تعرّض الطلبة اليهود [المعتنقين للفكرِ الصهيونيّ] للإهانة وإطلاق أوصاف عليهم مثل "الإمبرياليين" و"العنصريين" وحتى "النازيين" و"أنصار الفوقيّة اليهوديّة" وأثّر ذلك على سمعتهم في الجامعة وعدم قبولهم لمناصب قياديّة وإداريّة مهمّة في الجامعة، بسبب علاقتهم مع الفكر الصهيونيّ وإسرائيل. بالمقابل، وصفت آلمان ذلكَ بـ"الأعمال التخريبيّة" و"اللاساميّة"، مع العلم أن النشاطات تحوي في داخلها ناشطين يهودا، ناهيك عن أنها تشدّد دائماً على معاداة ونزع الشرعيّة عن الصهيونيّة وفصلها عن اليهوديّة، والتقرير يبيّن ذلك، إلا أنه يوازي بينَ معاداة الصهيونيّة ومعاداة الساميّة.

وذكرت آلمان أن "خوف الطلاب اليهود في الجامعات الأميركيّة يزداد من الكشف عن هويتهم ودعمهم لإسرائيل، خشية استبعادهم من الحياة الجامعية والأنشطة التي تهمهم". كما أن أنشطة حركة المقاطعة (BDS) تحاول بشكلٍ دائم استبعاد الطلاب اليهود الصهاينة من المشاركة في مجموعات تعمل من أجل القضايا التقدمية في الحرم الجامعيّ، وتصل وفقاً للتقرير "إلى الدعاية الفاحشة التي تشوه سمعة المنظمات اليهودية [الصهيونيّة] الأميركية، بما في ذلك 'رابطة مكافحة التشهير' وغيرها، لمنع أو تقييد أنشطتهم في الحرم الجامعي".

وذكرت على سبيل المثال أنه "بعد مقتل جورج فلويد في العام 2020، تعزّز التحالف بين مؤيدي "BDS" وحركة "Black Lives Matter"، مما ساهم في تزايد وتيرة نظريات المؤامرة ضد اليهود وفقاً للتقرير، مثل الأحداث والحملات التي تركزت على اتهامات كاذبة بأن "المنظمات اليهودية [الصهيونيّة] الأميركية تدفع لإسرائيل، من أجل إعداد قوّات الشرطة الأميركية للتصرّف بطرق غير إنسانية".

وأيضاً استطاعت حركة المقاطعة ونشاطات نزع الشرعيّة عن الصهيونيّة وسياسة دولة اسرائيل الوصول إلى المحاضرات والغرف الدراسيّة في الجامعات، مما يعطي شرعيّة أكاديميّة ومعرفيّة لنقدِ الصهيونيّة وإسرائيل. وتجد آلمان مُشكلةً في تعبير المحاضرين عن آرائهم المعادية لإسرائيل وتصفها بأنها في كثير من الأحيان "مواد سامّة معادية لإسرائيل في المجلات العلميّة الرائدة، والتي يقوم بمراجعتها الزملاء الباحثون (Peer reviewed)"، وأضافت أن الأقسام الأكاديميّة تموّل بشكل متزايد الأحداث والفعاليّات التي "تشيطن إسرائيل"، وتشجّع وتمجّد "العنف تجاه المواطنين الإسرائيليين أو الدعوة إلى القضاء على الدولة اليهودية"، مما يبيّن أثر هذهِ النشاطات والحملات الفلسطينيّة التي بدأت منذُ عقدين.

وقامت الهيئات التدريسيّة في إثر الحملات الفلسطينيّة والنشاطات الطلابيّة، بالدعوة علناً إلى المقاطعة الأكاديميّة لإسرائيل ومؤسساتها البحثيّة، في إطار النقابات والحرم الجامعي، ومن المهمّ الإشارة إلى أنهم غير مستعدين للتوصيةِ على طلابٍ بشأنِ الدراسة في إسرائيل. ومن جهةٍ أخرى، ففي إثر الأجواء السائدة في دعم الفلسطينيين ومقاطعة إسرائيل قد تجد محاضرين وخصوصاً المبتدئين الذين لا يتمتعون بالحماية التي توفرّها المؤسسة لمن هُم أكثر خبرةً وأصحاب مناصب عالية، يتعمدون إخفاء مواقفهم المؤيدة لإسرائيل حتى لا يضروا بترقيتهم. وازدادت حالات الإقصاء والمضايقات لأعضاء هيئة التدريس اليهود المؤيدين والمتعاطفين مع إسرائيل.

القلق الإسرائيلي وآليات مكافحة "اللاساميّة الجديدة"!

يزداد القلق الاسرائيليّ بعد انتشار واتساع النشاطات التي تعمل على نزع شرعيّة سياسة إسرائيل في المؤسسات الأكاديميّة خصوصاً لكونها مركزاً طبيعياً للحوار والنقاشات السياسيّة التي تؤثر على أجيالٍ كاملة من قياداتٍ سياسيّة مستقبليّة وأوساط ثقافيّة عالميّة وتقنيين وأصحاب شركات وغير ذلك من إمكانات التأثير التي تبدأ من المساحات الأكاديميّة. ولفتَ تقرير لـ"معهد دراسات الشعب اليهوديّ" تحت عنوان "الحرم الجامعي في الولايات المتحدّة ونزع الشرعيّة عن إسرائيل- في المنظور"، أن العناصر المعادية لإسرائيل أثبتت قدرتها في التعامل مع هذهِ المساحات والاستثمار في الطلبة، لإقناعهم وإثارة المشاعر المعادية لإسرائيل، حيثُ أن الولايات المتحدّة تملك حريّة في أوساطها الأكاديميّة.

وأوضحَ التقرير أن فشل حركة المقاطعة "BDS" في التأثير بشكلٍ ملموس على الاقتصاد في إسرائيل والعلاقات الخارجيّة، يبقى مسألة راهنة وغير مضمونة، بسبب أن القلق يزداد حينما ننظر إلى أن الجامعات الأميركيّة ومنها الأكثر جودةً وشأناً، قد تخرّج قادة الغد وصانعي السياسات، ويؤدي ذلك إلى سياساتٍ جديدةٍ تجاه إسرائيل، و"يكمن التهديد في التآكل العامّ والتدريجيّ لشرعية إسرائيل في الولايات المتحدة، والذي قد ينتشر إلى الرأي العام الأوسع". وخلص التقرير إلى أنه "في نهاية المطاف، ومن دون الدعم الأميركي لمعارضةِ هذهِ النشاطات، من الممكن أن تتحوّل هذهِ المحاولات لنزع الشرعية، مثل حملات 'BDS'، إلى شعبيّة أكثر وتحقّق نجاحات أكثر، وفي إثر ذلك من الممكن أن تصبح إسرائيل دولة منبوذة في المجتمع الدولي، مثل جنوب أفريقيا في أيام الفصل العنصري".

أما عن المقترحات والتوصيات لمكافحة الانتشار الواسع لهذهِ النشاطات والحملات، فكتبت آلمان في التقرير الصادر عن "معهد دراسات الأمن القومي"، أن على السلطات والمؤسسات الأكاديميّة الأميركيّة، مثل "مجلس الشيوخ الأكاديمي"، معالجة "مسألة التلقين العقائدي في الفصول الدراسية (المحاضرون الذين يستخدمون مناصبهم الأكاديمية لتعزيز أجنداتهم الشخصية ضدّ إسرائيل) واستخدام القنوات والموارد الجامعية، المواقع الرسمية، والقوائم البريدية، واجتماعات الإدارات، لنشر الدعاية الإسرائيلية". وهي تقترح فحص وإعادة النظر في المنح الدراسيّة عند الجامعات والمجلّات الأكاديميّة التي تركّز على بحث ونشر موادّ حول القضيّة الفلسطينيّة والاستعمار والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتصفها بأنها "غير مهنيّة ومعادية للساميّة".

ودعت لتطوير الموادّ والورشات والتدريبات حول موضوع "اللاساميّة" [وهي تقصد المضامين والممارسات المعادية لإسرائيل والصهيونيّة ولا تشير إلى اللاساميّة الحقيقيّة المنتشرة بينَ نشاطات اليمين المتطرّف المعادية لليهود والمؤيدين للصهيونيّة] لزيادة الوعي عند الطلبة والهيئة التدريسيّة على حدٍ سواء، مما يجعل من نقدِ إسرائيل والصهيونيّة "جريمةً" موازية للعنصريّة ضدّ اليهود والسود وغيرهم من الأقليّات.

وفي الدراسة التي نشرها "معهد دراسات الشعب اليهوديّ" تحت عنوان "حملة نزع الشرعية الدولية ضد إسرائيل"، حدّدت أربع مهام مركزيّة لمكافحة الحملة الدوليّة للمقاطعة، وخصوصاً الأكاديميّة:

أولاً، حملة واسعة ضدّ الجهات التي تعمل لنزع الشرعية، وهي هيئات وأفراد من الذين يسعون لخلق وتطوير ونشر موادّ نزع الشرعية عن إسرائيل، وأنصارهم الأساسيين النشطين. واعتبرَ التقرير أن "الحملة ضد هؤلاء هي في صميم الحرب على ظاهرة نزع الشرعية وتتطلب استراتيجية هجومية، فضح نواياهم الحقيقية واسمهم والتشهير بهم"، ودعت أيضاً إلى إطلاق تشريعات تجعل أنشطتهم غير مشروعة، ورفع دعاوى قضائية على أسس مختلفة، والكشف عن مصادر تمويلهم، والضغط على البنوك لإغلاق حسابات "BDS"، والمقاطعات المضادّة.

ثانياً، تسليط الضوء على العوامل التي تساعد وتساهم في حملة نزع الشرعية، والمبادرة إلى "إنشاء خطاب نشط من شأنه الكشف عن الدوافع غير الحقوقيّة وراء ظاهرة نزع الشرعية، وشحذ وتوضيح الخطوط التي تفصلها عن النقد المشروع" لمحاولة سحب الشرعيّة القانونيّة من حملة المقاطعة، وإظهارها على أنها "نشاط عنصريّ ومعادٍ لليهود".

ثالثاً، يوصي التقرير بالانتباه إلى أن الرأي العام الدولي هو ساحة مهمّة للنشاط المضادّ بسبب أن معظمه يفتقر إلى المعرفة أو الاهتمام بالصراع الفلسطيني- الاسرائيليّ، إلا أنه "يخضع لغسيل أدمغة ممنهج ضد إسرائيل، والعمل داخل هذا الجمهور المستهدف، بشكل أساس ينعكس في دائرة صورة إسرائيل دولياً، وينبغي منعه نحو الانجراف إلى نزع الشرعية".

رابعاً، إيجاد شركاء محتملين في مكافحة نزع الشرعية، وأضاف التقرير أن "من المهم البحث عنهم وتشجيعهم وربطهم بشبكة لمكافحة المحاولات التي تعمل على نزع الشرعية عن إسرائيل" وموضّحاً أن جمهور الهدف يجب أن يكون شركاء غير يهود وليبراليين للعملِ من أجل تطوير وتقوية المؤيدين على المستوى الشعبيّ.

 

المصطلحات المستخدمة:

دولة اسرائيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات