المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال ميخا رحمن، وهو ناشط اجتماعي، وعضو في حركة "القوس الديمقراطي الإسرائيلي"، وقائد في مجموعة "المعبراه" وفي حركة "يوجد حد"، إن مهرجان إحياء ذكرى مرور عشرين عاما على اغتيال رئيس الحكومة الأسبق إسحق رابين هذا العام خدم اليمين في إسرائيل. وأضاف أنه حان أيضا الوقت لتحطيم أسطورة "رابين محقق السلام".
وكتب رحمن في مقال نشره على أحد المواقع الإلكترونية في الشبكة:


في هذا اليوم من السنة الماضية أقيم مهرجانان (لإحياء ذكرى رابين): واحد لليسار والآخر لمعارضي العنف باسم وحدة الشعب. أما في هذه السنة، فقد أقيم مهرجان واحد فقط. اليسار (ميرتس والسلام الآن) شارك في مهرجان إحياء الذكرى تحت مظلة شعارات اليمين الداعية إلى وحدة الشعب ونبذ العنف. وتعني مشاركة السلام الآن وميرتس في تظاهرة مشتركة مع المستوطنين، تحت شعارات الحد الأدنى المشتركة، عمليا، دفن الرسالة بشأن ضرورة إنهاء الاحتلال من أجل تحقيق السلام، عميقاً تحت "الوضع القائم" (ستاتوس كوو) المتمثل بالسلام مع استمرار الاحتلال.


هل هي براءة، سذاجة، أم غباء اليسار؟
المستوطنون يواصلون لعبة الشرطي الجيد والشرطي السيء.


فالمستوطنة ساره روزنفيلد جاءت لتتحدث عن وحدة الشعب، عن السلام فيما بيننا. إذا صنعنا السلام بيننا، نحن اليهود، فسيحل، أيضا، سلام ينفذ إلى ما وراء الجدران بين الشعوب.
أي سلام يمكن للفلسطينيين أن يعقدوا مع مستوطنين يستولون على أراضيهم المحتلة؟ متى سنفهم أن المهرجان "اللا سياسي" هو سياسي جدا، لأنه طالما استمر الاحتلال وطالما واصلوا بناء المستوطنات بصورة حثيثة، فإن "الوضع القائم" لا يخدم سوى المستوطنين؟ فبينما نقف نحن معهم على المنصة ذاتها، يواصل المستوطنون اعتداءاتهم الوحشية على الفلسطينيين وهم يقطفون الزيتون بجانب المستوطنات، يقوم مستوطن بالاعتداء على الحاخام أريك أشرمان، من "حاخامون من أجل حقوق الإنسان" ويهدده بالسكين، فيما يواصل نشطاء "تدفيع (جباية) الثمن" (تاغ محير) الذين أحرقوا عائلة فلسطينية بأكملها ولم يتركوا منها سوى طفلا واحدا، التجول بحرية مطلقة.
متى سنفهم أن اليمين المتطرف والأقل تطرفا سيفعل كل شيء دفاعا عن البلاد الموعودة؟ فلا نقاش مع المعتقد الإيماني.

وفي الوقت الذي نشارك فيه نحن في مهرجان "لا سياسي"، يعدّون هم جميع البدائل، السريّة والعلنية، لحرب لا هوادة فيها ولا تسويات ضد السلام وضد إخلاء المستوطنات، الذي يشكل عنصرا ضروريا وحيويا للسلام. ليست لديهم أية موانع أو كوابح أخلاقية. سنجد، على الدوام، مستوطنين يقولون كلاما جميلا، فيما يجهّز الآخرون الأرضية للاستيلاء على الكنيست والحكومة، لاحتلال مواقع قيادية في الجيش وللقضاء على الديمقراطية وكم أفواه اليسار، باسم سلطة الأغلبية. وإذا لم يؤت هذا كله الثمار المرجوة، فستبقى المواجهة العنيفة خيارهم. اغتيال رئيس حكومة يُعتبر، دائما، عمل "مجانين" يسيرون على طريق بعض الحاخامين "المتطرفين"، لكنهم لا يُلفَظون خارج المعسكر، إطلاقا، بل يواصلون التغذي على انتهاك القانون الجهريّ من جانب المؤسسة الاستيطانية. أسياد الأرض، الذين يزدرون القانون الدولي، وكذلك المعتقد الديني بشأن قدسية البلاد، يؤثرون بلا شك على "المجنون" المناوب الذي سينفذ الاغتيال السياسي القادم.

إن مشاركة السلام الآن وميرتس في التظاهرة من شأنها فقط تكريس "الواقع القائم" ـ واقع السلام مع الاحتلال. المستوطنون واليمين لا ينتظرون سوى حصر إرث رابين بـ"سلام، ضد العنف وضد العنصرية"، على حد تعبير رئيس الدولة. الرئيس ريفلين، ورغم كل تعاطفنا مع حرصه على صون القانون والديمقراطية، لا يزال يؤيد الاحتلال. بكلمات أخرى، هو ضد العنصرية تجاه العرب مواطني إسرائيل، لكنه مع استمرار العنصرية، الاضطهاد والإذلال بحق الفلسطينيين، لكونها نتاجا حتميا للاحتلال. انتظرت بفارغ الصبر أن يصعد شخص ما (زهافا غالئون، زعيمة ميرتس، ربما) إلى المنصة ويقول لرئيس الدولة المحترم أن الديمقراطية لا تتجزأ. لا يمكن اعتماد الديمقراطية لليهود وللفلسطينيين مواطني إسرائيل فقط. ما العمل، والاحتلال لا ينسجم مع الديمقراطية؟ لمثل هذه التظاهرة التي تشارك فيها كل الأطراف، بما في ذلك "بني عكيفا" (الحركة الشبابية المركزية لدى المتدينين الوطنيين في إسرائيل) والمستوطنون، بمن فيهم رئيس من التيار التنقيحيّ، ثمة رسالة واحدة فقط: استمرار الوضع القائم، بمصادقة، بمباركة وبدعم اليسار. الحل الأبعد الذي يبدي المستوطنون المعتدلون قبوله هو السلام مع الاحتلال. إنهم معنيون بشرعية يُسبغها اليسار، باسم وحدة الشعب. هذه هي الرسالة المنبعثة من المهرجان الذي أقيم مساء السبت (31 أكتوبر)، حتى وإن رُفعت خلاله بعض الشعارات المؤيدة لحل دولتين للشعبين.

وفي النهاية، آن الأوان أيضا لتحطيم أسطورة رابين محقق السلام.

إن أحد الأسباب التي أدت إلى فشل اتفاق أوسلو كان عدم استعداد رابين للمضي قدما والذهاب إلى حد تقديم ما يمكن أن يكون مقبولا على الفلسطينيين، مثل السيطرة على الحرم القدسي الشريف، جعل القدس عاصمة مشتركة ووقف البناء في المستوطنات. لم يكن هذا بمثابة صنع معروف من جانبه. فحتى بعد أوسلو، بقي هو المحتلّ، الذي يواصل البناء الحثيث في المستوطنات. علينا الحذر من الوقوع في شرك الدعاية اليمينية، على غرار "ليس ثمة شريك" و"هم يريدون رمينا في البحر" (دعاية وتحريض متواصلان حتى يومنا هذا برداء "المفتي الحسيني الذي ساعد النازيين على إبادتنا"). جميع العروض التي قدمت للفلسطينيين بعد اتفاق أوسلو لم تكن كافية من أجل التوصل إلى السلام. إيهود باراك أقنع اليسار بأننا كنا على وشك تحقيق السلام، لكن لم يكن لدينا (وليس لدينا الآن) شريك جدي. غير أن باراك، مثل أولمرت أيضا، لم يوافقا على بلوغ الحد الأدنى المطلوب الذي يتيح للقيادة الفلسطينية الرجوع إلى شعبها بعرض سخيّ، مقبول، يكون في مركزه وقف فوري للبناء في المستوطنات، سيطرة فلسطينية على الحرم القدسي وعاصمة مشتركة، إلى جانب اعتراف مبدئي بمسؤوليتنا عن مأساة الفلسطينيين.

إن مهرجانا حقيقيا لإحياء ذكرى رابين كان ينبغي أن يطرح هذه الأمور جميعها أيضا.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, الكنيست, بني عكيفا, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات