تشهد إسرائيل على خلفية الأزمة السياسية غير المسبوقة التي تشهدها في الآونة الأخيرة، قدراً كبيراً من التحليل لصيرورتها الراهنة، وفي الوقت عينه تشهد الكثير من الاجتهادات التي تحاول استشراف ما يمكن أن تؤول إليه هذه الصيرورة، لا سيما على صعيد الصراع الداخلي.
ولعلّ أول ما ينبغي الالتفات إليه في غمرة متابعة ما تراكم إلى الآن، أن تلك الصيرورة ليست نتاج الأزمة الراهنة فحسب إنما هي أيضاً محصلة ما شهدته إسرائيل من سيرورات قبيل انفجار هذه الأزمة بعدة أعوام، وبالأساس في سياق المحاولات المتواترة لتكريس هيمنة اليمين الجديد على المشهد السياسي برمته.
ولدى العودة إلى ما سبق هذه الأزمة بالوسع العثور على ما يمكن اعتباره أشبه بالنبوءة حيال مع يحدث في الوقت الحاليّ، كما هي مثلاً حال تصريحات أدلى بها أربعة رؤساء سابقين للمحكمة الإسرائيلية العليا قبل خمسة أعوام خلال مقابلة مشتركة جمعتهم معاً أجرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" في مناسبة الذكرى الـ 68 لإقامة دولة إسرائيل، وأجمعوا فيها من ضمن أمور أخرى على أن إسرائيل تشهد سيرورات مثيرة للقلق من ناحيتهم قد تتسبب، في نتيجتها، بما وصفوه بأنه "إعلان بداية نهاية النظام الديمقراطي في الدولة"!
تأسست مدينة "نوف هجليل" في العام 1957 ["كريات نتسيرت" ثمّ "نتسيرت عيليت" قبل الاتفاق على الاسم الحالي] وفقاً لخطّة أمنيّة أعدّها رئيس الحكومة الاسرائيليّة السابق، دافيد بن غوريون، وأهمّ بنودها "تهويد الجليل والناصرة"، التي أعلن عنها في العام 1953، عبرَ مصادرةِ الأراضي من مدينة الناصرة، والقرى المجاورة: المشهد وإكسال والرينة وعين ماهل من خلال قانون "مصادرة الأرض لأغراض عامّة". ورافق المصادرة احتجاج عربي عارم وقتها، ووصلت القضيّة إلى المحكمة العليا الاسرائيليّة، التي أتاحت عمليّة المصادرة والاستيطان، وفقاً للمصلحةِ العامّة الصهيونيّة التي تقتضي أن "استيعاب المستوطنين الجُدد" هي مصلحة عامّة، تتيح مصادرة الأرض، بشكلٍ قانونيّ.
تُحيل لفظة "نواة التوراة" أو "الأنوية التوراتية" إلى المشاريع الاستيطانية الزاحفة في المدن والبلدات داخل إسرائيل. ويتمثّل الهدف الأسمى لهذه الأنوية- كما اصطُلح على تسميتها إسرائيلياً- في محاصرة الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين والتضييق عليهم وصولاً إلى طردهم نهائياً من "المدن المختلطة" كالرملة ويافا وعكا واللد، كما تهدف إلى "تطهير القلوب" من خلال "استيطانها" وما تتضمنه هذه العملية من تديين لمظاهر الحياة في هذه المناطق، وهذا ما يُمكن اعتباره موجّهاً أيضاً للقضاء على المظاهر العلمانية السائدة في المدن والبلدات الإسرائيلية نفسها.
أعاد قرار وزير التربية والتعليم الإسرائيلي يوآف غالانت بعدم السماح بمنح "جائزة إسرائيل للعام 2021" للبروفسور ذائع الصيت في علوم الحاسوب والرياضيات، والباحث في معهد وايزمان للعلوم، عوديد غولدرايخ، إثارة الجدل في الأوساط الأكاديمية والإعلامية حول المعايير الواجب توفرها في من يحق له تلقي الجائزة، او بالأحرى ما المعيار الحاسم الذي يمنع شخصا ما من تلقي هذه الجائزة التي تعتبر الأهم والأكثر قيمة من بين كافة الجوائز في إسرائيل، وهو نقاش يعكس في جوهره الميل المتزايد نحو اليمين ذي النزعة الفاشية الذي تغلغل في مفاصل الدولة، ويرى نفسه وقيمه على أنها التعبير الحصري والأمثل عن حالة "الإجماع" والخط السياسي السليم والوفي لقيم الصهيونية.
الصفحة 278 من 925