المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

منذ مؤتمر جنيف في كانون الأول 1973 والشرق الأوسط يعيش حالة من التوتر حيال مسألة: هل سيشارك "الولد المشاكس" في السياسة العربية (أي سورية) في اللقاء المرتبط بعملية السلام، أم لا؟ في السنوات الأخيرة، وبمقدار ما راحت سورية تنخرط أكثر في المحور الذي تتزعمه إيران، أضحى هذا السؤال اقل إثارة، ومع ذلك فقد عاد السؤال، تمهيداً للقاء أنابوليس، ليطرح مجدداً على بساط البحث: هل ستشارك سورية في اللقاء، وإذا كان الرد بالإيجاب، كيف سيكون مستوى تمثيلها؟

قبل الإعلان الرسمي عن مشاركة سورية في المؤتمر (أول من أمس الأحد، 25/11/2007) كانت هناك معلومات متضاربة حول مسألة مشاركة سورية. وفقاً لبعض المعلومات فقد وافقت سورية على المشاركة وأن السؤال يدور حول مستوى مشاركتها في اللقاء. غير أن معلومات أخرى ذكرت أن سورية ما زالت تشترط مشاركتها بأن تكون قضية هضبة الجولان مطروحة أيضاً على جدول أعمال المؤتمر. وهي بذلك لا تكتفي بأن يتمكن ممثلوها من طرح الموضوع في كلماتهم أثناء لقاء أنابوليس.

والسؤال المركزي هو: هل ثمة أهمية لمشاركة أو عدم مشاركة سورية؟! وكما بدا فإن الولايات المتحدة لم تكن في المرحلة الأولى مهتمة كثيراً بمشاركة سورية، حيث اكتفت واشنطن من باب رفع العتب بالإعلان إن بإمكان سورية، من ناحيتها، أن تشارك كجزء من وفد الجامعة العربية. لكن الاهتمام بمشاركة سورية أخذ يزداد تدريجياً.

أحد أسباب هذا التغيير تمثل بالرغبة في تحييد أو إبطال قدرة سورية على التشويش على نجاح المؤتمر. وقد كان ثمة تخوف لدى القيادة الفلسطينية من أن تشارك عناصر معارضة للرئيس محمود عباس داخل حركة "فتح"، مثل فاروق القدومي، في اللقاء الذي كانت تزمع الفصائل الفلسطينية المعارضة للرئيس عباس عقده في دمشق في موازاة لقاء أنابوليس. كذلك كان هناك تخوف من أن يكون مثل هذا اللقاء لفصائل المعارضة بمثابة خطوة أولى نحو إقامة منظمة تحرير بديلة. ومن هنا كان الافتراض بأنه إذا قررت سورية المشاركة في لقاء أنابوليس فإنها لن توافق على استضافة مثل هذا اللقاء للمعارضين للرئيس عباس، وبالفعل عندما بدأت سورية تدرس بجدية إمكانية مشاركتها في لقاء أنابوليس، أوعز النظام السوري لوسائل إعلامه بخفض وتيرة الحديث عن اللقاء البديل في دمشق.

هناك سبب آخر مرتبط بالسياق الأوسع للجدل القائم في إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الطريقة التي ينبغي إتباعها في معالجة الموضوع السوري. وعلى ما يبدو فإن التغيير في التوجه حيال مشاركة سورية يعكس تنامي قوة الجهات المعنية في البلدين باستئناف الحوار مع سورية. هذه الجهات لا تؤمن بإمكانية إحداث التغيير الضروري في سياسة سورية فقط عن طريق الضغط السافر.

ففي إسرائيل تعززت الأصوات الداعية إلى استئناف المفاوضات مع سورية، وذكر حتى أن رئيس الحكومة إيهود أولمرت يفكر فيما إذا كان من الجدير تفضيل المسار السوري على المسار الفلسطيني، الذي تعتبر فرص إحداث تقدم حقيقي فيه متدنية. ففي الولايات المتحدة لا يظهر التغيير في التوجه- حيال سورية- بوضوح، لكن الانطباع هناك أيضاً هو أن التوصية التي تضمنها تقرير بيكر- هاميلتون باستئناف الحوار مع سورية، اكتسبت مؤخراً مزيداً من المؤيدين. وبمقدار ما تركز الولايات المتحدة على نزاعها مع إيران تزداد الأصوات القائلة بأن إبعاد سورية عن المحور الذي تقوده إيران يمكن أن يشكل وسيلة ناجعة في إدارة هذا النزاع.

سبب ثالث يتمثل في الرغبة باستغلال لقاء أنابوليس كمنصة تؤكد التأييد العربي الواسع للمفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية وأهدافها. وتعتبر مشاركة سورية في التعبير عن مثل هذا التأييد بمستوى أهمية مشاركتها في لقاء القمة العربية الذي عقد في بيروت في آذار 2002، حيث انضمت (سورية) للإجماع العربي الذي تبنى مبادرة السلام العربية، وكذلك مشاركتها في قمة الرياض في آذار 2007 التي صادقت مجدداً على مبادرة السلام المذكورة. فبدون مشاركة سورية يصعب القول إن هناك إجماعاً عربياً في هذه المسألة.

ثمة بُعد آخر وهو أن مشاركة سورية في تبني مبادرة السلام العربية واستعدادها لدراسة المشاركة في لقاء أنابوليس يشكل دليلاً إضافياً على أن دمشق، ورغم علاقاتها الوثيقة مع إيران، لا تشعر بارتياح حيال الوضع الذي تجد فيه نفسها ضمن المعسكر الإيراني بينما هي معنية في الحقيقة بالحوار مع الولايات المتحدة وباستئناف المفاوضات مع إسرائيل.

إزاء كل هذه الاعتبارات فإنه لا مصلحة للأطراف الرئيسة الثلاثة المشاركة في لقاء أنابوليس-الولايات المتحدة وإسرائيل والجانب الفلسطيني- في أن يفقد اللقاء تركيزه على الموضوع الفلسطيني، ولذا لا يبدو في هذه المرحلة أن توافق هذه الأطراف على طرح الموضوع الإسرائيلي-السوري على جدول أعمال اللقاء على قدم المساواة. من هنا فإن الحل الممكن هو التوصل إلى حل وسط يدمج الموضوع السوري ولكن مع التوضيح بأن هدف اللقاء هو بالأساس دفع المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية. إذا لم يتوفر مثل هذا الحل ليس من المستبعد أن يمتنع السوريون عن المشاركة في اللقاء أو أن يرسلوا تمثيلاً بمستوى منخفض جداً.

وعلى أية حال فإن مشاركة سورية في حد ذاتها في لقاء أنابوليس، إذا ما تمت، لن تؤدي إلى تغيير دراماتيكي من قبيل استئناف المفاوضات السورية- الإسرائيلية أو حتى استئناف الحوار بين سورية والولايات المتحدة. أهمية مشاركة السوريين تكمن في كونها تعكس توجهات عميقة في سورية وإسرائيل والولايات المتحدة والتي يمكن لها إذا ما تعززت أن تؤدي إلى تغيير في التوجه حيال سورية وإلى تجدد الحوار معها.

_____________________

* الكاتب باحث كبير في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات