المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نُشرت في الشهور الأخيرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية العديد من التقارير التي تحدث فيها ضباط في الجيش الإسرائيلي عن احتمالات نشوب حرب ضد حماس في غزة أو حزب الله في لبنان. ومن بين الأمور التي تحدث عنها هؤلاء الضباط، أحيانا باسمهم ورتبتهم وأحيانا أخرى من دون ذكر أسمائهم أو تفاصيلهم، الخسائر التي ستتكبدها إسرائيل، خصوصا في حرب ضد حزب الله، وتوقع إطلاق آلاف الصواريخ يوميا باتجاه الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ولم يتردد بعض الضباط حتى من الحديث عن احتمال احتلال حزب الله مواقع في الجليل.


ويرى الباحث في العلاقات بين المجتمع والجيش في إسرائيل، البروفسور ياغيل ليفي، في مقال نشره الأسبوع الماضي، أنه "يتغير أمام أعيننا شكل العلاقة بين الجيش وبيئته السياسية. ويتم التعبير عن هذا الأمر من خلال التحذيرات العلنية من جانب ضباط كبار في الجيش حول خسائر فادحة يتوقع أن تتكبدها الجبهة الداخلية في حرب مستقبلية مع حماس أو حزب الله".


وأضاف أن توجد عدة مميزات مسبقة لهذه الظاهرة. "الأمر الأول هو أن قادة الجيش يبلغون الجمهور بانخفاض مستوى الأمن الذي سيوفره. إذ أنه لدى ضمان سيادة الدولة، يقاس الأمن بقدر كبير بالقدرة على حماية حياة المواطنين، والآن يعلن قادة الجيش أنهم سيوفرون أمنا أقل. وكان قائد سلاح الجو (اللواء أمير إيشل) الأكثر وضوحا، عندما صرح بأنه ’لن نتمكن من الدفاع بشكل كامل عن دولة إسرائيل. هذا لن يحصل. وسنتلقى ضربات’".


والأمر الثاني، وفقا لليفي، هو أن "ضباط الجيش لا يكتفون بما يقولون للمسؤولين السياسيين عنهم في المداولات المغلقة، وإنما يتحدثون على الملأ حول وجود فجوة بين توقعات الجمهور وقدراتهم".


وتابع ليفي أنه "بالإمكان فهم هذا الأداء على أنه عنصر في صراع الجيش على موارده. فكلما أدرك الجيش أن السياسيين لا يمنحونه حماية ناجعة ضد هجوم الجمهور على موارده (لمنع زيادة ميزانية الأمن على حساب ميزانيات اجتماعية ومدنية)، فإنه يتجاوز السياسيين ويتوجه مباشرة إلى الجمهور بواسطة استعراض التهديدات. وهذه الظاهرة معروفة منذ سنوات التسعين، لكن الأمر الجديد هذه المرة هو التعهد بتوفير أمن أقل".


وأردف أن "الجيش يسعى إلى خفض التوقعات منه على ضوء الانتقادات التي وُجهت إليه في أعقاب عملية ’الجرف الصامد’ (العدوان على غزة في الصيف الماضي)، بسبب حقيقة أنه لم ينسحب من غزة بنتائج من شأنها رفع مستوى الأمن. والآن يريد الجيش تصحيح المعادلة، بأن يحصل على موارد أكثر، أو عدم خفضها، وتوفير أمن أقل".


وأضاف ليفي أن الميزة الثالثة هي "أن ضباط الجيش كانوا يعرفون في الماضي كيف يستعرضون القيود على استخدام القوة، وعلى سبيل المثال عندما أيدوا الانسحاب الأول من لبنان ولجم الانتفاضة الأولى بصورة نسبية والتسوية في مرتفعات الجولان وحتى رفض هجوم جوي ضد المنشآت النووية في إيران. وفي ظروف أخرى عرف الجيش كيف يستعرض تفوقه في استخدام القوة مقابل بدائل أكثر اعتدالا، ولكن في الوقت نفسه الالتزام بتحسين الأمن لو فقط ’سمحوا للجيش بأن ينتصر’. والتجديد هذه المرة هو أن الجيش يبث أنه توجد قيود على قوته، ولكن باسم هذه القيود هو يسعى إلى تهيئة الجمهور لسقوط ضحية مستقبلية (من المدنيين) من أجل الانتصار".


وللتوضيح، اقتبس ليفي أقوالا أدلى بها قائد فرقة الجليل العسكرية، العميد موني كاتس، لموقع "واللا" الالكتروني، بأنه "ستكون هناك حرب أخرى... وعندما نكون فعلا في حالة انعدام خيار، سيكون هذا الشعب مستعدا لدفع أثمان كبيرة جدا... وإذا شغّلت إسرائيل والجيش كل هذه القوة في لبنان، فإنه لا يوجد شيء بإمكانه إيقافهما... ولبنان سيعود 200 سنة إلى الوراء".


ولفت ليفي إلى أن "هذه هي طريق الجيش، الانحراف عن أية قاعدة متعارف عليها تحت نظام مدني، من أجل تجنيد المجتمع للتضحية. وهو لا يبقي دورا للسياسيين، باعتبار أن الضحايا، أو التخوف منهم، سيقيد حرية عمله ويصور أداءه على أنه فاشل".


وتابع "لكن الانحراف لا يتوقف هنا، ونصل إلى الميزة الرابعة، وهي أن تحذيرات ضباط الجيش تخدم عمليا سعي السياسيين، من اليمين والوسط، إلى سلب الجمهور حقه في اختيار مستقبله. إذ يتم استيعاب الحرب على أنها ظاهرة لا يمكن منعها، واحتمال نشوبها منوط بقدرة خصوم إسرائيل على تذويت الضرر الذي بإمكانها إلحاقه بهم، لكن يتم تصوير إسرائيل كلاعب جامد، ليس بمقدوره فعل شيء من أجل منع الحرب. ومبادرة السلام العربية، تشجيع التسوية بين إيران والغرب، إعمار قطاع غزة بصورة مكثفة، كل هذه الأمور ليست جزءا من الخيارات الإسرائيلية الجامدة".
وخلص ليفي إلى أن "الأمر الجديد هو إذن إسهام الجيش في شل النقاش السياسي من أجل خدمة مصالحه، ولكن من خلال الانحراف عن القواعد الملزمة لإبعاد الجيش عن السياسة".

المصطلحات المستخدمة:

أمنا, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات