المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: حلمي موسى
تناقضت الآراء والمواقف في اسرائيل حول آثار العملية المزدوجة في تل ابيب. ومع ذلك كان هناك شبه اجماع بين المعلقين على ان القرارات التي اتخذتها حكومة شارون اظهرت حجم العجز الذي تعيشه اسرائيل في مواجهة الانتفاضة. غير ان هذا العجز لم يحل دون الاختلاف، ايضاً، حول مدى نجاح او فشل ارييل شارون في الافادة من هذه العملية.

والمعلوم ان الحملة الانتخابية الاسرائيلية تركزت في الايام الاخيرة حول الفساد الداخلي، خاصة في صفوف الليكود، ما دفع شارون الى التلويح بالخطر العراقي. ويرى معلقون اسرائيليون ان شارون لم يعد بحاجة للتلويح بالخطر العراقي بعد ان عادت العمليات الفلسطينية الى قلب الأحياء الاسرائيلية. ونقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن زعيم حزب العمل، عميرام متسناع قوله، ان هذه العملية افقدت حزب العمل عدداً من المقاعد. ومع ذلك، ثمة من يرى ان الامر خلاف ذلك: اذ اندفع قادة حزب العمل لتوضيح ان هذه العملية دللت على فشل نهج شارون الامني. ووفر هذا الفشل لقادة العمل الظهور بمظهر المتشدد من جهة، بالدعوة الى مزيد من الحدة في التعامل مع <<القوى الارهابية>> والمطالبة في الوقت نفسه <<بالانفصال عن الارهاب>> عن طريق الانفصال عن الفلسطينيين.

وقد اشار كبير المعلقين السياسيين في صحيفة <<يديعوت احرونوت>> اهرون بارنيع الى هذا الاختلاف في مقالته (6 يناير). فكتب انه رغم كل <<العمليات العجيبة>> التي قامت بها اسرائيل <<فإن وضعنا ما زال لا يطاق. اكثر من سبعمئة اسرائيلي لقوا مصرعهم في عمليات ارهابية. وعلى الرغم من ذلك يجب ان نقول الحقيقة: هذا فشل مدوّ وفظيع>>. واضاف ان هناك من يقول ان <<عملية الأمس (الاول) سوف تساعد الليكود في الانتخابات وستشد الانظار بعيداً عن قضايا الفساد في الليكود نحو الصراع الدامي مع الفلسطينيين. ويمكن لشارون ان يبتسم>>. ويستطرد قائلا: <<لكنني واثق من امر واحد: شارون لا يبتسم... وهو يدرك الورطة التي وقعت فيها حكومته، فهي لا يمكنها ان تحسم الصراع بالقوة، وهي ليست على استعداد لحسمه على طاولة المفاوضات. وهي لا تريد حسم الصراع بالانفصال الحقيقي، المرتبط باخلاء مستوطنات. انها اسيرة الوضع الراهن من دون اي بصيص امل في نهاية النفق>>.

وفي صحيفة <<معاريف>> اشار عمير رفبورت الى ان عملية تل ابيب المزدوجة تأتي في الوقت الذي تُكثر فيه المؤسسة الامنية من الحديث عن <<علائم الوهن>> في الجانب الفلسطيني. واوضح ان قادة اسرائيل لا ينتبهون الى <<علائم الوهن في جانبنا ايضاً>>. فجنود الجيش النظامي، الذين يتحملون عبء العمليات في المناطق لوحدهم منذ تجنيد القوات الاحتياطية الواسع اثناء عملية السور الواقي قبل عشرة شهور، باتوا منهكين. ورجال الشرطة... باتوا مرهقين. ومحققو الشاباك لا يستطيعون الصمود امام الاعداد الهائلة للمعتقلين الذين يصلون اليهم>>. ومضى قائلا: <<على خلفية علائم الوهن الخطيرة التي تدعو عدداً من كبار المسؤولين الامنيين للخشية من انهيار وشيك، ينبغي لنا ألا نستغرب ان التحذيرات التي صدرت صباح أمس (الاول) عن عملية ممكنة لم تؤد الى أي تغيير جوهري في استعدادات الجيش أو الشرطة>>. <<فالتحذيرات الساخنة عن العمليات باتت أمرا عاديا منذ شهور>>.

وأشار معلقون آخرون الى المفارقة الظرفية التي أظهرتها عملية تل أبيب المزدوجة التي وقعت في ظل الاحتفال بنجاح تجربة إطلاق أربعة صواريخ <<حيتس>> دفعة واحدة. وفي هذا السياق كتب حيمي شاليف في <<معاريف>> تحت عنوان <<الصواريخ الحقيقية>> أنه <<بعد ساعات معدودة على الاستعراض المذهل للتكنولوجيا المستقبلية للدفاع عن السماء تسلل صاروخا الموت الى منطقة تل أبيب فزرعا الدمار، الخوف والموت. وهذان هما صاروخان أرض أرض بكل معنى الكلمة، بسيطان، معقدان، دمويان وإنسانيان، أو دون صفات البشر>>. ومضى قائلا انها <<صواريخ سكود الحقيقية التي تهدد حياتنا>>. وأوضح ان <<العملية المزدوجة في المحطة المركزية القديمة تكسر ستة أسابيع من الهدوء النسبي، على الأقل في المدن الكبرى وتحطم الوهم الذي يتكرر بشكل منهك، باحتمال أن يكون التحول قد حدث. وخلال ثوان معدودة، وانفجارين مرعبين، خلعت تل أبيب عن نفسها قناع الاعتياد الاستهلاكي المحبب لديها، وعادت لتكون ميدان المعركة المشبع بالدماء>>.

وخلص شاليف الى أن <<الإرهاب الفلسطيني هزم إسحق شامير في انتخابات عام 92، وشمعون بيريز عام 1996 وإيهود بارك عام 2001، ولكن كل الحكمة المعهودة تقول إن شارون هو من يستفيد من ذلك. ولكن قلة فقط ستقامر الآن بالحديث عن انقلاب حاد في حركة الرأي العام، وفجأة، ومن دون إنذار مسبق، يمكن أن يترجم الاعتراف الجماعي <<باستحالة السير هكذا>> الى بطاقات اقتراع>>.

أما المراسل العسكري لصحيفة <<يديعوت أحرونوت>> أليكس فيشمان فأشار، في السياق نفسه، الى أنه <<من أعالي الردع في صاروخ حيتس، فخر تكنولوجيا السلاح، تحطمنا أمس (الاول) على الأرصفة الدموية في تل أبيب>>. وقال ان رادار بطارية حيتس يستطيع تشخيص انطلاق الصواريخ من مسافة مئات الكيلومترات ولكنه <<لا يستطيع رؤية السكودات الحقيقية، تلك التي تخرج إلينا من مسافة كيلومترات معدودة. والانتحاريون مثل الذين عملوا أمس في المحطة المركزية هم صواريخ السكود الحقيقية التي يجب أن تقلقنا>>. ودعا الى تحويل الضغط الإسرائيلي نحو سوريا، حيث يجب مطالبة الأميركيين بالضغط على السوريين لإغلاق المكاتب الفلسطينية هناك.

والحقيقة أن المعلقين الإسرائيليين لاحظوا <<العجز>> الإسرائيلي من خلال مداولات المجلس الوزاري المصغر، الذي تجنب، بشكل جوهري، البحث في قضيتين مركزيتين: اقتحام قطاع غزة، وإبعاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وقد رفض شارون عملية واسعة في قطاع غزة لأنها تتطلب تجنيد قوات احتياطية، وهو أمر لا يريده الآن. كما رفض أغلب الوزراء إبعاد الرئيس عرفات، لأن أميركا لا تريد ذلك الآن. ولذلك جرى اختيار أهداف أخرى. فبدلاً من احتلال غزة يجري قصفها، وبدلاً من إغضاب الولايات المتحدة يمكن الاكتفاء بإغضاب المملكة المتحدة.

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, انقلاب, يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات