المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لم تكن هناك حاجة للانتظار حتي اندلاع عملية التهجم الكلامية بين ولي العهد السعودي والقذافي السبت في شرم الشيخ، حتي ندرك عمق الشرخ القائم بين الدول العربية في قضية العراق. كما ان الجرأة الكبيرة التي أبداها حاكم احدي الامارات الخليجية عندما طرح مبادرة تطالب صدام حسين وأتباعه بمغادرة العراق كانت مجرد تعبير علني عن التصورات والمواقف السائدة منذ مدة بعيدة قبل القمة الحالية.


انقسام الآراء هذا كان المسبب الأساسي الذي دفع حسني مبارك الي تأجيل فكرة عقد قمة طارئة، هذا الاقتراح الذي تراجع عنه إثر الانتقادات العلنية التي صدرت عن القادة العرب.

القمة العربية التي تأرجحت بين الموقف السوري المتطرف المطالب بمنع تقديم كل مساعدة لوجستية وغيره لامريكا في هجومها علي العراق وبين موقف الامارات الخليجية التي تدعو الي رحيل صدام، هذا الاقتراح الذي لم يتم بحثه بالمرة. القمة تأرجحت ايضا بين وصف القذافي للأمير عبد الله بالكذاب والمحاولة المصرية للمناورة بين دعم الولايات المتحدة وبين منع حدوث الحرب. القمة نجحت في أقصي الاحوال في ايجاد قاسم مشترك متدن جدا وغير ناجع من ناحية الدول العربية.

الاتفاق علي معارضة الحرب ضد العراق ومنع المس بوحدة الاراضي العراقية والبند التنفيذي شكليا الذي ينص علي ان لا تشارك الدول المجاورة للعراق في أي عملية عســـكرية ضده، لا تستطيع ان تلبي مطالب الجماهير العربية التي تطلب قرارات حازمة بروحية الموقف السوري.

بذلك فشلت القمة في تحقيق الهدف والمهمة التي اجتمعت من اجلها. ومن الناحية العملية لا يوجد لهذا القرار معني ذلك لان أي دولة عربية لا تنوي المطالبة باخراج القوات الامريكية من اراضيها. أقوال بشار الأسد بأنه من لا يستطيع منع تحرك القوات الامريكية علي اراضيه لا يستطيع ان يكون صاحب قرار أو سيادة لم تؤثر في قادة الدول العربية كثيرا. ايضا قرار تشكيل وفد مساع واقناع يُرسل الي العراق وواشنطن واوروبا ليس قرارا ذا وزن لان اعضاء اللجنة سيكونون لبنان والبحرين وتونس وعمرو موسي، وليسوا قادة ذوي وزن ومكانة.

في هذا السياق طرح وزير الخارجية البحريني التلخيص الجدير بالموقف وقال ان الدول العربية نفسها لا تستطيع ان تحول دون حدوث الحرب . وهكذا تبين ان هذه القمة التي قدمت الدعم للعراق قد تتحول الي قرار حاسم في مصير الجامعة العربية كجسم سياسي موحد قادر علي طرح موقف عربي عملي ومؤثر. اجتماع الجامعة ربط موقف الدول العربية مع مواقف الدول الاوروبية وروسيا والصين، وبذلك منح قادة العرب حق اتخاذ القرار بشأن عربي الي الحوار الاوروبي ـ الامريكي الدائر وتركوا انفسهم في موقف المتفرج.

القمة العربية عولجت بطريقة عربية قال المحلل المصري مصطفي الفقيه، وأضاف حاولنا إرضاء الجميع بدلا من طرح موقف عربي أصيل وجديد. كان علينا ان نقول للرئيس العراقي ماذا عليه ان يفعل، وكان علينا ان نناقش المسألة كقوة دولية وليس كقوة اقليمية .

من ناحية الولايات المتحدة لا يوجد لقرارات الجامعة العربية معني مقيد لتحركاتها، لا عسكريا ولا سياسيا. آداب اللياقة ستدفع واشنطن لاستقبال وفد المساعي العربي، الا ان بوش يرتكز علي موقف الامارات الخليجية الداعم الذي يشبه موقف واشنطن، وعلي السعودية ومصر والاردن والكويت الذين طالبوا العراق بتلبية قرارات مجلس الامن بدقة. مشكلة واشنطن ستبدأ عندما تبدأ الحرب وربما قبلها ايضا في ظل اضطرار الجمهور العربي المحبط من قرارات القمة الي فرض سياسة خاصة به. سياسة تهدد استقرار الأنظمة الحاكمة في الدول العربية. التحدي الاهم من ناحية الخطوة الحربية وجد أمس في تركيا بالذات، التي لم تنجح بعد في اقناع برلمانها للمصادقة علي انتشار اكثر من 60 الف جندي امريكي في اراضيها. فالاغلبية الفنية التي حظيت بها توصية الحكومة التركية لم تكن كافية من ناحية الدستور الذي يطالب بأغلبية 267 مؤيدا كي يقر القرار ـ اي نصف اصوات الاعضاء الحاضرين اضافة الي صوت آخر. هذه الفجوة ليست فقط تعبيرا عن فشل فني بل انعكاس لموقف جماهيري جوهري يقضي بأن قرابة 90 في المئة من مواطني تركيا يعارضون الحرب. وفي هذا السياق من المهم الاشارة الي ان 93 نائبا برلمانيا علي الاقل من حزب العدالة والتطور، حزب السلطة، صوتوا ضد مبادرة حكومتهم.

ويجري البرلمان تصويتا آخر يوم الثلاثاء والتقدير هو انه حتي ذاك الوقت سينجح رئيس الوزراء التركي في اقناع مندوبين آخرين للتصويت في صالح القرار الذي يحسم امكانية استخدام واشنطن لجبهة اخري في شمالي العراقي.

واذا كان حتي نهاية الاسبوع التقدير بأن الحكومة ستنجح في تمرير القرار حتي ولو بأغلبية طفيفة، فانه اطلق امس الاول مندوبون اتراك كبار تخوفاتهم من ان التصويت القادم من شأنه ان يكون اسوأ الامر الذي يضع تركيا في خطر الشرخ مع الولايات المتحدة، الي جانب فقدان رزمة هائلة من المساعدات التي حققتها تركيا وحرمان تركيا من الدور في تصميم مستقبل العراق. والمعني من ناحية الولايات المتحدة من شأنه ان يكون تأجيلا اضافيا للخطوة الحربية وذلك من أجل نقل مزيد من القوات الي الخليج بدل البدء في انتشار الجبهة في الشمال.

(تسفي برئيل، هآرتس، 2 آذار)

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات