المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حتى إبليس لا يعرف كيف وقعتُ في هذه الورطة العفنة. أستيقظ صباحا ولا أصدق ما تراه عيناي. ما الذي حدث؟ أنا، أريك شارون، أشن حربا ضد المستوطنين؟ أنا الذي أسكنتهم هناك منذ البداية؟ أنا الذي رأت بنات أفكاري عملية الاستيطان ورسمتها على الخارطة، قبل أن يحلم المستوطنون ذاتهم بها؟

كيف بدأ هذا كله؟ ما الذي أردته أنا في نهاية الأمر؟

طلب مني الرئيس بوش أن أطرح خطة سلمية ما. لقد كان يحتاج إليها لينجح في حملته الانتخابية. وليكن، أنا أصنع المعروف مع بوش الذي يساعدنا في كل خطوة وخطوة، والذي كان قد تراجع عن مواقفه السابقة عشرات المرات، كما حدث مثلا في قضية الكتل الاستيطانية، وكل ذلك لأقول عنه كلمة طيبة فقط؟

كان علي أيضا أن أفعل شيئا ما لوقف تهور هذا البيلين. "خطة السلام" التي اقترحها حظيت بأصداء عالمية، وقد رقص رؤساء الدول ورؤساء الوفود من حولها. كان يمكن لذلك أن يشكل خطرا، وخاصة لأنه كان يمكن أن يقوّض إيمان الجمهور بمقولة "ليس لدينا شريك". صحيح أنني لم أكن من اخترع هذه المقولة، بل إيهود باراك، إلا أن هذه المقولة هي أثمن ما لدينا. إذن كان علي أن اطرح شيئا آخر ليمسح هذه المبادرة عن الطاولة ويعيدني إلى مركز الحلبة في إسرائيل وفي العالم. فالجميع يعرف بأنه قد قيل عني إنني مسن، هرم وغير مبادر، وإنني أدع الأمور تنجرف دون اتجاه محدد. ماذا؟ هل أنا مسن؟ هل أنا ضعيف؟ لذلك سيطرت على هذه المبادرة وأثبت بأنني مصمم ومثابر. وانظروا ماذا حدث: منذ سنة أخذت "خطة الانفصال" التي اقترحتها تحدث ثورات في إسرائيل، وها هو العالم كله يتعامل معها. الجميع يعترفون بأنها العرض المنفرد الوحيد في المدينة.

صحيح أنني لم أفكر مليا قبل أن قذفت بهذه الفكرة في الفضاء. ولم أكن أحلم بأنها ستصل إلى مثل هذا الحجم.

ما الذي اقترحته أصلا؟ أن نسحب الجيش من قطاع غزة، ونخلي المستوطنات هناك. لقد طلب منا الأمريكيون أن نضيف إلى ذلك بعض المستوطنات الصغيرة الواقعة شمالي السامرة، فأضفتها.

وكما جرت العادة، كانت لدي خطة معدة للوضع الجيد وخطة معدة للوضع غير الجيد. في الوضع الجيد لم يكن لذلك أن يثمر شيئا. أو أن الملك كان سيموت، أو أن الحمار كان سيموت. وفي هذه الأثناء أثبتت أني أعمل من أجل السلام، وأحدثت ضجة عالمية، وخرجت بصورة طيبة. وفي النهاية لم نكن لنخلي أي مليمتر أو لنخلي مستوطنا واحدا.

في حال عدم نجاح ذلك، واضطررت إلى تنفيذ الخطة، لن يكن الأمر أسوأ من ذلك. كان ذلك سيندمج في إطار خطتي الكبرى لضم أغلبية الضفة الغربية، وإبقاء العرب، مؤقتا، في عدد من القطاعات. إنه من الواضح أن قطاع غزة سيكون أحد هذه القطاعات. هل يريد أحد منا هؤلاء العرب داخل دولة إسرائيل؟

كنت متأكدا أن زعماء المستوطنين سيتفهمون هذا المنطق. دعوتهم إلى لقاءات شخصية في مزرعتي وقلت لهم: أنظروا أيها الأولاد (أليسوا أولادي؟) أنا بصدد القيام بخطوة فذة. سنضحي بعدد من المستوطنات الصغيرة. كل المستوطنات في غزة وبعض المستوطنات في السامرة. في مرحلة متأخرة سيكون علينا أن نضحي بعدد من المستوطنات الأكبر في قلب السامرة. لا بد من ذلك.

صحيح أن هذا هو أمر مؤلم. فقد قلت لكم منذ البداية إننا أمام تنازلات موجعة، ولكن انظروا إلى ذلك بنظرة تاريخية. سنخلي عدة آلاف من المستوطنين، ولكننا سننقذ 200 ألف مستوطن آخر. هذا ليس كل ما في الأمر، فإننا سنأتي، بعد ذلك، بآلاف المستوطنين الآخرين إلى الضفة الغربية ليستوطنوا في مناطق يهودا والسامرة التي تم ضمها إلى إسرائيل. هذا يشبه تقليم بعض الأغصان من الشجرة بهدف تعميق جذورها وزيادة جمالها الطبيعي.

كنت متأكدا من أنهم سيتقبلون ذلك بصدر رحب. ألا يعرفونني؟ ألم أتحدث معهم مئات المرات؟ ألم يربضوا في مزرعتي أياما وليالي؟ ألن يفهموا الحجم التاريخي لهذه الخطة؟ ألا يرون بأنها خطوة كبيرة لتحقيق الصهيونية؟

قلت لهم: الصهيونية هي دولة يهودية في جميع أجزاء أرض إسرائيل، دون وجود العرب. إنها خطوة تاريخية. لقد عرفت الصهيونية دائما كيف تحقق ما يمكن تحقيقه في كل فترة من الفترات. لقد فهمت الصهيونية تقييدات القوة، وحصلت في كل مرحلة على ما يمكن الحصول عليه، دون التخلي عن قرارها الحاسم بالوصول إلى ما تبقى في المراحل المقبلة.

إن المرحلة التي نحن بصددها الآن هي ضم أغلبية مناطق يهودا والسامرة، وإبقاء غزة والخليل ونابلس وجنين والمناطق المجاورة للعرب. دعوهم يسمونها دولة فلسطينية. ما شأننا في ذلك؟ إلا أنه بهدف تحقيق هذا، يجب إخلاء المستوطنات. عدة عشرات منها وكذلك بعض البلدات الثمينة أيضا. هل هذا مؤلم؟ نعم إنه مؤلم. ولكن علينا أن ننظر إلى الصورة الشاملة. تخيلوا أنه في النهاية، في المرحلة القادمة، ربما بعد أن يتوفانا الله أنا وأنتم، سنطرد العرب من هذه المناطق أيضا.

وماذا حدث؟ لقد بدأوا يتهورون. وصرخوا: يجب ألا نخلي أية مستوطنة.

قلت لهم: انظروا أنا جندي. قبل المعركة في أبو عجيلة، أدركت بأن عددا من الجنود سيسقطون فيها. لم أتوان لحظة واحدة في التفكير بالجثث وبالعائلات الثكلى، إلا أن هذا الأمر لم يعيقني، لأن الهدف كان مهما بما فيه الكفاية للتضحية بهؤلاء الجنود، ولذلك علينا التضحية بهم. يجب ألا نتوانى، وبدون التفكير في الأمر. لا يمكن لمن لا يستطيع فعل ذلك أن يكون قائدا عسكريا. إذن أنظروا إلى الأمور بهذا الشكل.

اعتقدت بأنهم سيفهمونني. فهذا منطقي للغاية. ولكن ما اتضح هو أنهم معدومو المنطق. لقد دخلوا في دوامة. معتوهون من هنا وهناك، حاخامون ومتدينون، هم الذين دفعوا بهم. قالو لهم بأنه إذا تم إخلاء مستوطنة واحدة فلن يكون بالإمكان وقف هذه العملية. وفي نهاية الأمر سيتم إخلاء جميع المستوطنات. حاولت تهدئتهم ولكنهم فقدوا بصيرتهم.

من أجل ماذا؟ المستوطنات في غوش قطيف، التي كانت تابعة منذ البداية لمباي. من أقامها هناك؟ يسرائيل غليلي وموشيه ديان. لذلك لا يجدر بهم أن يتحدثوا باسم الله ووصية أرض إسرائيل الكبرى. غير أن زعماء المستوطنين قد قرروا الانجرار وراءهم، وقد بدأ الأمر يبدو حربا بين شعب إسرائيل والمستوطنين.

كانت سعادتي ستكون أكبر لو كنت الآن بين أصدقائي المستوطنين، أشرب معهم دم رئيس حكومة غيري.

هل كان لأحد أن يؤمن قبل خمس سنوات بأنني أنا، أريك، سأكون من ألد أعداء المستوطنين؟ وأنهم سيشتمونني ويخططون لقتلي؟ وأنني أنا الذي سأجهز الجيش لإخلاء المستوطنين الذي ترعرعوا في ظلي؟ هذه هي سخرية القدر.

لقد كتب أحدهم أن هذه حرب بين دولة إسرائيل ودولة يهودا. أن هذا متعلق بهوية الدولة ذاتها. وأنني أنا الإسرائيلي من قرية ملال، الإسرائيلي الأصيل، سأكسر المستوطنين المتشبثين بالجنون الديني، والذين يريدون تقويض الديمقراطية الإسرائيلية. ولكني بعيد كل البعد عن هذا. طالما احترمت المتدينين والحاخامين. وذات مرة، زل لساني فقلت إن تعلم التوراة هو أهم من الخدمة في وحدة أمامية في الجيش.

ولكن ما هو الخيار الذي بقي أمامي؟ إني أحس بأنني أسبح في البحر وتيارات أقوى مني تجرفني. لا يمكنني التراجع عن خطتي، لأني ملزم أمام بوش وعلي أن أبدو مصمما، وإلا فسيأكلني بيبي وسائر الذئاب الجياع وجبة فطور شهية. علي أن أحمي الجيش. فبدونه ماذا سيبقى لهذه الدولة؟

إذن علي أن أستيقظ إلى يوم عمل آخر. يجب إقامة ائتلاف مع كل هؤلاء الأصفار، والتخطيط للتعامل مع أبي مازن، الذي سيتم انتخابه وهو يحاول أن يغشني بالأقوال المعسولة. والأهم من هذا كله - التعامل مع المستوطنين الثائرين، الذين يمكن أن يتسببوا بحرب بين الإخوة.

من كان ليصدق أنني سأبلغ مثل هذه الحال.

المصطلحات المستخدمة:

باراك, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات