المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أخط هذه الرسالة في رأسي منذ أشهر طويلة، لأصدقائي في "ميرتس"، منذ أن قلت ما قلتُ أمامكم وتركت "ميرتس" بحزن. اليوم، والفشل الانتخابي لليسار من ورائنا، قد يكون فيما سأقوله إقتراح لقاعدة أمل جديد للمستقبل.يتحدثون عن حساب النفس في اليسار، وقد سمعت أصواتًا تقول وكأن الخطأ كان في إنعدام التصميم المطلوب، ضد الاحتلال وضد حكومة شارون، وكأنه من الواضح أن اليسار صادق، والآن ما تبقى هو طرح مواقف أكثر راديكالية وبمثابرة أكبر، وفي النهاية سيفهم الجميع. هذا هو الخطأ الأكبر على الاطلاق. الحرب لم تنشب لأن شارون أصبح رئيس حكومة، بل على العكس، شارون أنتخب بسبب الحرب.

خطيئتنا الكبرى هي أن السعي نحو السلام بأي ثمن تقريبًا، أعمانا عن رؤية الحقيقة، أن الثمن الذي تُطالب إسرائيل بدفعه هو غير محتمل، والمردود غير كافٍ. اليسار، الذي امتنع عن الاعلان بشكل قاطع أن العقبة الأساسية اليوم في طريق السلام هي الموقف الفلسطيني، نجح في أن يصنع للسلام والتسوية ما نجح الحريديم في صنعه لليهودية. الجمهور اليهودي يقول لنفسه إنه ما دام هذا وجه معسكر السلام، فشكرًا، لا، سنتدبر أمرنا كما نحن؛ إذا لم يكن بُدٌ فشارون أفضل على الرغم من نواقصه وخطاياه. خطأنا لم يكن في دعم براك ضد عرفات أو في المعارضة الخفيفة جدًا لسياسة إسرائيل في السنتين الأخيرتين، بل على العكس، بالتنكر للجمهور الاسرائيلي في الهجمة الارهابية التي يخضع لها.

الحرب المشتعلة منذ سنتين هي حرب بدأها الطرف الفلسطيني في محاولة للحصول على تنازلات إضافية من طرف إسرائيل، زيادة عن تلك التي كان براك مستعدًا لـ "بلعها"، أو الحصول على دولة من دون الالتزام بالسلام. صحيح، هدف إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية هو هدف عادل، لكن في الحساب الكلي، فإن الحرب التي يديرها الفلسطينيون هي حرب غير عادلة. مقابل ذلك، مع كل الأخطاء والخطايا لحكومة إسرائيل، فإن الحرب التي تديرها إسرائيل هي حرب عادلة. وعلى الرغم من أن الكثيرين في اليمين فرحون بأن الحرب تمكّن من إستمرار الاحتلال والاستيطان، إلا أن هذه الحرب ليست حرب سلامة المستوطنات أو حربًا لتكريس المستوطنات. كان يمكن إنهاء هذا عن طريق مفاوضات سياسية، لأن الغالبية في إسرائيل كانت مستعدة للموافقة على ذلك. هذه حرب ضد من كسر أهم ما في إتفاق أوسلو، وهو تبديل المحادثات السياسية بالارهاب والنار. هذه حرب ضد حق العودة إلى إسرائيل، الذي يعارض صيغة "دولتين لشعبين".

لو وقفت "ميرتس" بشكل قاطع في هذه الحرب مع إسرائيل، وأوضحت للفلسطينيين أن اليسار الاسرائيلي أيضًا غير مستعد لقبول محاولة إخضاع مواطني إسرائيل بحرب إستنزاف إرهابية، لكان توفر المكان لطرح نصائح حول إمكانيات الحوار بالرغم من كل شيء، ما الذي يجب فعله بشكل آخر، وغيرها من الأمور.

لكن "ميرتس" تؤمن بأن الفلسطينيين يحاربون حربًا عادلة، "حرب تحرير الشعب الفلسطيني"، بينما في الحقيقة هم يحاربون من أجل حق العودة إلى إٍسرائيل، ما معناه القضاء على دولة إسرائيل. ومن جهة ثانية، "ميرتس" لا تؤمن بأن إسرائيل تدير حربًا عادلة. الكثيرون في "ميرتس" يفهمون رفض الجندية، ويضعون أنفسهم بهذا على هامش المعسكر. "ميرتس" تلقي بالمسؤولية عن التدهور تباعًا، على الحكومة الاسرائيلية، من خلال نقد الارهاب الفلسطيني، ولكن ليس من خلال نقد الحرب الفلسطينية كلها، ولذلك توقف الجمهور الواسع، وبحق، عن الاصغاء لـ "ميرتس".

الأفكار التي بدأت بالخروج في الجانب الفلسطيني، عن وجوب وقف العمليات التفجيرية ربما، لا تنبع من نشاطات "معسكر السلام" الاسرائيلي، وإنما بالعكس. وقوف المجتمع الاسرائيلي الحاسم، بالسلاح أيضًا، ضد محاولة تركيعه، هو "الحائط الحديدي"، الذي قد يهيئ ربما لفرصة ما لسلام بعيد الأمد. في نهاية المطاف، سنعود، مع بعض الزيادة أو النقصان، إلى مسار كلينتون، بما في ذلك تسوية كبيرة في القدس. لكن اليسار، في مساعدته للفلسطينيين في تضليل أنفسهم بأن قليلا آخر من الضغط سيساعد في إحراز تنازلات إسرائيلية أخرى، هو أحد العوامل التي تبعد السلام.

وأنا، الذي لا زلت أومن بالسلام وليس بالخطوات أحادية الجانب، وغير مستعد للموافقة على العنف الفلسطيني بدعوى أنهم يحاربون من أجل التحرر من الاحتلال فقط، أنا لم أصوت لـ "ميرتس" هذه المرة.

• الكاتب من مؤسسي "ميرتس" ومن واضعي برنامج الحزب.

(هآرتس، 3 شباط)

ترجمة: "مدار"

المصطلحات المستخدمة:

معسكر السلام, حق العودة, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات