المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قائد القوات البرية التابعة للجيش البريطاني في العراق، الضابط الذي احتلت قواته البصرة، هو الجنرال روبين بريمز. روبين، كإسم مساعد "باتمان" المخلص، الرجل الوطواط الذي يحارب الجريمة في المدينة الكبيرة بين النهرين. وبعيدًا عن نيويورك، إحتل "باتمان" وروبين العالم، أمس، في بغداد، مقر العدو الأكبر، صدام حسين، وقررا حقيقة تاريخية: الغرب عاد إلى الشرق منتصرًا - الشرق الذي رحل عنه.كما أن توني بلير ساهم نوعًا ما في إصلاح ما خرّبه واحد من سابقيه برئاسة حكومات "العمل" البريطاني، هارولد ويلسون.

ولولا قرار ويلسون إخلاء القوات البريطانية من "شرقي السويس"، في نهاية الستينيات، لم يكن صدام ليقوى ويتكبر كفاية ويحصل على قوة ذرية ويهاجم أيران والكويت. وقد كان ذلك الاخلاء إستمرارًا للمراحل اللا كولونيالية وتراجعاً للقيصرية البريطانية عن مستمسكاتها، في أعقاب الفوز الذي أفلسها في الحرب العالمية الثانية. وخلال عقدين أخلى البريطانيون، من ضمن ما أخلوه، الهند و"أرض إسرائيل" والقواعد على القناة في السويس؛ كما أن الأمريكيين، الذين ضربوا بريطانيا نتيجة إنضمامها لفرنسا وإسرائيل في حملة عسكرية ضد جمال عبد الناصر، لم يملأوا الفراغ الذي ساد في المنطقة.

والشخص الذي حفّز الغرب على العودة، هذه المرة بقيادة أمريكية، لم يكن صدام، ولا حتى آية الله الخميني. فالاثنان ناوشا الأمريكان، وسخرا من ضعفهم وجراهم إلى عمليات دفاعية في أساسها - العملية الفاشلة لتحرير الرهائن من السفارة في طهران، ومناوشة السوريين ومأموريهم حول بيروت، وطرد الجيش العراقي من الكويت.

من نقل الأمريكيين إلى الهجوم هو أسامة بن لادن، الذي آمن بأن الهرب الأمريكي من لبنان، بعد العملية التفجيرية في مقر قيادة "المارينز" هناك، سيُستعاد بقوة أكبر في حالة المسّ بأهداف داخل أمريكا. وبعد ساعات قليلة من تحطم برجي منهاتن، في الحادي عشر من أيلول، كان واضحًا لكل من عرف طبع الأمريكيين وعرف الحزب الحاكم ورئيسهم، أنه بُدئ بمعركة عالمية وأن مهداف بوش وجيشه سُلط، في أولوية أولى، على بن لادن وصدام.

لم يكن هذا ليحدث لو أن بل كلينتون أو آل غور جلسا عندها في البيت الأبيض. لكن الطاقم الذي ألّفه بوش، لكي يغطي على ضعفه في مسائل الأمن والخارجية، وخاصةً نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، دفعه إلى أفغانستان والعراق. وقد شغل رامسفيلد جيدًا منصب قيادة الجيش، عندما عزل رئيس القوات، الجنرال البري يو شلطون، وهو تعيين ضعيف جاء من كلينتون، لصالح نائبه من سلاح الجو، الجنرال ريتشارد ماييرز. وقد شكل رامسفيلد، وماييرز، ونائبه بايس ونائب وزير الدفاع بول وولفيتس طاقمًا ناجعًا، على الرغم من التقارير المتلاحقة عن التذمرات في القيادة بسبب أسلوب الوزير الفظ. وقد أدت هذه التقارير، التي اجتمعت معها عشية الحرب وفي بدايتها تشكيكات عالية الصوت بشأن الفطنة في الفكرة العسكرية التي اقترحها قائد الحلبة، الجنرال تومي فرانكس، أدت هذه التقارير إلى خفض التوقعات من النجاح العسكري؛ وكلما انخفضت التوقعات المسبقة، كلما زاد الانفعال من الانجازات فيما بعد.

ولم يخشَ فرانكس من المقاربة بينه وبين سابقه في حرب 1999، نورمان شوارتسكوف. وكما يحدث مع كل رجل جيش أمريكي، أدرك فرانكس أيضًا إلى أي مدى صدق الرئيس الأول للقوات – وآخر قدامى الحرب العالمية الثانية الذي حمل على كتفيه خمس نجوم - الجنرال عمر برادلي، في تحذيره "بعدم التورط أبدًا في حروب برية في آسيا". وقد منح داغلاس مكارتور في كوريا وفي العقد الذي تلاه، ويليام ووستمورلاند في فيتنام، هذا التحذير أبعادًا تنبؤية؛ ولكن "برادلي" الآن هو إسم طابور مدرع، يعمل في العراق إلى جانب الدبابة التي تخلد وريث ووستمورنلاند، كرايتون آيبرامز.

برادلي يعيش في عصر الحروب غزيرة القوى البشرية، مع أفضليات كمّيّة لملايين الصينيين، الشمال كوريين والفيتناميين. ولم يمنح سلاح الجو الأمريكي، الذي نشط بعيدًا عن سلاح البحرية والمارينز، المساعدة الكافية لقواته البرية. واليوم لا توجد حرب "برية"، "جوية" أو "بحرية" - الحلبة مدموجة، وتحلق من فوقها حول الكرة الأرضية 50 قمرًا صناعيًا، كما أن الفوقية الأمريكية في التقنيات وتجميع القوى هي حاسمة. ومن أجل إخراج القوة العسكرية إلى حيز التنفيذ، فإن هناك حاجة لقرار سياسي. الحادي عشر من ايلول، والثلاثة آلاف قتيل، والخطر الكامن في أسلحة الدمار و"الارهاب" العالمي - كل ما ذكر سويةً أدى إلى دفع بوش للقرار الذي أتخذ السنة الماضية وبدأ تنفيذه منذ التاسع عشر من آذار.

وقد سبق للأمريكيين والبريطانيين تنضيب وعزل حكام في الشرق الأوسط، عن طريق التعيينات والدسائس والانقلابات، لكن أجيالا جديدة من الشبان المعركيين الذين ولدوا في أصفهان والاسكندرية، في بعلبك والبصرة، في الخليل وفي حلب لم يصدقوا –حتى بعد دحر الطالبان وسقوط كابول - أن يحتل جيش غربي عاصمة إسلامية كبيرة، عاصمة لثاني أهم دولة عربية، إلى جانب مصر. وقد تعلموا في هذه الأسابيع درسًا هزّههم.

وحذر القائد الأسبق للمارينز، الجنرال تشارلز كرولاك، والذي حوّل المارينز إلى طلائعيي الجيش الأمريكي في الاقتتال في الأماكن المدنية، حذّر من أن جنوده قد يتورطون في "حرب العمارات الثلاث"، وهي طراز بناء في مدن مثل مقاديشو، غروزني أو بغداد. وقال كلارك إن الحرب القادمة لن تكون إبنة لحرب 1991، بل ستكون الابنة غير البيولوجية للصومال والشيشان. واستعد الأمريكيون أيضًا لتورط كهذا، يجري في شوارع بغداد، بين بيوتها وداخل الانفاق التي تحتها. وحتى هم تفاجأوا عندما عرفوا أنهم حصلوا على حرب "الأسابيع الثلاثة" بدلا من حرب "العمارات الثلاث".

في الصيف الماضي، عندما سادت الخشية في الجيش الاسرائيلي من الصواريخ العراقية، طلب قائد الأركان، موشيه يعلون، تقوية الردع الاسرائيلي، عن طريق "عرض مباشر" أمام صدام. وبقيت إسرائيل خارج الحرب وهُزم صدام في "عرض مباشر" أمريكي. جمهور هذا العرض يجلس الآن في في دمشق، غزة، طهران وفيونيانغ ويسأل نفسه، إلى أين سيذهبون من هنا.

(هآرتس/ 10/4، ترجمة: "مـدار")

المصطلحات المستخدمة:

بول, موشيه يعلون, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات