المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نشرت، في نهاية الاسبوع، معطيات مذهلة من نتائج بحث حول اوضاع الدمقراطية الاسرائيلية ومدى التزام الجمهور بقيمها. يتضح، منها، ان في اسرائيل دمقراطية رسمية فقط، وان هبوطا جديا قد طرأ في تماثل الجمهور مع مكونات الكينونة الدمقراطية.في اليوم اذي نشرت فيه وسائل الاعلام عن نتائج البحث، نشرت ايضا تفاصيل عن الشبهات الموجهة الى الحركة الاسلامية، وعن نية الوزير تساحي هنغبي اعادة فتح "جبل الهيكل" ( الحرم القدسي الشريف - المحرر) أمام الزائرين اليهود، وعرضت تقديرات حول لقائي ارئيل شارون المرتقبين مع محمود عباس (ابو مازن) ومع جورج بوش. جسدت هذه الأنباء، التي بدت كأنها عادية، الظواهر التي اشار اليها البحث ودلت على مصادرها.

يحاول البحث، (الذي اجراه خبراء المعهد الاسرائيلي للدمقراطية)، توفير مقياس محكم لفحص حالة الدمقراطية الاسرائيلية. الى جانبه يظهر استطلاع للرأي من الشهر الفائت يعكس آراء الجمهور الاسرائيلي حيال مضامين العمل الدمقراطي. استنادا الى جملة معقدة من الاختبارات، ومن خلال المقارنة مع الاوضاع في 35 دولة اخرى، يتوصل البحث الى الاستنتاج بأن وضع الدمقراطية الاسرائيلية، على المستوى الرسمي، سليم، بل جيد (مثلا، في المقاييس حول مدى التمثيل وحول المنظومات التي تضمن الموازنات والكوابح بين السلطات)، لكن هناك ما يبعث على القلق الشديد على المستوى الجوهري (مثلا، في مدى تطبيق حرية الصحافة وحرية الدين والمعتقد، وفي المس بحقوق الانسان، وفي مدى تحقق المساواة في توزيع المداخيل، وفي التمييز السياسي، الاقتصادي والاجتماعي). في بعض تلك الاختبارات، تحتل اسرائيل موقعا منخفضا جدا.

بينما البحث، كونه الأول من نوعه، عرضة للنقد حول الطريقة التي اجري بها (تحفظات يستدعيها معدوه، بملء الفم، في توجههم الى القراء)، من الصعب جدا الاعتراض على نتائج استطلاع الرأي الملاصق له. انه استطلاع اجري بالطرق المقبولة على عينة تمثيلية من 1،200 شخص أجريت معهم مقابلات، باللغات العبرية والعربية والروسية. نتائج الاستطلاع تُقرأ باعتبارها مرآة لنتائج البحث. فهي تبين فجوة مقلقة بين الالتزام المعلن من الجمهور الاسرائيلي بمبادىء الدمقراطية وبين استعداده لتطبيقها.

مثلا، بينما يؤيد 81 % من اليهود المساواة التامة امام القانون، فقط 47% يؤيدون مساواة تامة بين اليهود والعرب، وفقط 23% يؤيدون اشراك العرب في القرارات المصيرية في الدولة. ومثال آخر: 56 % من مجموع السكان في البلاد يؤيدون وجود "قادة اقوياء" (فقط في الهند ورومانيا النسبة في هذا أعلى) وفقط 84% من الجمهور يعتقدون بأن الدمقراطية هي امر مرغوب به (المرتبة الأدنى بين جميع الدول التي شملها الاستطلاع).

ويدل الاستطلاع على هبوط مستمر في نسبة تأييد الجمهور لقواعد الدمقراطية ومركباتها: حرية التعبير، مساواة في الحقوق، حرية النضال السياسي للأقليات، بل أكثر من هذا يتبين، من خلال اسئلة مركزة حول علاقة الأغلبية اليهودية بالأقلية العربية، ان اقل من الثلث (31%) يؤيدون ضم الأحزاب العربية الى الحكومة (مقابل أغلبية 56% في العام 1999)، وأكثر من نصف الجمهور (57%) يعتقدون بأن على الحكومة ان تشجع هجرة العرب من البلاد (مقابل معارضة أغلبية الجمهور لهذا، في العام 1999). أي ان فكرة الترانسفير باتت مقبولة لدى الأغلبية. معارضة المساواة التامة للأقلية العربية لا تمنع قسما كبيرا من اليهود من التنكر لموقفهم هذا: فقط 51% يقولون ان العرب في اسرائيل مظلومون.

ليس من الصعب الاهتداء الى اسباب هذه المواقف الخطيرة: النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، الذي يكرسه استمرار الاحتلال، يهدم اسس الدمقراطية الاسرائيلية. ويدل البحث على وجود علاقة طردية مباشرة بين الشعور بالخطر لدى الجمهور في البلاد، وبين مدى استعداده لمنح المساواة في الحقوق للأقلية العربية. ومن هنا تقصر الطريق للوصول الى النتيجة المركزية التالية: التزام الجمهور بالقيم الدمقراطية ليس مستقرا وثابتا، بل هو مشروط بالظروف السياسية. هذا، اذا، سبب حاسم لدى رئيس الحكومة، إن كان مستقبل الدولة يهمه، للتوصل مع الرئيس جورج بوش، بعد يومين، الى اتفاق ملزم حول تحريك العملية السياسية بما يؤدي، في اقصى سرعة ممكنة، الى انهاء الاحتلال وحل النزاع مع الفلسطينيين.

(هآرتس، 18 ايار)

المصطلحات المستخدمة:

تساحي هنغبي, رئيس الحكومة, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات