المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مدخل

تختزل معظم الأدبيات البحثية والنظرية التي تعالج قضية لاجئي العامين 1948 و1967 مواضيع بحث هذه القضية في حدود زمان ومكان الحدث وتتجاهل توجه "الييشوف" والدولة والحركة الصهيونية من مسألة عرب "أرض إسرائيل" بمجملها.

لقد تبنى زعماء "الييشوف" والحركة الصهيونية على الدوام توجه إقصاء العرب الفلسطينيين ونادى الذين تطرقوا إلى هذه المسألة بالترانسفير وبتفريغ البلاد من عربها بطردهم إلى مناطق "الضفة الغربية" وإلى الدول العربية وحتى إلى أميركا الجنوبية.

على هذه الأرضية الرحبة يمكن "فهم" تجاهل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لضرورة إيجاد حل معين لوضعية اللجوء قد يسهم في تقريب السلام المنشود، وسط الرفض والاستبعاد التامين لـ"مبدأ حق العودة".

مع ذلك فإن مسألة اللاجئين لم تبارح بساط البحث منذ العام 1948، بل على العكس نالت شهرة واسعة، ونشر عنها الكثير، في وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية على حد سواء: حقهم بالعودة إلى بيوتهم التي تركوها أو شردوا منها، أو عن طريق منحهم تعويضات ملائمة.

لقد بحثت مسألة اللاجئين مراراً في اجتماعات الأمم المتحدة، حيث عادت الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية وأكدت مطالبتها بوجوب تعاطي إسرائيل بشكل ملائم فيما يتعلق بحل المشكلة.

جميع رؤساء الولايات المتحدة، مثل هاري ترومان، دوايت آيزنهاور وجون كينيدي، طالبوا بتسوية مشكلة اللاجئين، وقد تحدث ممثلوهم عن استيعاب 75,000 لاجئ ولاحقاً عن استيعاب 100 ألف لاجئ ووعدوا بالمساعدة في تقديم تعويضات للاجئين الذين سيبقون خارج حدود دولة إسرائيل.

حكومات إسرائيل تعمدت عدم البحث في حلول إبداعية للمشكلة التي اقتصرت مناقشتها (في إسرائيل) على محافل أكاديمية وجماهيرية ومنظمات غير برلمانية. غير أن المسألة (مشكلة اللاجئين) طرحت مجدداً وبقوة أواخر العام 2000، بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على ولادتها، وكذلك في أعقاب اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، واندلاع الانتفاضة، والانسحاب المستقبلي من "المناطق" والمفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية ومع حكومة السلطة الفلسطينية.

موقف إسرائيل من مسألة اللاجئين: (1947- 1949)

بدأ هروب وطرد السكان الفلسطينيين من بيوتهم مباشرة بعد قرار الأمم المتحدة الصادر في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 بشأن تقسيم البلاد وإقامة دولة إسرائيل، وقد اتسع نطاق عمليات الهرب والطرد المذكورة بشكل هائل في ربيع العام 1948.

على إثر ذلك بلورت الزعامة الإسرائيلية موقفاً يقضي بوجوب عدم تمكين اللاجئين من العودة إلى داخل حدود إسرائيل. في نهاية شهر نيسان 1948 ناقشت الحكومة (الإسرائيلية) الانتقالية اقتراحاً بإقامة "لجنة ترانسفير" مهمتها تقديم المشورة ضد عودة اللاجئين والترويج من أجل استيعابهم في بلدان الخارج، بما في ذلك في الدول العربية.

في جلسة الحكومة المؤقتة بتاريخ 16 حزيران 1948 صرح موشيه شاريت:

"أكثر شيء مفاجئ في نظري هو أن تصبح البلاد فارغة من سكانها العرب. في تاريخ أرض إسرائيل هذا مفاجئ أكثر من إقامة الدولة العبرية... علينا أن نكون مستعدين لدفع ثمن الأرض... سنحصل في المقابل على ممتلكات وعقارات وأراض، وسوف يستخدم الثمن الذي سندفعه في توطين العرب [المقصود اللاجئين الفلسطينيين] في بلدان أخرى. ولكنهم لن يعودوا. هذه هي سياستنا: لن يعودوا".

وفي مكان آخر، قال موشيه شاريت: سيكون "الحدث الأروع في أرض إسرائيل هو الإخلاء الشامل والكامل للسكان العرب. أما العودة إلى الوضع القائم من قبل فهي غير واردة في الحسبان".

في كانون الأول 1948 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194 والذي دعا إلى تمكين اللاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم من القيام بذلك في أقرب وقت ممكن وبهدف العيش بسلام مع جيرانهم. وفيما يتعلق باللاجئين الذين يفضلون عدم العودة أقرت الأمم المتحدة بديلاً يتمثل في الحصول على تعويضات ملائمة عن ممتلكاتهم المتروكة والمسلوبة.

بعد حرب "الأيام الستة" (حزيران 1967) عاد مجلس الأمن وأكد مجدداً على القرار المذكور وسط توسيع نطاقه ليشمل أيضاً لاجئي العام 1967 وقد جاء ذلك في صيغة القرار 237.

في 21 آذار 1949 صرّح وزير الخارجية موشيه شاريت في مؤتمر صحفي بواشنطن بأن إسرائيل ستساعد، في نطاق تسوية شاملة، في توطين وتأهيل اللاجئين في الدول المجاورة بوسائل مالية. وأضاف أن حكومة إسرائيل تعترف بمبدأ التعويض عن ممتلكات مفقودة.

في صيف العام 1949، وفي مؤتمر لوزان الذي عقد برعاية لجنة المصالحة المنبثقة عن الأمم المتحدة وبمشاركة ممثلي الحكومة الإسرائيلية واللاجئين الفلسطينيين أعلن (رئيس الوزراء) دافيد بن غوريون و(وزير خارجيته) موشيه شاريت، إثر ضغط أميركي، عن موافقة إسرائيل مبدئياً على بحث إمكانية السماح بعودة عَدد يصل لغاية 100 ألف لاجئ. لكن هذا الاقتراح لم يطرح مجدداً وبالتالي فقد طواه النسيان.

في آب 1949 عينت الحكومة الإسرائيلية لجنة كانت مهمتها تزويد الحكومة بمعطيات حول موضوع اللاجئين واقتراح طرق لحل مشكلتهم. وفي نهاية شهر تشرين الأول من العام ذاته قدم أعضاء اللجنة لوزارة الخارجية "مذكرة لتسوية بشأن اللاجئين العرب" نصت في جوهر توصياتها على توطين اللاجئين خارج حدود إسرائيل.

في 20 تشرين الأول 1949 عينت لجنة أخرى لفحص مسألة التعويض مقابل أملاك الغائبين. غير أن وزير المالية الإسرائيلي في حينه، اليعيزر كابلان، رفض عملياً تنفيذ توصيات اللجنة التي قدمت في آذار 1950. في أوائل الخمسينيات "اختفت" مسألة "حق العودة" واختفى معها الاستعداد الإسرائيلي المتحفظ بدفع تعويضات معينة للاجئين.

من الخمسينيات وحتى الآن…

وفي آذار 1951 أبلغت إسرائيل الأمم المتحدة أنه وعند حساب التعويضات المحتملة للاجئين الفلسطينيين ينبغي أن تُؤخذ بالحسبان مطالب اليهود الذين هاجروا من البلدان العربية. وقد طرح إدعاء آخر في السياق ذاته، مؤداه أن إسرائيل استوعبت قرابة 200 ألف مهاجر يهودي من الدول العربية، وبالتالي فإنها (أي إسرائيل) تكون بذلك قد ساهمت ووفت بما عليها في حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

في أيلول 1951 عقد في باريس تحت إشراف الأمم المتحدة مؤتمر حول قضية اللاجئين أعلنت فيه إسرائيل أنها لن تتمكن من دفع تعويضات طالما استمرت المقاطعة الاقتصادية العربية المفروضة عليها وطالما ظلت الحكومة المصرية تمنع الملاحة الإسرائيلية عبر قناة السويس.

في السنوات التالية، ولغاية اليوم من ناحية عملية، ظلت دولة إسرائيل متشبثة بمواقفها التقليدية التي اكتسبت مكانة ونفاذ مبادئ رسمية مُوجِّهة في هذا الصدد، ويمكن إيجازها في النقاط التالية:
•العرب هم الذين خلقوا مشكلة اللاجئين وبالتالي فإن مسؤولية حلها تقع على عاتقهم.
•حكومات الدول العربية تستخدم اللاجئين ومشكلتهم لأهداف سياسية وكسلاح ضد إسرائيل.
•الدول العربية كبيرة وغنية بما يمكنها من استيعاب وتوطين اللاجئين.
•من الأفضل للاجئين أن يعيشوا في الدول العربية على العيش في دولة يهودية.
•لا تمتلك إسرائيل مكاناً أو مساحة لاستيعاب لاجئين (على الرغم من أنها استوعبت قرابة مليون مهاجر منذ العام 1990!!).
•إسرائيل ستكون مستعدة لبحث تقديم تعويضات للاجئين بشرط التوصل إلى سلام كامل وإيجاد مصادر تمويل دولية، مع احتساب (حسم) التعويضات المستحقة لليهود الذين هاجروا من الدول العربية وأضرار الحرب الاقتصادية العربية ضد الدولة العبرية (العرب لم تلحق بهم أضرار جراء الحرب؟!).
•إسرائيل مستعدة لاستيعاب عدد محدود من اللاجئين في نطاق جمع شمل العائلات.

في نيسان 1964 قدمت لجنة المصالحة التابعة للأمم المتحدة وثيقة تقدير (أعدها الكولونيل غرفيس) بشأن قيمة الممتلكات العربية المتروكة في إسرائيل. على إثر ذلك عينت وزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مئير لجنة برئاسة عزرا دنين قامت بإعداد وثيقة مضادة تحت عنوان "تحليل، ملاحظات وتحفظات على تقرير غرفيس". لكن التقريرين رفضا وأُهملا في نهاية المطاف.

أجرت الأمم المتحدة على مر السنوات مناقشات ومداولات لا حصر لها حول موضوع اللاجئين، تعرضت إسرائيل خلالها مراراً للإدانة والتوبيخ بسبب رفضها الامتثال والعمل بناءً على قرار الأمم المتحدة.

في 15 حزيران 1967، وبعد أيام معدودة من حرب "الأيام الستة"، طرحت مجدداً مسألة حل مشكلة اللاجئين.

وزير الشرطة الياهو ساسون توجه إلى رئيس الحكومة ليفي أشكول بصيغة اقتراح مكتوب جاء فيه "علينا أن نكون السباقين إلى الاعتراف بحقيقة أن اللاجئين كانوا وما زالوا أساس النزاع... وباستثناء مشكلتهم فإنه ليس لنا أي نزاع مع العالم العربي، لذا يجب أن نسارع إلى إيجاد حل ملائم لمشكلتهم، بموافقتهم، وذلك ضمن حدود المنطقة المحتلة من قبلنا".

في غضون تلك السنوات توجه ساسون إلى أشكول مرات عديدة في الصدد ذاته، لكن كل توجهاته ذهبت سدى ولم تلق أية استجابة. ضابط الاقتصاد الرئيسي في "الحكم العسكري" باروخ يكوتيئيلي، تقدم باقتراح على هامش نقاش جرى في معهد "فان لير" في القدس نهاية العام 1975، جاء فيه:

"إعلان بشأن عودة (اللاجئين) الفلسطينيين: تعلن (إسرائيل) من جانب واحد عن استعدادها السماح بدخول واستيعاب جميع الفلسطينيين الراغبين بذلك في المناطق المدارة...".

كذلك قدمت "مجموعة رحوفوت" تقارير مفصلة حول مسألة اللاجئين، وصلت إلى المؤسسة السياسية (الإسرائيلية).. غير أن الموضوع غاب عن "جدول الأعمال" الإسرائيلي لسنوات طوال عقب حرب "يوم الغفران"، حرب تشرين الأول 1973.

بعد التوصل إلى "اتفاقيات أوسلو" وعودة ياسر عرفات وغيره من الزعماء الفلسطينيين إلى قطاع غزة والضفة الغربية، وفي ضوء ما لاح من فُرص لناحية إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة في مناطق الضفة والقطاع، راود دولة إسرائيل الأمل بشطب مسألة اللاجئين الفلسطينيين من الأجندة السياسية.

في ظل الواقع الراهن، وطالما لم تتوفر تسويات وحلول سلمية شاملة مع الدول العربية كافتها، ومع الفلسطينيين بشكل خاص، فإن مسألة اللاجئين واللجوء سوف تظل تلاحقنا وتقض مضاجعنا... والسلام لن يتحقق بدون حل ملائم ومقبول لدى جميع الأطراف، يشمل حل مسألة اللاجئين الفلسطينيين.

(ترجمة "مدار")

(*) الكاتب أستاذ جامعي في كلية "بيت بيرل".

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, حق العودة, ألف, عزرا, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات