المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الحملة الامريكية ضد سورية في الاسبوعين الأخيرين تجري بأسلوب: خطوة الى الأمام، وخطوتان الى الخلف. كل من تعوَّد على الرسائل الحازمة التي بثتها الادارة الامريكية ضد العراق خلال السنة الماضية، لا يستطيع إلا أن يرى الاسلوب المختلف كلياً في التعامل مع سورية - تهديد في اليوم الاول، تليه تهدئة في اليوم التالي. هكذا مثلا نائب وزير الدفاع، بول وولفوفيتش، الذي حذر قبل عشرة ايام فقط بأنه "يجب حصول تغيير في سوريا"، مثيرًا بذلك موجة من الشائعات بأن سورية ستكون الهدف التالي للصواريخ الامريكية.


يوم الجمعة الأخير اجتهد وولفوفيتش نفسه لنفي الادعاءات بأن الولايات المتحدة تبغي تغيير النظام في سورية. "انك تذهب بعيدًا جدًا جدًا "، قال للصحفي المصري الذي سأله عما اذا كانت هذه هي حقاً نية الادارة الامريكية، " حن نريد تغييرًا في سلوك الحكومة السورية".

العلاقات المركبة بين الولايات المتحدة وسورية تطلبت، ايضًا، رسالة اكثر تعقيداً. سورية ليست العراق. وهي لا تشكل، في وعي الادارة الامريكية او في وعي الجمهور عامة، مملكة الشر ذاتها التي كانت في عراق صدام حسين. فبينما كان كل شيء في العراق، من وجهة النظر الامريكية، سيئاً وينبغي تغييره، الا ان واشنطن ترى غير قليل من النقاط الايجابية في سورية، تبقيها، في الفترة الحالية على الأقل، خارج "محور الشر" الامريكي.

لكن قائمة الانتقادات والادعاءات الامريكية ضد سورية بشار الأسد تطول باستمرار. آخر هذه الانتقادات والادعاءات هي تلك الخاصة بسلوك سورية ابان الحرب الامريكية على العراق. الاشارة الاولى للقطيعة بين البلدين ظهرت في اليوم الثالث من الحرب، حين قصفت الولايات المتحدة حافلة ركاب سورية لحظة مرورها عن جسر في المعبر الحدودي بين العراق وسورية. في اليوم التالي وقف الجنرال ستانلي مك - كريستال، من القيادة الامريكية المشتركة، امام الصحفيين، معتذرًا عن الهجوم الصاروخي وقتل خمسة اشخاص، وقال ان القصف تم بطريق الخطأ. ولكن حتى في اليوم التالي نفسه، قامت المخابرات الامريكية بتسريب خبر قال انه على الرغم من أن القصف بحد ذاته كان خطأ، الا انه لم يكن ثمة سبباً للاعتذار - فقد تم اعتبار الحافلة "هدفاً مشروعاً" لأنها كانت تقل فلسطينيين ومتطوعين كانوا في طريقهم الى العراق لمساعدة صدام حسين على صد الامريكيين.

من تلك النقطة فصاعدا أخذت القطيعة بالاتساع والتعمق - وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد فاجأ الجميع حين اعلن الى الأمة ان سورية تنقل عتادًا عسكريًا من اراضيها الى القوات العراقية وطالب بوقف ذلك فورًا. ثم صدرت، فيما بعد، تقارير عن امكانية اخراج بعض اسلحة الدمار الشامل من العراق واخفائها في سوريا. وقبيل انهيار النظام العراقي تزايدت الانباء عن فرار قادة حزب "البعث" والاجهزة العسكرية العراقية عبر الحدود السورية، وان بعضهم حظي حتى بمخابىء في سوريا.

قانون المسؤولية السورية

كانت لدى الامريكيين انتقادات عديدة على سورية حتى قبل الانفجار الأخير. الانتقاد الاساسي منها يتعلق بالارهاب. "بامكانك الهبوط في مطار دمشق، وايقاف سيارة اجرة والطلب من سائقها ايصالك الى مقر قيادة احد التنظيمات الارهابية. انها دولة تحتضن هذه التنظيمات ولا تخفي ذلك"، قال ريتشارد بيرل، عضو المجلس الاستشاري في البنتاغون، في حديث لصحيفة "واشنطن بوست" الاسبوع الماضي. الولايات المتحدة تشمل سورية، منذ سنوات، في لائحة الدول الداعمة للارهاب، وهي اللائحة التي تنشرها وزارة الخارجية الامريكية سنوياً. ووفقاً لوزارة الخارجية الامريكية، فان سورية تستضيف على اراضيها تنظيمات ارهابية مختلفة، بينها حزب الله، وحماس، والجهاد الاسلامي، وكذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، والجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، ومنظمة ابو موسى. ومع ذلك، تشير وزارة الخارجية الامريكية الى ان سورية اوقفت دعمها لتنظيم حزب الشعب الكردي.

القلق الامريكي الاساسي يتمحور حول الدعم السوري لحزب الله، وهو التنظيم الذي وصفه بعض السؤولين الكبار في الادارة الامريكية بأنه اخطر حتى من تنظيم "القاعدة"، والذي وصفه نائب وزير الخارجية ريتشارد ارميتاج بأنه "طاقم منتخب الارهاب". وقد حاولت الولايات المتحدة اكثر من مرة، دفع بشار الأسد الى وقف دعمه لحزب الله، بما في ذلك بواسطة طلب صريح من الرئيس ونائبه، لكنها اصطدمت بالرفض القاطع. "لا تزال دمشق تشكل نقطة عبور عراقية لأسلحة من ايران الى حزب الله"، يقول تقرير وزارة الخارجية الامريكية.

ادعاء امريكي آخر ضد سورية يتعلق بأسلحة الدمار الشامل. فقد اكدت وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي. آي. ايه) في تقرير قدته الى الكونغرس في كانون الثاني الأخير ان سورية تمتلك مخزونًا محددًا من غاز الأعصاب وانها كثفت في الآونة الأخيرة جهودها لامتلاك مواد من اجل انتاج اسلحة كيماوية اكثر قوة وفتكاً. ويقول التقرير ايضًا ان "هنالك احتمالاً كبيرًا " بأن سورية تقوم بانتاج اسلحة بيولوجية.

في الاسبوع الماضي اعلن عضو مجلس النواب اليوت انجل، من نيويورك، انه يعتزم العمل على اقرار "قانون المسؤولية السورية"، الذي وضع نصه سوية مع زميلته في المجلس اليانه روس - لايتنين، التي تتولى اليوم رئاسة اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط. هذا القانون يلزم بفرض عقوبات على سورية اذا لم تتوقف عن تقديم الدعم للتنظيمات الارهابية، واذا لم تتخل عن مشاريعها في مجال الاسلحة غير التقليدية. في العام الماضي بذلت وزارة الخارجية جهودًا واضحة لعرقلة سن القانون، لكن اصحابه يعتقدون بأن فرص فوزه بالاغلبية اللازمة لاقراره كبيرة جدًا الآن.

ولكن العلاقات بين الولايات المتحدة ليست مقتصرة على اللونين، الابيض والاسود. ففي مقابل الادعاءات العديدة، تأخذ الادارة الامريكية بالحسبان ايضًا الاعمال الايجابية التي تقوم بها سورية. اولا وقبل كل شيء، المساعدة التي قدمتها سورية الى الولايات المتحدة في اعقاب العمليات الارهابية يوم 11 ايلول 2000، وخاصة في الكشف عن شخصيات اساسية في تنظيم "القاعدة". فبناء على طلب من الاستخبارات الامريكية، قامت سورية باعتقال محمد حيدر زامار، وهو الماني من اصل سوري، بينما كان في اراضيها. كان زامار الشخص الذي جنّد محمد عطا، رئيس خلية خاطفي الطائرات، الى صفوف تنظيم القاعدة. وحسب بعض التقارير، نقلت سورية الى الولايات المتحدة معلومات قيّمة جدًا تم جمعها من خلال عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية لأحد اقرباء اسامة بن لادن.

الانجاز الأكثر اهمية في التعاون الاستخباري بين سورية والولايات المتحدة كان المعلومات التي نقلها السوريون الى الولايات المتحدة وقادت الى احباط عملية عسكرية كان تنظيم القاعدة قد خطط لتنفيذها، السنة الماضية، ضد القوات الامريكية في منطقة الخليج. وفي مقابلة له مع الصحافة الامريكية في شهر حزيران الماضي، شكا الرئيس السوري بشار الأسد من انه رغم المساعدة الكبيرة التي قدمتها سورية للولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم القاعدة، لا تزال الادارة الامريكية ترفض شطب سورية من لائحة الدول الداعمة للارهاب.

كما يذكر الامريكيون لنظام بشار الأسد ايضا، جميلا آخر: تأييده، في تشرين الاول الماضي، لقرار مجلس الامن رقم 1441 الذي مهّد الطريق لاستئناف عمل المفتشين في العراق، ومن ثم الحرب العسكرية ضد صدام حسين. حتى اللحظة الأخيرة لم يصدّق الامريكيون ان سفير سورية في الامم المتحدة يمكن ان يرفع يده مؤيدًا الاقتراح الامريكي، لكن السوريين استجابوا في اللحظة الأخيرة للضغوط الأمريكية ومنحوا الادارة الامريكية الانجاز الذي ارادت تحقيقه في مجلس الامن - المصادقة بالاجماع على مشروع القرار ضد العراق - 15 دولة مؤيدة، بدون معارضين وبدون ممتنعين. صحيح ان سورية تحولت، لاحقاً، الى احد المتحدثين الاساسيين في مجلس الأمن وفي الساحة الدولية ضد الحرب في العراق، لكن في تلك اللحظة، في تشرين الثاني، كان العديد من الدبلوماسيين الامريكيين مستعدين لتقديم الشكر لسورية على تمكينها الولايات المتحدة من استخدام تعبير "بالاجماع" مرارًا وتكرارًا، كأساس للقرار بشن الحرب.

خيبة أمل

تجد الادارة الامريكية صعوبة في صيغة سطر أخير بشأن علاقتها مع سورية بشار الأسد - فهي، من جهة، تقوم بكل ما من شأنه اثارة غضب الامريكيين، وخصوصًا في القضايا الأكثر اهمية بالنسبة اليهم. لكن لدى النظام السوري، من جهة اخرى، الكثير من آفاق التعاون الحيوي مع الولايات المتحدة مما يجعله حليفاً محتملاً في المنطقة. احداث الاسابيع الأخيرة ترجح الكفة ضد سورية، وتعتقد اوساط في العاصمة الامريكية ان المذنب في ذلك هو رئيسها بشار الأسد.

بالنسبة للأمريكيين، يشكل بشار الأسد خيبة امل. الامال التي عقدوها بأن يكون "ابو الهول الدمشقي" مستقرًا كوالده، لكن اكثر براغماتية وليبرالية منه، خابت بسرعة كبيرة. واشنطن لا تعتبر بشار الأسد شخصية قوية بما يكفي لقيادة سورية نحو التغيير، وتعتقد بأنه أسير بأيدي القيادة القديمة ويخشى المواجهة مع قدامى النظام. وعلاوة على ذلك، يتخوف الامريكيون من ان الرئيس السوري ليس متزنًا ومستقرًا مثلما كان والده، وان الطريقة التي يقود بها سورية تدل على ضعف شخصيته وعلى صعوبة في تحديد الاهداف. واذا اضيفت الى ذلك تصريحاته ذات الطابع اللا سامي التي اطلقها في اكثر من مناسبة، ونظرته الايجابية، الى درجة الاعجاب، الى زعيم حزب الله حسن نصرالله، يتضح سبب عدم وجود اصدقاء كثيرين للزعيم السوري الشاب في العاصمة الامريكية.

لكن ليست كل الابواب مغلقة. فقد وافقت الادارة الامريكية على الحوار غير الرسمي الجاري هذا العام بين سورية والولايات المتحدة، برعاية "معهد بيكر" الذي يترأسه وزير الخارجية الامريكي الاسبق جيمس بيكر. في يجولة الحادثات الاخيرة التي جرت في دمشق، بحث الجانبان قضايا التعاون الاقتصادي والعلمي، وقضايا أمنية وقضايا العلاقات الأقليمية. بين اعضاء الوفد الامريكي كان السفير السابق ادوارد جيرجيان، والسناتور ارلين سبيكتور، والسفير كريستوفر روس. اما الوفد السوري فترأسه السفير السابق في واشنطن وليد معلم، وضم ايضًا ممثلين عن وزارة الاعلام والتلفزيون السوري وشخصيات اكاديمية. الادارة الامريكية لا تعتبر قناة الاتصال هذه مع السوريين قناة ذات اهمية، لكن اوساطاً في الولايات المتحدة تشير الى ان مجرد وجودها يعكس محاولة الطرفين لبناء علاقات سليمة، وان حقيقة كون الرئيس الأسد يبارك هذه الاتصالات تدل، رغم كل شيء، على رغبته في التقرب من الامريكيين.

لكن حتى الساعة، اخلت هذه القناة غير الرسمية الساحة للتصريحات المتشددة من كلا الطرفين. الامتحان الحقيقي للعلاقات بين البلدين سيكون في الايام والاسابيع القريبة، حين تفحص الولايات المتحدة مدى تجاوب بشار الأسد مع الرسائل الحازمة التي القت اليه من واشنطن. وحتى اذا ما وجدت مشكلة المساعدات السورية للعراق حلا لها بمنع قادة النظام من الدخول الى الاراضي السورية، الا ان ثمة قضايا تبقى عالقة لتواصل تعكير الاجواء والعلاقات بين الدولتين. واكثر من هذا، فان التصريحات التي صدرت عن مسؤولين كبار في الادارة الامريكية خلال الاسبوع الماضي تدل على ان عددًا كبيرًا من صناع القرار في الادارة الامريكية يعتقد بأن نافذة الفرص لتحسين العلاقات بين دمشق وواشنطن قد اغلقت تمامًا.

(نتان غوطمان، واشنطن - هآرتس 14/4، ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

نائب وزير, بول, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات