المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الفيلم "جنين، جنين، جنين. الطريق الى جنين"، الذي سيبث على شاشات القناة الاسرائيلية الاولى، جاء ردًا اسرائيليًا مضاداً لفيلم محمد بكري عن دخول الجيش الاسرائيلي الى مخيم اللاجئين، ، ومنعت لجنة الرقابة على الأفلام في اسرائيل عرضه، بحجة انه أحادي الجانب ويتضمن الكثير من "الاكاذيب".
"يقول تيري جروس الذي عمل كمضمد في مخيم جنين للاجئين، اثناء حملة "السور الواقي"، إن جنين هي مدينة "توراتية"، ذكرت في التوراة وتقع على بعد سبعة كيلومترات من غور مجيدو".

يخيل أن هذا الاقتباس الذي ظهر بالانجليزية ويرمز الى "الحق الاسرائيلي" على المدينة الفلسطينية، يشهد أكثر من أي شيء آخر على الفيلم الذي يظهر فيه، "جنين، جنين، جنين، الطريق الى جنين". فالشعور المتشكل بعد مشاهدته، ان هذا الفيلم جاء ردًا على فيلم المخرج والممثل محمد بكري، الذي منعت لجنة الرقابة على الأفلام في اسرائيل عرضه، بحجة انه أحادي الجانب ويتضمن الكثير من "الاكاذيب". سيبث الفيلم في الرابع والعشرين من هذا الشهر على القناة الاولى ضمن برنامج "نظرة ثانية"، كتبه وانتجه يهودي فرنسي (40 عاما)، اختار لنفسه اسمًا مستعارًا "فاير راحوف" (خوفًا على حياته، على حد قوله).

يقول "راحوف": "عندما كنت في اسرائيل في أيلول الماضي، تحدث الجميع عن فيلم "جنين.. جنين" لمحمد بكري، وعندما شاهدت الفيلم فهمت أن بكري واحد من أكبر اعداء دولة اسرائيل، حتى انه أكثر (عداوة) من عرفات. كان الفيلم عبارة عن صدمة بالنسبة لي، شعرت أنني اعود الى المانيا النازية وقررت أن انتج فيلمًا من عندي". ويضيف: "خرجت الى جنين والتقيت الشخصيات، بحثت عن الحقيقة وفهمت أن جنين عبارة عن قاعة للمسرح وكلهم ممثلون فيها، وظيفتهم ان يظهروا للعالم بأن الاسرائليين وحوش. لم انتج فيلماً من أجل اظهار وحشية الفلسطينيين بل لإظهار انسانية الاسرائيليين. انا لست ضد فلسطين وأعتقد أن الفلسطينيين يعانون، ولكن اذا استمروا بتصديق اساطيرهم بأنهم يستطيعون هدم اسرائيل، فإنهم سيستمرون في هذه المعاناة".

يقول راحوف، وهو كاتب ومحرر ومنتج سينمائي، في مكالمة هاتفية من باريس، إن وسائل الاعلام الفرنسية تظهر الجنود الاسرائيليين كأنهم وحوش يطلقون الرصاص على أطفال فلسطينيين غير مسلحين.

قال راحوف أنه قبل سنتين، ومع إندلاع الانتفاضة، غضب كثيرًا على طريقة عرض ما يجري في المناطق (الفلسطينية) من خلال وسائل الاعلام الفرنسية، ونتيجة لهذا قرر أن يكتب وأن يخرج وينتج أفلامًا وثائقية عن الموضوع. كان الفيلم الاول "إسرائيل وحرب الصور"، أما الفيلم الثاني فكان تحت اسم "حصان طروادة"، وهو عبارة عن مجموعة مقابلات تلفزيونية لقيادات الفلسطينية قالت إن اتفاقيات اوسلو جاءت من أجل تدمير دولة اسرائيل.

يعرض فيلم راحوف ثلاثة إدعاءات مركزية: العمليات داخل اسرائيل هي التي ادت الى حملة "السور الواقي"، والجيش الاسرائيلي لم يقم بمجازر داخل مخيم جنين للاجئين، والشعب الفلسطيني - الاطفال بالأساس - تتملكه الكراهية تجاه الاسرائيليين واليهود.

يفتتح الفيلم (52 دقيقة) بمشهد غروب جميل وموسيقى روحانية لصلاة "روح كل حي"، وبعد هذا مباشرة تظهر مشاهد من العملية الانتحارية التى وقعت في فندق "بارك" في نتاينا ليلة عيد الفصح اليهودي في السنة الماضية (آذار 2002)، بحيث يعرض المخرج من خلالها صورًا مؤثرة لدماء وجثث، ويقدم مقابلات مع ذوي وأقرباء جنود ومدنيين قتلوا في المناطق (الفلسطينية) والعمليات التفجيرية.

يقول الدكتور دافيد تسينجن الذي جند للاحتياط وعمل كطبيب في قوات الجيش الاسرائيلي الذي دخل الى جنين، إن حملة "السور الواقي" حظيت بإجماع داخل المجتمع الاسرائيلي ولم يُسجل أي نوع من الحذف. "أطلقوا عليه اسم مخيم اللاجئين ولكن توجد هناك بيوت بحالة جيدة، وأخرى لا. وما داموا أطلقوا عليه اسم مخيم، فذلك يعني انهم يريدون إبقاءه على مستواه السابق". تظهر بعد هذه المشاهد لافتات شوارع تحمل صور مقاتلين فلسطينيين يحملون السلاح، ويقوم تسينجون بِعَدِّ اسماء الانتحاريين الذين خرجوا من جنين ونفذوا عمليات تفجيرية داخل اسرائيل.

يقول تيد جروس: "يستغلون النساء والاطفال كجزء من دفاعهم". ويضيف شلومو عزرا، الذي قتل ابنه المجند في جنين، إن ابنه قال له "جنين عش للافاعي". ويضيف تسينجون بأن على كل حائط من بيوت المخيم تقريباً وجدت صور لشهداء"، ويسأل: "إلى أي شيء ينظر هؤلاء الناس عندما يحضّرون قهوتهم الصباحية؟"

يظهر الفيلم مقابل "الكراهية والجنون والشر الفلسطيني"، شهادات على طيبة قلب المقاتلين الاسرائيليين. يقول تسينجون عن نفسه انه عالج جريحًا فلسطينيًا على الرغم من وجود وشمة للجهاد الاسلامي على جسده. وتضيف جيئولا بوسيدون عن ابنها الجندي الذي قتل في المناطق (الفلسطينية) بأنه اعطى قطعة الخبز الاخيرة التي كانت بحوزته لزوجين من الفلسطينيين.

يقول أحد الجنود: "حتى الكلب الذي استقبلَنا بالعواء أعطيناه ما يأكل"، بعدما يظهر الفيلم صورًا لجنود اسرائيليين يساعدون الفلسطينيين على فتح المعلبات ويقومون بتوزيع الطعام على الاطفال.

وعلى اساس هذه الشهادات تظهر مشاهد لأم اسرائلية تبكي، وأب اسرائيلي ثاكل مطأطئ الرأس، وفي الافق عصفور يطير.

يعرض الفيلم بنقلة حادة عناوين من مواقع اخبارية في الانترنت عن المجازر في جنين. وبعدها مباشرة تظهر "شهادات" على أن هذه المجازر لم تكن أبدًا. وتعرض على الشاشة أيضًا صورة "كاريكاتير" فلسطيني، يظهر فيه اريئيل شارون وهو يشرب الدماء، ومن بعدها يتحول "راحوف" لتكذيب الشهادات الفلسطينية.

بعد شهادة مدير المستشفى الدكتور "أبو غالي" على القصف الذي تعرض له، يعرض تسينجون صورًا جوية للمدينة "تثبت أن مبنى المستشفى لم يقصف"، ويشرح جندي اسرائيلي أنه "تكفي قذيفة واحدة من أجل هدم المبنى، ومن هنا نستنتج أن المستشفى لم يقصف".

يقول علي يوسف وهو فلسطيني ظهر في فيلم محمد بكري، إن جنود الجيش الاسرائيلي اطلقوا الرصاص عليه وأصيب بيده ورجله من دون سبب. وعندها يعرض الدكتور تسنجون شهادة مستشفى العفولة لم يرد فيها أي ذكر لاصابات من جراء اطلاق النار. وللادعاءات هذه تنضم صرخات مدير المستشفى سائلا: "صدمات الاطفال ليست مجازر؟.."

تظهر أيضا على الشاشة صور لأطفال فلسطينيين يغنون "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين"، وطفل صغير يطلق الرصاص واطفال يحملون المسدسات ويصرخون "الله اكبر"، والصورة الاكثر محزنة كانت عندما قال اطفال فلسطينيون: "نحن نريد الحرب لا السلام". وفي مشهد النهاية يظهر تسينجون في المستشفى وهو يعالج مريضة عربية واناسًا اسرائيليين.

وقد رفضت سلطة البث (الاسرائيلية) الافصاح عن المبلغ الذي دفعته من أجل الحصول على حقوق بث الفيلم.

(غوئيل بينتو، ملحق "غاليري"، "هآرتس"، 8/4، ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

دولة اسرائيل, اوسلو, عزرا, اريئيل, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات