المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كان بوسع وزير الخارجية سيلفان شالوم اثناء زيارته لواشنطن ان يتعلم درسًا في محاربة "خريطة الطريق" من عضو مجلس النواب الاميركي روي بلانت، احد رؤساء الكتلة الجمهورية والمقرب من الرئيس جورج بوش.


تحالف "بلانت" اخيرًا مع توم لنتوس زعيم الاقلية الديمقراطية في لجنة الخارجية المنبثقة عن الكونغرس، في نطاق تحرك مشترك يهدف الى احباط وعرقلة الخطة المذكورة. حتى ان رجالات اللوبي اليهودي (ايباك) الذين يحاولون تبصير اعضاء الكونغرس بالعيوب والثغرات التي تنطوي عليها الخطة (اي خريطة الطريق) لم يتوقعوا تلقي مثل هذا الدعم والتآييد القوي لموقفهم.

وكان بلانت ولنتوس قد شرعا أخيرًا في جمع تواقيع زملائهم على رسالة (مذكرة) تعفي اسرائيل حتى اشعار آخر من اي مسؤولية عن تغيير الوضع في الاراضي الفلسطينية، سواء فيما يتعلق بتخفيف القيود المفروضة على الحياة اليومية للسكان المدنيين الفلسطينيين او بالنسبة لتجميد انشطة الاستيطان التوسعية، حيث خلت المذكرة تمامًا من اي اشارة في هذا الصدد. وقد كتبا في مذكرتهما انه "يتعين على الفلسطينيين تلبية مجموعة من الشروط قبل ان يبدأوا برؤية تحقق تطلعاتهم السياسية، وقبل ان نتوقع من اسرائيل القيام بخطوات ملموسة". والشروط المطروحة هنا هي نفس الشروط المعتادة: "وقف الارهاب"، والشفافية في الادارة العامة، والاصلاح الجذري في أجهزة الامن الفلسطينية.

هذه الرسالة (المذكرة) تشكل تزويرًا ونقضًا لتصريحات كل من وزير الخارجية الاميركي والمستشارة لشؤون الامن القومي بعدم إجراء اي تعديلات على "خريطة الطريق". فهي (اي الرسالة) تطالب الرئيس الاميركي باستبعاد او اسقاط المبدأ الأساس الذي تقوم عليه "خريطة الطريق" وهو الجدول الزمني لانسحاب قوات الجيش الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية، وإقامة دولة (فلسطينية) مؤقتة والشروع في مفاوضات حول التسوية الدائمة.

ويتبنى كاتبا الرسالة موقف ارئيل شارون القاضي بضرورة ان يتم الانتقال من مرحلة الى مرحلة اخرى فقط استنادا الى "اختبارات التنفيذ". ولإزالة اي شك او لبس يؤكد بلانت ولنتوس في رسالتهما على معارضتهما انتداب المراقبين من طرف "دول او هيئات معينة قد تحد من فرص التقدم نحو السلام". والمقصود هنا بطبيعة الحال هم الاوروبيون والروس والامم المتحدة، شركاء الولايات المتحدة في "اللجنة الرباعية". ويجري الان ايضًا جمع تواقيع اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي على رسالة (مذكرة) اعدت بصيغة مشابهة جدًا للرسالة المذكورة.

وقد انتهز آلاف الناشطين في منظمة "ايباك"، الذين قدموا الى واشنطن لحضور الاجتماع السنوي للمنظمة الموالية لاسرائيل، هذه الفرصة لـ "غزو" مقر الكونغرس بغية "حث" اعضاء مجلس النواب والشيوخ على التوقيع على الرسالتين. واذا ما تم جمع عدد كافٍ من التواقيع، فان هاتين الرسالتين قد تتحولان الى شهادات وفاة لـ "خريطة الطريق "الاميركية.

سياسة الكانتونات او "المعازل"

إحدى المسائل التي سيبحثها ممثلو اللجنة الرباعية في اجتماعهم (الخميس 3/4) في بروكسل توصف من جانب هؤلاء بأنها مسألة "العوالم الصغيرة السبعة" (المقصود هنا سياسة الكانتونات التي تمارسها اسرائيل في تقسيم المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية). احد الدبلوماسيين الغربيين الذين يتابعون الموضوع عن قرب قال ان هذا الوصف ادق واقرب الى طريقة الـ "هوم لاندز" التي اتبعت في جنوب افريقيا سابقًا. فقد تحولت كل مدينة من مدن الضفة الغربية (باستثناء اريحا) الى مايشبه المحمية الواقعة تحت رحمة القائد العسكري المسيطر عليها.

وقد بدأ كل ذلك باعلان رسمي من جانب اسرائيل عن وقف التعاون بين مكاتب التنسيق والارتباط الاسرائيلية وبين السلطة الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين تجري كافة الاتصالات على المستوى المحلي بين قادة الجيش الاسرائيلي ورؤساء بلديات المدن والمؤسسات المدنية المستعدة للتعاون مع السلطات الاسرائيلية.

وكما هو الحال في اي احتلال فان الشائعات حول المتعاونين تنتشر بسرعة، كما ان كل ضابط برتبة مقدم يغدو "ملكاً"، بيمنا تسود سياسة العصا والجزرة في كل مكان، عوضًا عن التقسيم الى مناطق خاضعة لسيطرة اسرائيلية كاملة (ج) واخرى لسيطرة فلسطينية مدنية (أ) و (ب).

الوزراء الاسرائيليون الذين يريدون التنصل من المسؤولية عن فظائع الاحتلال، هم الذين يتشبثون فقط بذريعة ان "الحديث يدور عن منطقة تخضع لمسؤولية امنية فلسطينية – منطقة (أ) – ولذلك ليس لوزراتي اي صلة بالامر"، حسب ما ورد في الرد الذي ارسلته وزيرة التعليم ليمور ليفنات الى حركة "غوش شالوم" بعد شهرين من توجه هذه المنظمة بطلب الى الوزيرة كي تحول دون هدم روضة اطفال في احدى القرى الفلسطينية الصغيرة (عقابا) قضاء جنين.

وكانت الادارة العسكرية الاسرائيلية قد قررت هدم مبنى روضة الاطفال بدعوى انه اقيم دون ترخيص في منطقة تخضع لسيطرة اسرائيلية كاملة ... ؟!

من الذي سيستفيد من ارباح الاعمار ؟!

في الوقت الذي يخاطر فيه جنود اميركيون بحياتهم في ساحات وميادين القتال في العراق – واحياناً يقتلون بطريق الخطأ نساء واطفالا - يجلس اميركيون اخرون في مكاتبهم الدافئة في واشنطن منهمكين بِعدِّ الدولارات... فكل بناية عامة يدمرها القصف في بغداد، وكل جسر ينهار على الطريق الموصل الى البصرة، يدغدغان جيوبهم. فالذي يدمر في المساء، يستعد لاإعادة الاعمار في الصباح، وبمقدار ما يكون الخراب والدمار كبيرين، بمقدار ما تكون المنافع كبيرة ووفيرة (حسب منطقة ورغبة هؤلاء الاميركيين انفسهم). فالتنافس على العطاءات (عطاءات اعادة اعمار العراق) بلغ أشده.

مؤخرًا تلقت نخبة من الخبراء الاسرائيليين في مجال البنى التحتية رسائل بالبريد من شركة اميركية – - Chemonics International توجد مكاتبها في شارع 25 بواشنطن. وقد عبر اصحاب الرسالة عن سرورهم لإشراك الخبراء الاسرائيليين ضمن فريق مهمات تعكف الشركة الاميركية في هذه الايام على تشكيله، تمهيدًا لإرسالة الى العراق لإعادة إصلاح وإعمار البنى التحتية بعد انتهاء الحرب المشتعلة هناك. وجاء في الرسالة ذاتها ان الشركة قدمت عرضا لشركة التخطيط panson وانها تنتظر الفوز بالامتياز المرتقب وصوله حال انتهاء الحرب، وانه طلب منها لهذا الغرض البحث عن خبراء في مجالات الشوارع والجسور والمباني العامة وسكك الحديد والكهرباء والمياه وشبكات الصرف والري وكذلك في مجالات تمويل وتنظيم قوى بشرية.

وحسبما نشر أخيرًا في صحيفة "هآرتس" فان ثمة شركات اسرائيلية تعلق آمالاً على الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين (لتنال حصتها من غنائم ما بعد الحرب..). وكان النبأ (الذي نشرته هآرتس) حول طلب وزير البنى التحتية الاسرائيلي يوسيف فريتسكي، جمع معلومات عن انبوب النفط القديم بين الموصل وحيفا بهدف تفحص امكانية إعادة تشغيل هذا الخط، أثار الانتباه في المحيط الشرق اوسطي.

مع ذلك فان النفط ليس بالموضوع الوحيد، بل هناك مواضيع كثيرة تشغل في هذه الايام اهتمام العديد من الاوساط والمحافل الاسرائيلية المهتمة بامكانية الافادة من الاحتمالات الجديدة التي قد تنشأ في عراق ما بعد الحرب، والتي يمكن لاسرائيل والاردن التعاون في صددها. وتقدر محافل في القدس الغربية وعمان ان قيام نظام حكم موال لاميركا على الجانب الاخر من الحدود الشرقية للاردن سيؤثر على علاقات المملكة مع جارتها على الحدود الغربية (اسرائيل).

(هآرتس، 3/4، ترجمة: "مـدار")

المصطلحات المستخدمة:

الكتلة, ايباك, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات