المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في أعقاب الفوز الباهر الذي حققه نيقولا ساركوزي في انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة، سيكون كرئيس جديد مدعواً للوفاء بالوعود والتعهدات التي قطعها على نفسه خلال الحملة الانتخابية بتحقيق إصلاحات داخلية وفي الوقت ذاته تجسيد خطوط سياسة جديدة في مجال العلاقات الخارجية. وكان ساركوزي قد أكد في خطاب فوزه على الأهمية التي يوليها للإتحاد الأوروبي لكنه عاد أيضاً ومد يده للولايات المتحدة الأميركية. هذا الخطاب لم يتطرق في الواقع إلى إسرائيل، لكن من المعلوم أن الشرق الأوسط عامة وإسرائيل بشكل خاص مطروحان على أجندة الرئيس الفرنسي الجديد.

مرت العلاقات الإسرائيلية- الفرنسية بتقلبات كثيرة. وقد شكل "العصر الذهبي" في الخمسينيات نقطة الذروة حيث كانت فرنسا حليفاً لإسرائيل ومصدراً رئيساً لإمدادها بالسلاح. غير أن هذه العلاقات تدهورت، في عهد الرئيس شارل ديغول في أعقاب حرب حزيران 1967، إلى أسفل الدرك، حيث فرض حظر شبه تام على تصدير الأسلحة، والذي شكل عاملاً بارزاً في دفع إسرائيل إلى أحضان الولايات المتحدة في مضمار مشتريات السلاح.

انتخاب ساركوزي يولد توقعات بتحسن دراماتيكي في العلاقات بين البلدين، وهناك هرج كثير يدور في إسرائيل عن الجذور اليهودية للرئيس ساركوزي وجده الذي هاجر إلى فرنسا من اليونان. من المحتمل أن يحدث مثل هذا التغيير (في العلاقات الفرنسية- الإسرائيلية) لكن هناك مسافة بعيدة تفصل بين ذلك وبين الافتراض بأن الرئيس ساركوزي سيتبنى سياسة واضحة مؤيدة لإسرائيل.

مما لا شك فيه أن الرئيس ساركوزي يختلف جوهرياً عن أسلافه، فهو ينتمي إلى الجيل الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية.. لم يولد ساركوزي وفي فمه "ملعقة من ذهب"، ولم يتلق تعليمه في المدرسة العليا للإدارة الـ ENA التي شغل خريجوها طوال أجيال عديدة المواقع المتنفذة في الحكومات الفرنسية.

فضلاً عن ذلك فإن ساركوزي معروف بمواقفه المؤيدة للولايات المتحدة وتقديره البالغ للنموذج الاقتصادي الأميركي، كما أن تطلعه إلى إزالة التوتر الذي ساد في العلاقات بين واشنطن وباريس في عهد الرئيس جاك شيراك، يمكن أن يشكل مكوناً مركزياً في تحسين العلاقات بين إسرائيل وفرنسا. وقد أظهر ساركوزي في كل ما يتصل بالسياسة تجاه النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني تأييداً كاملاً للمحافظة على أمن إسرائيل وهو يولي في الوقت ذاته أهمية بالغة لإقامة دولة فلسطينية في حدود العام 1967. كذلك يبدو الرئيس الفرنسي الجديد، فيما يتعلق بالموضوع اللبناني وموضوع المواقف تجاه سورية، متحرراً من الالتزام الفرنسي التقليدي. وإذا ما تقاربت مواقف فرنسا والولايات المتحدة إزاء خطر السلاح النووي الإيراني (وهو أمر لا يشكل أصلاً مسألة خلافية جدية) وفي تفهم وضع الولايات المتحدة في العراق، وفي قراءة الخريطة الإستراتيجية برمتها في الشرق الأوسط، فإن رغبات فرنسا بالعمل كشريك في إدارة عملية السلام في المنطقة يمكن أن تحظى عندئذٍ بثقة الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء. كذلك فإن موضوع محاربة الإرهاب يعد من المجالات الواعدة التي يمكن فيها إرساء دعائم تعاون بين إسرائيل وفرنسا، ولكن هنا أيضاً قد تتحقق مساهمة مهمة في تطوير العلاقات إذا ما كانت الولايات المتحدة الضلع الثالث في المثلث.

من جهة أخرى فإن الجهود الرامية لإنعاش اقتصاد فرنسا المتعثر يمكن أن تضيف عاملاً مهما لتعزيز التعاون التكنولوجي والصناعي بين إسرائيل وفرنسا.

كل هذه الأمور تدعم الفرضية، بأن ثمة فرصة لتحقيق تقارب وتفاهم إستراتيجي بين إسرائيل وفرنسا، من جهة أخرى هناك عوامل ربما تعيق، في بعض الحالات، بل وربما تمنع ساركوزي من إجراء تغييرات بعيدة الأثر. ففي مضمار السياسة الخارجية، لا يجوز الاستخفاف بثقل ونفوذ سلك الموظفين في وزارة الخارجة الفرنسية.. فهذه القوة البيروقراطية التي يمتد نفوذها إلى وزارات حكومية أخرى وإلى سائر المنظمات الدولية والممثليات الدبلوماسية (الفرنسية) في أرجاء العالم، ستشكل عقبة أمام أية تغييرات سريعة يرغب ساركوزي في القيام بها. سيواجه الرئيس الجديد صعوبة في التغلب على معارضة ميول تقليدية في وزارة الخارجية (ناهيكم عن الرأي العام الفرنسي، ولا سيما المكون الإسلامي فيه) لتحويل فرنسا إلى شريك قريب، وإن كان صغيراً، للولايات المتحدة و/ أو إلى عامل "مؤيد لإسرائيل" وفاعل في الساحة الدولية، وهو أمر، حتى لو كان ساركوزي راغباً فيه، ليس بدهياً على الإطلاق. حتى في الساحة الأوروبية لا يبدو أن فرنسا-مع أنها قادرة على تبوأ موقع قوي أكثر في الإتحاد الأوروبي- تستطيع أن تتحول بين عشية وضحاها إلى نصيرة متحمسة لدمج إسرائيل في مجالات عملية جديدة في الإتحاد الأوروبي.

على الصعيد الثنائي أيضاً يمكن للجهود الرامية إلى تحريك الاقتصاد الفرنسي وتحقيق قدرة منافسة جيدة، سواء في إطار أوروبا أو العالم بأسره، أن تفتح فرصاً جديدة، لكنه لا يجوز تعليق آمال كبيرة على "مرسوم رئاسي" بتطوير التعاون مع إسرائيل، اللهم إلا في مجال المبادرات الموضعية للتعاون بين الصناعات في البلدين.

أخيراً من الجدير أن يتم، في نطاق معادلة العلاقات الإسرائيلية- الفرنسية، إعادة النظر في دور ومساهمة إسرائيل. نحن لا نعرف حتى الآن كيف سيمضي الرئيس ساركوزي في طريقه. واضح أن مساهمة إسرائيل في إنعاش اقتصاد فرنسا، بمساعدة القدرات التكنولوجية الإسرائيلية، لا يمكن أن تكون عاملاً رئيسياً في العملية. كذلك فإن التعاون في محاربة الإرهاب سيكون على أبعد تقدير عاملاً إيجابياً مهماً ولكن ليس حاسماً في انخراط فرنسا في حرب ناجعة أكثر مما كانت عليه الحال في الماضي. أي تحسن في هذه المجالات سيتوقف على الطريقة المحددة التي ستجري بها الحوارات بين المسؤولين الفرنسيين والإسرائيليين. من جهة أخرى واضح أن وزن الرئيس في فرنسا في مسائل الخارجية والأمن يشكل عاملاً حاسماً ولذلك إذا توفرت إمكانية للسعي إلى تحسين وتطور العلاقات بين البلدين، حتى لو جرى ذلك بصورة بطيئة وتدريجية، فإن هذه الإمكانية منوطة بقدرات الرئيس، وبإيعاز إيجابي "من فوق" يمكن أن تنمو وتزدهر الاتفاقيات القائمة في ميادين الأمن والاقتصاد وغيرها.

إن الطريق للاستعانة بـ "دعم" من جهة قصر الإليزيه لن تفتح إلاّ إذا اقترنت التفاهمات الإستراتيجية بين إسرائيل وفرنسا، بما في ذلك بشأن الدور المختلف لفرنسا في تسوية النزاع مع الفلسطينيين، بشراكة ذات طابع جديد بين الولايات المتحدة وفرنسا. ولعل السبيل الأمثل لإتاحة المجال أمام تحقق هذا الاتجاه هو عدم عرقلة العملية، وسط محاولة لفهم دقائق وخلفيات الخطوات التي سيقوم بها ساركوزي لتحقيق خططه وبرامجه.

______________________________

* عوزي عيلام- باحث في الشؤون الإستراتيجية. أشغل في السابق منصب المدير العام لوفد وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أوروبا. المقال ترجمة خاصة بـ"المشهد".

المصطلحات المستخدمة:

المثلث, عوزي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات