المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في قراءة تشذّ عن أجواء الارتياح والترحيب الإجماعية غير المتحفظة التي عمّت إسرائيل حيال إعادة انتخاب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لدورة رئاسية ثانية، رأى نائب رئيس "معهد القدس للدراسات الاستراتيجية"، العقيد (احتياط) د. عيران ليرمان، أن النتيجة التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مصر "تؤسس لخريف أوتوقراطي" وتُلزم إسرائيل

والدول الصديقة لها في المنطقة "بالتفكير الجدي بإسقاطات هذه الانتخابات على الواقع السياسي في مصر، سلباً وإيجاباً"، ذلك أن "استقرار النظام المصري وقدرته على مواصلة الدفع نحو تحقيق أهداف اقتصادية طموحة، إلى جانب مواصلة المعركة العسكرية والفكرية ضد الإرهاب، هي غايات هامة جدا بالنسبة لإسرائيل وجاراتها في حوض المتوسط"، من جهة، لكنّ "الانتصار" الساحق بنسبة 97% في الانتخابات "يثير قلقا بالغا بشأن مستقبل الحياة السياسية في مصر"، من جهة أخرى.

في مستهل مقالته المنشورة على موقع "المعهد" المذكور (11/4)، تحت عنوان "الخريف المصري؟ آمال وتخوفات في بداية الدورة الرئاسية الثانية للسيسي"، دعا ليرمان إلى "الاعتراف بالحقيقة": "الانتخابات (إنْ كان هذا هو المصطلح المناسب حقا) التي يفوز بها رئيس بنسبة 97% من أصوات الناخبين ليست سببا للاحتفال... حتى فلاديمير بوتين، الذي لا يمكن اتهامه بأنه ذو ميول ديمقراطية، اكتفى بنسبة أقل من هذه بكثير". ثم ذكّر بأنّ "القليل جدا فقط تبقى من الأحلام، التطلعات والمُثُل التي أخرجت ملايين المصريين، من مختلف ألوان الطيف السياسي، إلى ميدان التحرير في شتاء العام 2011". وأضاف: "إذا كان شتاء 2011 قد بشّر بربيع ديمقراطي في مصر، فإن ربيع 2018 يؤسس لخريف أوتوقراطي"!

ليس في ما تمخضت عنه الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مصر ما يمكن اعتباره مفاجأة، كما يقول الكاتب، ومن المشكوك فيه أن تكون هذه الدورة الرئاسية (الثانية) هي الأخيرة للرئيس السيسي، كما تعهد، وذلك بالنظر إلى الفظائع الرهيبة المتواصلة في كل من ليبيا، اليمن، العراق وسورية بصورة أساسية، والتي من شأنها "تأكيد ادعائه بأن مكانته وصلاحياته هي السدّ الأخير المتبقي في مواجهة خطر السيطرة الإسلاموية الكارثية على مقاليد الحكم في مصر، أو انهيار الأوضاع إلى حالة من الفوضى العارمة والدموية".

قد يكون في المآل الذي انتهت إليه سنوات حكم الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، والتي ولّدت شعار/ هتاف "كفاية"، ما يمكن اتخاذه تنبيها تحذيريا لخلفه أيضا. لكن ما يضعه السيسي نصب عينيه، برأي الكاتب، هو نموذج الرئيس الصيني، شي جي بينغ، الذي حطّم للتوّ "قاعدة السنوات العشر" ليضمن لنفسه، فعليا، حكما انفراديا لسنوات طويلة قادمة.

لكن الكاتب لا يعتبر هذا الخيار خياراً سيئا تماما من وجهة نظر إسرائيل وشريكاتها في النضال من أجل الاستقرار والأمن في حوض المتوسط ـ وفي مقدمتها اليونان وقبرص ـ وهي التي رحبت، جميعها، بتغيير الحكم في مصر في العام 2013، على خلفية القلق الشديد الذي أثاره احتلال "الإخوان المسلمين" مقاليد الحكم والخشية العميقة من تكرّس هذا النظام "وهو ما منعه السيسي نفسه، بالقوة"، كما يشير الكاتب.

التعاون المصري- الإسرائيلي ومفاتيح مستقبل المنطقة

يؤكد الكاتب أن ثمة مجالات واسعة من التعاون العميق والوثيق بين مصر وإسرائيل اليوم، سواء على المستوى السياسي الأرفع، أو على الصعيد الأمني ـ الاستخباراتي أو في مجال الطاقة. ولهذا، فإن الحرب التي يخوضها نظام السيسي ضد الإرهاب "تمثل أحد المفاتيح الأساسية لمستقبل المنطقة برمتها". وهي حرب تدور على جبهتين مركزيتين: الجبهة العسكرية ـ في سيناء بوجه خاص؛ والجبهة الفكرية ـ من خلال العنوان الذي أطلقه السيسي بشعار "تصحيح الخطاب الديني" والسعي إلى التحرر من الخطاب والأداء السياسي الراديكالي "الذي تفشى في الإسلام كوباء منذ الوهابيين حتى اليوم"، كما يقول.

كما يرى الكاتب، أيضا، أن السيسي قد أثبت، في عدد من المحطات خلال دورته الرئاسية الأولى، أنه قادر على ترجمة قوته السلطوية وما يحظى به من تأييد وتعاطف بين شرائح واسعة من الجمهور المصري إلى قرارات عملية حادة وبعيدة الأثر، من بينها مثلا: خفض مستويات الدعم الحكومي (السوبسيديا) للسلع والمواد الأساسية. وفي المقابل، حقق انطلاقة لافتة في دفع مبادرات ومشاريع كبيرة جدا، مثل مضاعفة عدد السفن التي تمر عبر قناة السويس، نحو مضاعفة عائداتها. وفوق هذه كلها، يأتي المشروع غير المسبوق في مصر منذ العهد المملوكي والمتمثل في نقل العاصمة من القاهرة إلى مدينة جديدة على بعد نحو 40 كيلومترا إلى الشرق من القاهرة (لم يتم اختيار اسم لها بعد، رغم أن الشارع المصري قد بدأ يطلق عليها اسم "الإدارية")، وذلك من خلال تعاون واسع ووثيق مع الصين التي "ترى في مصر حلقة هامة جدا" في سلسلة الدول التي سيتم دمجها في مشروع الرئيس بينغ المسمى "حزام واحد ـ طريق واحد".

في المستقبل القريب جدا، يرى الكاتب إن لموقف مصر وأدائها وزنا حاسما في منظومة الضغوطات والاعتبارات التي ستحدد أداء حركة "حماس" وقيادتها، كما أداء السلطة الفلسطينية وقيادتها أيضا، في كل ما يتعلق بالأزمة المتدحرجة في قطاع غزة، والتي تمثل المسيرات والمظاهرات الأخيرة عند الشريط الحدودي "أحد جوانبها فقط". فثمة لإسرائيل مصلحة وفائدة كبيرتان في أن تكون مصر قادرة على لعب "دور ترويضي يلجم التصعيد ويحول دونه"، مقابل تعزيز مكانتها الإقليمية كأحد أعمدة الأساس في "معسكر الاستقرار" في العالم العربي، إلى جانب السعودية ودول خليجية أخرى والأردن، في موازاة الدور الذي تلعبه قطر وتركيا، فضلا عن مخاطر الهيمنة الإيرانية والإرهاب الراديكالي.

من هنا، يشكل الاستقرار في مصر قيمة استراتيجية عليا بالنسبة لإسرائيل، كما يقرر الكاتب. ورغم أن الإسرائيليين قد اعتادوا على النظر إلى حالة الاستقرار هذه بكونها "أمرا مفروغا منه"، ربما، إلا أن انهيار الاستقرار في مصر "قد يحمل مخاطر جسيمة وإسقاطات بعيدة الأثر ليست أقل مما تشكله القضية الفلسطينية أو التهديدات الإيرانية"، كما يقول. وعلى هذا، يضيف، فمن المهم جدا استمرار إسرائيل في متابعة هذا الأمر ومناقشته، بصورة مكثفة، مع أصدقائها في واشنطن وعواصم أوروبية مختلفة، إلى جانب ضرورة البحث عن وإيجاد مسارات وآفاق سرية لنقل الرسائل اللازمة والضرورية إلى القيادة المصرية بشأن نقاط الضعف في سياسة السيسي ونظام حكمه (السرية هنا مطلوبة "انطلاقا من الوعي بمدى الحساسية المصرية المفرطة لأي نقد، خارجي أو داخلي"!).

ويقول الكاتب إن بعض نقاط الضعف هذه بارزة للعيان بالرغم من نتيجة الانتخابات الرئاسية، بل ربما بسببها بالذات. ومن بينها: الطريقة التي تصرف بها السيسي لمنع ترشح منافسين له في هذه الانتخابات، في مقدمتهم رئيس هيئة الأركان السابق، سامي عنان، وقائد سلاح الجو السابق، أحمد شفيق، لا تدل على شعور السيسي ونظامه بثقة بالنفس، بل ربما تشير إلى وجود خلافات وصدوع شخصية في المؤسسة الأمنية المصرية. ويُضاف إليها، أيضا، ما شهدته إجراءات القمع التي مورست ضد "الإخوان المسلمين" من حدة مبالغ فيها، ثم إجراءات القمع التي طالت عناصر مختلفة في الساحة السياسية المصرية وفي المجتمع المدني منذ العام 2013. وفي هذا السياق، يقترح الكاتب "تذكير القيادة المصرية، من حين إلى آخر، بأن قدرة إسرائيل على مساندتها وتقديم العون لها ـ وخاصة في الكونغرس الأميركي ـ تتأثر بصورة سلبية جراء استخدام النظام هذه الإجراءات القمعية بصورة حادة ومبالغ فيها".

أما عن الحرب ضد الإرهاب في سيناء، فيقول الكاتب إنها "تدار بصورة معقدة وغير ناجعة"، رغم ما بذلته الولايات المتحدة من جهود ومحاولات لتغيير هذه الأنماط من العمل في هذا المجال "إلا أن المصريين يتعاملون مع الرسائل الأميركية بتشكك عميق حتى اليوم، رغم تبدل الحكم". وحيال ذلك، يتعين على إسرائيل ـ برأي الكاتب ـ استخدام مكانتها ونفوذها "لنقل الرسائل الضرورية إلى القيادة المصرية"، من خلال تحفيزها ـ ولو بصورة غير مباشرة بواسطة حوار متعدد الأطراف يمكن أن يشمل الأردن أيضا ـ على تطوير التوجهات والتقاليد العسكرية "الجامدة" المترسخة لدى المؤسسة العسكرية المصرية وملاءمتها لضرورات الحرب ضد تنظيمات إرهابية مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" ومتفرعاته، مقابل إبداء المزيد من الليونة والإنصاف تجاه السكان البدو في سيناء.

وعلاوة على هذا، يرى الكاتب أن المنظومة السياسية التي تفتقر إلى "كوابح وتوازنات" قد تجد صعوبة فائقة في قراءة الواقع الميداني قراءة صحيحة، بما في ذلك ما يتعلق منه بالأداء الاقتصادي السليم: فقد أصبح من الممكن، منذ الآن، تشخيص فجوات كبيرة وآخذة في التعمق باستمرار في هذا المجال الحساس جدا. وهنا أيضا، يقول الكاتب، بإمكان إسرائيل (مرة أخرى: بصورة غير مباشرة، بواسطة حوار إقليمي بين الطواقم المهنية في الوزارات الاقتصادية وفي البنك الدولي) لعب دور أساس في توفير "التغذية المرتجعة" لنظام السيسي على مختلف الخطوات والإجراءات التي يختار تنفيذها، أو التي يجدر به تنفيذها. فثمة لإسرائيل الآن، وستكون لها في المستقبل أيضا، مصلحة عميقة في تجنيب الاقتصاد المصري التدهور إلى حالة من الأزمة الخانقة التي ستكون لها انعكاسات مباشرة وفورية على الاستقرار السياسي في مصر وعلى التوجهات السياسية المصرية مستقبلا. وفي هذا الإطار، يقول الكاتب، ينبغي استخدام صفقة الغاز بين إسرائيل ومصر ـ إلى جانب أهميتها الاقتصادية الفائقة لإسرائيل ـ كأداة فاعلة لتوثيق العلاقات بين البلدين ولتشجيع النمو في الاقتصاد المصري.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات