المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل أن تنشر النتائج الرسمية النهائية للانتخابات، وقبل إجراء فحص متعمق لأنماط التصويت، يمكن تسجيل ثلاثة استنتاجات فيما يتعلق بنتائج الانتخابات للكنيست الـ17.

نعم لفلسطين لا للفلسطينيين

تحطم الليكود والضربة التي تلقاها معسكر اليمين أوجدا وضعا جديدا في الدولة: هناك أغلبية واضحة تؤيد التنازل عن أراض. ولكن الصورة السياسية المرتسمة أو المتشكلة عقب هذه الانتخابات، تبدو مختلفة جدا عن تلك الصورة التي تكونت عقب انتخاب إسحق رابين لرئاسة الحكومة. في ذلك الوقت اعتقد معسكر السلام أنه سيكون بالإمكان العيش بسلام مع الشعب الفلسطيني مقابل تقسيم البلاد.

اليوم تعتقد أكثرية الإسرائيليين أن الاحتلال أصبح عبئا وليس كنزا أو مكسبا وأنه يجدر التخلص من المناطق الفلسطينية المحتلة (منذ العام 1967). ولكن طالما أنه لن يكون هناك سلام فإنه لا بد أيضا من الانفصال عن الفلسطينيين. وإذا كنا لا نريد أن نبعدهم فلنبتعد عنهم على الأقل.

وكان محللون أجانب بالذات هم الذين لفتوا الانتباه إلى الحقيقة المثيرة وهي أن أي حزب من الأحزاب المتنافسة في حملة الانتخابات الأخيرة، بما في ذلك "ميرتس"، لم يتحدث في برامجه عن السلام. كان شارون هو أول من تحدث عن "الهدوء" فيما اكتفى آخرون بالحديث عن "وقف العنف"؟!

بعد 39 عاما من الاحتلال أصبحت الأغلبية الإسرائيلية تميز بين قضية فلسطين وبين مسألة الفلسطينيين. إنها مستعدة للتنازل عن معظم "المناطق" لكن الحلم بالعيش سويا مع الفلسطينيين تبدّد وتوارى.

أليس من الوهم الاعتقاد أن الانسحاب سيؤدي إلى الانفصال؟! وهل يمكن منع استمرار الحرب والإرهاب بواسطة "التجميع" فقط؟! إن أيا من المراقبين الأجانب أو المحايدين لا يعتقد ذلك. فنحن متدخلين في حياة الفلسطينيين أكثر من اللازم، نقرر مصيرهم في كل شيء، وبالتالي فإن من الوهم الاعتقاد بأننا سننعم بالهدوء والأمن والأمان إذا ما أقمنا حاجزا ماديا- جسديا- بيننا وبينهم حتى لو كان ذلك جدارا عاليا.

ولكن الذي انتصر في معركة الانتخابات الأخيرة هو تلك القناعة الساذجة القائلة "نحن هنا وهم هناك".

أجل لقد انتصرت هذه القناعة انتصارا كبيرا لدرجة أن هناك الكثيرين عندنا يطالبون بسحب وتطبيق تلك الفكرة (القناعة) ليس على الفلسطينيين في الضفة الغربية وحسب وإنما أيضا على الفلسطينيين الإسرائيليين، وهذا ينقلنا إلى ليبرمان.

قومية ما بعد إقليمية

النجاح الذي حققه أفيغدور ليبرمان (على رأس حزبه "إسرائيل بيتنا") لم ينبع فقط من حقيقة أنه استطاع أن يكتّل حوله الصوت الروسي، الذي بحث عن بديل لشارون. كما لم ينبع ذلك من حيث أن ليبرمان تظاهر بمظهر الرجل الذي يحارب الفساد ويناصر القانون والنظام. فغالبية مؤيديه التفوا حوله نظرا لأنه يمثل المفهوم الجديد لليمين الراديكالي، ذلك المفهوم الذي يطلق عليه د. ألبرتو سبكتوروفسكي من جامعة تل أبيب "قومية ما بعد إقليمية".

المبدأ بسيط: في الماضي تضمن المفهوم القومي أيضا قناعة بأن هناك حاجة حيوية لمجال (حيز) معيشة واسع حتى لو كان ذلك عن طريق التوسع الإقليمي.

اليوم أصبح زعماء اليمين الراديكالي مستعدين للتخلي أو التنازل عن أراض بشرط أن يسود نقاء عرقي في مناطق الدولة الإسرائيلية.

وعلى غرار لابان وهايدر وباقي زعماء هذا اليمين (القومي المتطرف) في أوروبا، الذين يحضون على كراهية الأجانب ويدعون إلى طردهم، فان زعيم اليمين الراديكالي الإسرائيلي (أفيغدور ليبرمان) مستعد أيضا للتنازل عن أراض في الضفة الغربية، وحتى في دولة إسرائيل ذاتها، شرط أن يتم فقط تطهير المنطقة المتبقية من التواجد المزعج لذوي الدم الآخر، الدم غير اليهودي.

إن من رغب في أن تكون إسرائيل مشابهة لأوروبا، بات الآن أقرب إلى تحقيق حلمه ولكن السؤال: لماذا يجب على إسرائيل أن تكون مشابهة للمعسكر البشع بالذات في أوروبا؟!

بيبي ضد نتنياهو

قصة معركة الانتخابات الأخيرة هي قصة بنيامين نتنياهو المأساوية.. وبقليل من المبالغة يمكن القول إن كل ما حدث كان بسببه، فلو أنه لم يقف في وجه شارون وبقي في الحكومة مقدما تأييده وتعاونه لكان قد ظل يتمتع بشعبية واسعة ولكان قد استطاع بالتالي القفز بسهولة وسلاسة إلى كرسي زعيم الليكود. إذ لم يكن شارون لينسحب عندئذ، ولما كان حزب "كديما" قد تشكل، ولم يكن الليكود قد تحطم.. وليبرمان ما كان ليقلع مثلما أقلع. ولكانت الخريطة الحزبية قد بقيت ثنائية القطب، وبالتالي لكان الليكود- برئاسة بيبي نتنياهو - قد استمر في تزعم وقيادة الدولة.

لكن نتنياهو قام، بدلا من ذلك، بالتعاون مع" المتمردين"، وانسحب من الحكومة وساعد في جر برنامج الليكود نحو التطرف وشرع بدحرجة كرة الثلج إلى النتيجة المأساوية التي حلت به وبحزبه مساء يوم الثلاثاء الماضي (28/3/2006).

الذين لا يحبون نتنياهو- هناك الكثير ممن يحبون كراهية نتنياهو - يقولون إن كل ما حدث كان بسبب تعجله واندفاعه نحو تبوأ منصب رئيس الحكومة، وإن كل شيء بسبب طابع شخصيته، وإن أخطاءه التكتيكية نتجت عن عجزه في السيطرة على مزاجه، ويقول هؤلاء إنه وبعدما نجح نتنياهو لفترة من الوقت في لجم بيبي عاد بيبي لينبثق من داخل نتنياهو مسيطرا عليه مجددا.

أما الذين يقدرون هذا الرجل الموهوب فيقولون إن كل شيء ناتج عن التوجه الأيديولوجي الخالص لنجل البروفيسور نتنياهو، وإنه آمن حقا بأنه لا يجوز الانسحاب من قطاع غزة، ولا يجوز التنازل للفلسطينيين وإن هناك خطرا وجوديا يتهدد إسرائيل وإنه يجب التشبث بكل شبر.. وقالوا إن بيبي كان وظل نتنياهو .

عموما فقد كان هذا الرجل (نتنياهو) من أكثر المتسببين في انقلاب انتخابات 2006. _______________________________________

(*) د. يورام بيري- أستاذ الإعلام في جامعة تل أبيب.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات