المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الانشغال الهوسي بالسؤال "من هو أرئيل شارون" له ما يبرره: منذ دافيد بن غوريون، لم يكن في اسرائيل رئيس حكومة جمع بين يديه قوة سياسية كبيرة جدا كهذه. ومنذ دافيد بن غوريون، لم يكن في اسرائيل رئيس حكومة تطلب منه الحسم في قرارات مصيرية كهذه. ومنذ دافيد بن غوريون، لم يكن في اسرائيل شخص واحد يتعلق مصير دولة اليهود به شخصيا، كما هو الحال بالنسبة الى شخص ارئيل شارون الفرد.

وثمة سبب وجيه آخر لهذا الانشغال الهوسي، الشامل، بشخصية رئيس الحكومة: لم يكن في اسرائيل، قط، قائد سياسي مثل شارون بما تنطوي عليه شخصيته من تناقض ايديولوجي عميق كهذا. لم يكن في اسرائيل، قط، قائد ينتمي، من الناحيتين العاطفية والقيمية، الى معسكر اليمين والى معسكر اليسار معا، ولا ينتمي لأي منهما، في الوقت نفسه. ولم يكن في اسرائيل، قط، رئيس حكومة احاط ضباب كثيف جدا كهذا بمعتقداته الجوهرية، رئيس حكومة كان من الصعب جدا تبيّن وجهته عشية قرار تاريخي حاسم ودراماتيكي: هل هو غولدا (مئير) أم رابين؟ هل هو شمير أم ديغول؟

منعاً لأي التباس او شك: انه ليس ديغول. وهو لن يكون ديغول. لا يخطر بباله ابدا ان يكون ديغول. ارئيل شارون لن يعود الى حدود العام 1967، وليس الى ما هو قريب من حدود 67. ارئيل شارون لن يفكك مشروع المستوطنات ولن يعيد الى البيت 200 الف "بييه نوار" اسرائيلي. وارئيل شارون لن يضع حدا نهائيا للنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني. من المشكوك فيه كثيرا ان يوقع، بيديه، على اتفاقية سلام. فهو، باعتباره رجل استمرارية تاريخية وتطور عضوي، لن يقلب ظهر المجن لسيرته الذاتية. لن يقدم على اقتلاع كل ما غرسه بيديه. سيحاول التحرك نحو الحد الاقصى الممكن من المصالحة، من دون التنكر لماضيه ومن دون تطليق كل ما أتى منه.

كذلك فهو ليس شمير. ان من يحاول التقليل من أهمية الخطاب الجديد الذي يستخدمه ارئيل شارون منذ عيد الفصح (العبري) الأخير، او شطب القيمة التي ينطوي عليها القرار التاريخي الذي دفع الحكومة الى اتخاذه هذا الاسبوع - منحرف ومضلل. رئيس الحكومة اتخذ، حقا، قراراً لا رجعة عنه؛ انه يعتزم القيام بشيء ما. ولذا، فان ارئيل شارون 2003 هو ليس اسحاق شمير 1991. انه لا يتلاعب بالكلمات من اجل كسب الوقت فقط. انه لا يقوم باخراج مناسبات سياسية فارغة المضمون من اجل ارضاء الجالس في البيت الابيض. شارون يعتقد، حقا، بأن الاحتلال - نعم، الاحتلال - غير قابل للاستمرار ولا جدوى منه. شارون توصل، حقا، الى الاستنتاج بأنه لم يعد من الممكن مواصلة الجلوس في جنين ونابلس. وعليه، فهو سيقوم بالانسحاب، في نهاية المطاف. سينسحب في غضون السنتين القريبتين. اذا لم تخنه حالته الصحية، واذا لم تتعرض قاعدته السياسية الى الانهيار، فسيقوم شارون، حقا، بتقسيم ارض اسرائيل، خلال السنتين القادمتين.

اين يمكن، اذن، موضعة ارئيل شارون؟ اين موقعه على محور اليسار ـ اليمين؟ الجواب واضح: شارون يتمركز، اليوم وبتأخير ما، في وسط التيار المركزي لحركة "العمل" التاريخية. الى اليسار من غولدا مئير، بالطبع. الى اليمين من آبا ايبن وبنحاس سبير. قريبا جدا من الموقع الذي وقف فيه، آنذك، يغئال ألون. حقا، ان شارون ما بعد انتفاضة الأقصى يشبه، الى حد كبير، يغئال ألون ما بعد حرب الأيام الستة: الصقر الخالص، من دعاة ارض اسرائيل الكاملة، الذي يكتشف حقيقة الواقع الديموغرافي والسياسي.القائد الأمني المتصلب، الزعيم ذو التجربة الغنية، الذي يدرك حقيقة انه اذا ما كانت دولة اسرائيل معنية بالبقاء والوجود، فان عليها ان تتخلى عن المناطق المكتظة بالسكان في يهودا والسامرة وقطاع غزة.

الى اين يمضي ارئيل شارون؟ الى خطة ألون، محسّنة. في احاديث مع مقربين، تحدث اكثر من مرة عن دولة فلسطينية في حوالي ثلثي الضفة الغربية، بينما يتم ضم (إلحاق) عُشرها تقريبا (في الغرب) الى دولة اسرائيل، فيما يبقى نحو خُمسها (في الشرق) تحت سيطرتها لبضع سنوات، للضرورات الأمنية. ألا يبدو ذلك واقعيا؟ ربما. لكن حتى خطة كهذه، تستوجب اقتلاع عشرات المستوطنات. ويستطيع شارون، بالطبع، الادعاء بأنه طالما بقي الفلسطينيون متمسكين بحق عودة اللاجئين، فمن حق اسرائيل المطالبة بخطة ألون. طالما بقي الفلسطينيون يرفضون الاقرار بأن ما ينطبق على فرنسا ينطبق على اسرائيل، فمن حق اسرائيل المطالبة بالسيطرة على الشواطئ الشمالية من الجزائر.

المشكلة تكمن في ان خطة رؤيا ألون، كما يفهمها شارون، لا تتناغم مع خارطة الطريق. الخطة الدولية الطموحة جدا تؤدي الى حل مهجري خالص: انسحاب اسرائيلي تام من المناطق قبل ان يقبل الفلسطينيون حتى بالتخلي عن حق العودة. ومن هنا، فان رؤيا شارون ورؤيا خارطة الطريق تسيران اليوم على مسار تصادمي خطير.

لقد قام ارئيل شارون هذا الاسبوع بخطوة شجاعة. اثبت ان لديه القدرة على تحقيق العظمة التاريخية. غير ان ليس لديه أي متسع من الوقت لتضييعه الآن. عليه ان يحدد، أخيرا، موقف اسرائيل بشأن العلاقات المستقبلية المتوقعة والمطلوبة بينها وبين فلسطين، وبشأن الخطوط الحدودية بينهما. عليه ان يضع فكرة الدولة اليهودية الديموقراطية في مركز خارطة الطريق. اذا لم يفعل شارون هذا، واذا لم يأخذ زمام المبادرة السياسية بين يديه، فقد يجد نفسه يتعرض للدهس تحت العجلات الحديدية لهذه العملية التي اطلقها هو نفسه، هذا الاسبوع.

(هآرتس ـ 29/5)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات