المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال بحث جديد صدر في الأيام الأخيرة إن نسبة الحاصلين على شهادات جامعية لدى أبناء المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق من العام 1990 ولاحقا هي 30%، ولكنها نصف النسبة بين آبائهم- 50% إلى 60%.

ويُظهر بحث آخر يستند إلى استطلاعات عديدة، أن المهاجرين الروس مستمرون في العيش في مجتمعات منغلقة يحافظون فيها على لغتهم وعاداتهم التي كانت قائمة في أوطانهم الأصلية.

وقال بحث آخر لمركز الأبحاث في الكنيست إن ثلث المنتحرين في السنوات الأخيرة في إسرائيل هم من المهاجرين، وهذا كله يعبّر عن ضيق حياتهم الجديدة، في حين دلّت معطيات سابقة على أن 12% من المهاجرين من الدول السوفييتية السابقة عادوا إلى وطنهم الأصلي.

وصدر هذا البحث بعد مرور 25 عاما على بدء موجات الهجرة الضخمة من الاتحاد السوفييتي السابق، ولاحقا من دوله المتعددة بعد تفككه.

وحسب الاحصائيات، فقد هاجر إلى إسرائيل منذ نهاية العام 1989 وحتى العام الماضي 2014، ما يزيد بقليل عن 3ر1 مليون مهاجر من دول مختلفة، إلا أن ما يزيد بقليل عن مليون منهم من الدول السوفييتية السابقة، وفي الدرجة الثانية قرابة 130 ألفا من أثيوبيا، عدا هجرة بضعة آلاف في العام 1985، والباقي من مختلف الدول الأوروبية والأميركية.

وقد انعكست الهجرة من دول الاتحاد السوفييتي على مختلف مجالات الحياة، بدءا من العامل الديمغرافي، إذ انخفضت بدرجة كبيرة نسبة فلسطينيي الداخل من بين اجمالي السكان، وانخرط الآلاف من العاملين في المهن الأكاديمية في سوق العمل الإسرائيلية فرفعوا من مستوياتها، ومن بين هذا الجهاز الطبي، رغم أن إسرائيل رفضت الاعتراف بشهادات أعداد ضخمة من الأطباء، ومن بينهم كبار المختصين، إذ كانت تفرض عليهم امتحانات صعبة جدا، أبقت الكثير منهم خارج مهنتهم، فاضطروا للعمل من أجل قوت يومهم في أعمال الخدمة المنزلية والنظافة، وغيرها من قطاعات العمل.

وارتفع المستوى الرياضي والثقافي في إسرائيل إلى مستويات عالمية، وبدأت تظهر إسرائيل في منافسات رياضية وفنية عالمية بفضل المهاجرين. ورغم ذلك، فإن هذه الهجرة عكست أزمات مجتمعية كثيرة، منها الصدام المباشر بين قدامى المهاجرين إلى البلاد، والمهاجرين الجدد، كما أكدت على هذا سلسلة من الابحاث ومنها ما يعرض هنا.

وكما سبق، فقد قالت صحيفة "هآرتس" في تقرير لها تضمن احصائيات جديدة إن أبناء المهاجرين الذين ولدوا أو هاجروا أطفالا ونشأوا في البلاد، تحصيلهم العلمي الأكاديمي أقل من تحصيل آبائهم، الذين بلغت نسبة الحاصلين على شهادات اكاديمية من بينهم ما بين 50% إلى 60%، إذ كلما ارتفع جيل المهاجرين كانت نسبة الأكاديميين أعلى، أما بين أبنائهم في البلاد فإنها لا تتعدى نسبة 30%.

ويقول الباحت د. فاتسلاف كوستانتينوف في تفسيره لهذه المعطيات، "إنه في الاتحاد السوفييتي كان التعليم العالي مجانيا، بينما أوضاع المهاجرين الروس هنا صعبة جدا، ورغم أن أوضاعهم تتحسن تدريجيا، إلا أنها ما تزال صعبة على الأبناء، ولهذا فإن الكثير منهم يكتفون بالتوجه إلى دورات مهنية تكنولوجية وغيرها كي ينخرطوا في العمل سريعا، وذلك بدلا من توظيف سنوات عديدة في التعليم العالي".

وما يعزز استنتاج الباحث كوستانتينوف، هو تقرير الفقر الإسرائيلي الرسمي، الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية، في الأسبوع الماضي، إذ يبين التقرير أن نسبة الفقر بين المهاجرين من العام 1990 ولاحقا، أعلى بكثير من نسبة اليهود من دون المتدينين المتزمتين، وبحسب التقرير عن العام 2014، فإن نسبة الفقر بين جمهور اليهود 9ر14%، إلا أن هذه النسبة تهبط إلى حوالي 5ر10% بعد اخراج نسبة الفقر بين المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين تصل نسبة الفقر لدى جمهورهم إلى ما يلامس 59%، ومن أسباب هذا حياتهم التقشفية الإرادية. أما نسبة الفقر بين المهاجرين فهي 3ر17%، بمعنى أكثر بـ 70% من بين اليهود العلمانيين.

مجتمعات منغلقة

ويقول الباحث موشيه ليسك في كتابه "معالجات في التاريخ المجتمعي الإسرائيلي"، إن انغلاق المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، في مجتمعات خاصة بهم، مع تعزيز هويتهم كأبناء البلاد التي هاجروا منها، والحفاظ على ثقافتهم، نابع بدرجة ليست قليلة من منطلق رد هذه المجموعة على تعامل جمهور البلاد الذي استقبلهم كمهاجرين، بقصد نبذ جمهور البلاد لجمهور المهاجرين، في اطار الظاهرة المعروفة عالميا، وهي نبذ المهاجرين من قبل "الجمهور المحلي".

ويستعرض الكتاب ذاته عدة نواح في حياة المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي في السنوات الـ 25 الماضية، ومن بين هذا اندماجهم الضعيف في "ثقافة البيئة التي تحيط بهم"، بقصد البيئة الإسرائيلية، على كافة المستويات، فمثلا على صعيد مستوى الاثراء الثقافي في المراكز الثقافية الجماهيرية، رأى البحث أنه في أسفل سلم الأولويات لدى جمهور المهاجرين كانت "المحاضرات حول شعب إسرائيل والصهيونية، ونشاطات تتعلق بالدين واجراء لقاءات مع إسرائيليين قدامى"، ويضيف "بينما على رأس أولوياتهم كان النشاط الترفيهي، مثل النقاهة في نهاية الأسبوع، والرحلات وما شابه، وأيضا حضور عروض موسيقية ومسرحية".

ويضيف البحث أن تصرفات وعادات هؤلاء المهاجرين تدل أيضا على اهتمام ضعيف بالنشاطات المتعلقة بالثقافة والتراث للبيئة المجتمعية التي استقبلتهم، بقصد إسرائيل. وخلافا لكل التوقعات فإن النشاطات التي بادرت لها المجالس البلدية لدمج المهاجرين بهذه "الثقافة"، كانت مساهمتها ضعيفة جدا في التأثير على المهاجرين، وأن هذا أثبتته أبحاث استطلعت آراء المهاجرين بعد ثلاث وخمس سنوات وأكثر من هجرتهم إلى إسرائيل.

وتبين من تلك الأبحاث أنه بعد خمس سنوات فإن نسبة العلاقات الاجتماعية التي اقامها المهاجرون مع "السكان المحليين"، بقصد اليهود الذين سبقوهم في البلاد، تراوحت ما بين 15% إلى 22%، وأن أقصى ما وصلت النسبة اليه بعد أكثر من خمس سنوات تراوحت ما بين 20% إلى 34%. كما أنه حتى بعد خمس سنوات، فإن استخدام اللغة العبرية لدى المهاجرين محدود جدا، وفقط لاحتياجات الحياة العامة، مثل العمل والتعليم والشؤون الإدارية، بينما اللغة الروسية ما تزال طاغية على الحوار في العلاقات الاجتماعية بين المهاجرين من الدول السوفييتية السابقة. ويقول البحث أيضا إن أحد الاستطلاعات السابقة بيّن أن 47% من المهاجرين قالوا بعد سبع سنوات على هجرتهم إلى البلاد، إنهم لا يشعرون بأنهم جزء من المجتمع الإسرائيلي.

وما يقوله هذا البحث ملموس في الشارع وبدرجة أكبر، إذ حتى في العمل حينما تصادف أمامك عاملين اثنين أو أكثر من المهاجرين الروس، فإن اللغة بينهما إما أن تكون روسية بالكامل، أو روسية على الأغلب وتدمج فيها بعض المصطلحات العبرية المتعلقة بطبيعة العمل. وهذا لا يسري فقط على المهاجرين المتقدمين في السن، بل أيضا على الأطفال الذين هاجروا مع أهاليهم وتربوا في البلاد، وحتى الأطفال الذين ولدوا في البلاد.

والكتاب ذاته استعرض أيضا عدة استطلاعات فحصت مدى قناعة المهاجرين من الدول السوفييتية السابقة بهجرتهم من الوطن، وحسب ما جاء فإن 61% فقط أعربوا عن أنهم واثقون كليا بأنهم اتخذوا القرار الصائب بالهجرة إلى إسرائيل، بينما قال 32% فقط إنهم يعتقدون أنهم اتخذوا القرار الصحيح. ولكن إذا نظرنا إلى احصائيات وتقارير سابقة، سنرى أنه حتى قبل خمس سنوات (تقرير من العام 2010) كان 110 آلاف شخص من الذين هاجروا إلى إسرائيل في سنوات التسعين وما بعدها، عادوا إلى أوطانهم، للإقامة فيها بشكل دائم، ونسبة قليلة منهم قررت التنازل كليا عن الجنسية الإسرائيلية، فيما قال التقرير ذاته إن أكثر من 30 ألفا من المهاجرين يتنقلون بين وطنهم الأصلي وإسرائيل بوتيرة عالية. بمعنى أن أكثر من 12% من المهاجرين من الدول السوفييتية، قد تراجعوا عن قرارهم بعيد وصولهم إلى إسرائيل، وليس واضحا ما إذا الاستطلاع المذكور هنا حول القناعة بالقرار كان قد شمل من عاد إلى وطنه فعلا.

ثلث المنتحرين من المهاجرين

الضائقة الاجتماعية التي يشعر بها المهاجرون إلى إسرائيل انعكست في بحث جديد لمركز الابحاث في الكنيست نشر في الأسبوع الماضي، إذ بيّن أن ما يقارب 35% من بين الذين انتحروا من العام 2000 إلى العام 2013، كانوا من المهاجرين وأنه منذ العام 2005 وحتى العام 2013 كانت نسبة المهاجرين من بين اجمالي المنتحرين الثلث سنويا وبشكل دائم، بمعنى ضعفي نسبتهم من بين اجمالي الجمهور (اليوم يشكلون حوالي 16% من الجمهور).

ويقول البحث ذاته إنه منذ العام 2000 وحتى العام 2013، انتحر في إسرائيل 4806 أشخاص، من بينهم 1658 من المهاجرين، وإن 78% من المهاجرين المنتحرين هم من المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، بينما كانت نسبة المهاجرين من أثيوبيا من اجمالي المهاجرين المنتحرين 6ر16%، ما يعني أن قرابة 5ر5% من إجمالي المنتحرين هم من المهاجرين من أثيوبيا وحدها، رغم أنهم يشكلون حوالي 2% من اجمالي السكان في إسرائيل.

والارتفاع الحاد في حالات الانتحار بين الأثيوبيين يعود بشكل واضح إلى ضيق الحياة، ونبذهم في المجتمع الإسرائيلي بسبب لون بشرتهم ومنشأهم، فهم أكثر الشرائح اليهودية فقرا، وهم يشكلون نسبة عالية في أعمال الخدمة خاصة التنظيف وما شابه.

وتقول منظمة الصحة العالمية، بحسب ما ورد في بحث الكنيست، إن نسبة الانتحار عالية بشكل خاص بين المجموعات التي تشعر بالتمييز، مثل اللاجئين والمهاجرين ومثليي الجنس، "وأعلى نسبة لذوي التوجهات الانتحارية، نجدها لدى المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، والمهاجرين من أثيوبيا، والناجين من النازية، وجنود الجيش الإسرائيلي".

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد بحثت ظاهرة الانتحار أكثر من مرّة، وفي العام 2013 اعتبرت مكافحتها "مصلحة قومية" وخصصت في حينه 55 مليون شيكل (14 مليون دولار)، لتأهيل مختصين لمعالجة مجموعات ذات نسبة انتحار عالية.

وقال عضو الكنيست أبراهام نغوسا من حزب الليكود، وهو مهاجر من أثيوبيا، ويرأس لجنة الهجرة والاستيعاب البرلمانية، "إن الكثير من المهاجرين يشعرون بأزمة الهجرة، ولكنهم لا يعبرون عنها كي لا يتم تصنيفهم كمرضى نفسانيين، ولهذا فإنهم يمتنعون عن التوجه لتلقي العلاج، وبشكل خاص حينما لا يكون بإمكانهم تمويل العلاج النفسي الخاص".

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, هآرتس, أبراهام نغوسا, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات