المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نتلقاها مرة كل عقد من الزمن. هذه المرة ايضاً لم تخطىء الجدول الزمني الاسرائيلي. من دون الأخذ بالحسبان انتفاضتين وحرب استنزاف خرجت عن العدّ، ها هو الجرس يقرع مرة اخرى اليوم ـ غدا ـ بعد غد في عقد جديد بعد حروب 1948، 1956، 1967، 1973، 1982، 1991. وبانزواء الشعب في غرفه المحكمة الاغلاق، في اجواء الوحدة التي لا شيء مثل الحرب يخلقها ويشيعها، يبدو أن الخوف منها ليس اكبر من الخوف من تأجيلها.الطريقة الاشكالية التي تسلسلت بها التحضيرات للحرب، لا تسمح الان بالادعاء ضد نشوبها. ان تعيد الولايات المتحدة الى البيت مئات آلاف الجنود مع كل الحمولات الهائلة التي حشدتها ضد صدام؟ مَن مِن دعاة الحضارة الغربية يستطيع السماح، اليوم، باهانتها؟ من سيجرؤ - باستثناء فرنسا السافلة وشبيهاتها التي ورثت لقب العار التاريخي لبريطانيا، "انكلترة (ألبيون) الخائنة".

البيت الأبيض فتح امام العالم قناة واحدة اوصلت الىانذار فريد ونادر من نوعه: انه عد تراجعي حتى انقضاء الوقت المتاح للقوة المهاجمة، ليس اقل من تحديد مهلة للعدو. الدولة العظمى الامريكية لا تستطيع السماح لنفسها، بعد، بعدم الضغط على الزناد. الحرب - وليس السياسة، وفق نصيحة كلاوزفيتش القديمة - هي استمرار للحرب السابقة.

من المؤسف ان الدولة الأعظم لم تنجح في اعداد القضية دبلوماسيًّا بطريقة افضل. جي لنو، نجم البرامج الليلية الامريكي، امتدح في الاسبوع الماضي جورج بوش على نجاحه: في جعل صدام يدمر الصواريخ قبل ان تهاجمه الولايات المتحدة. معارضو الحرب ومنتقدوها ايضا كان من الممكن ان يدعموا واشنطن، لو اعطتهم طرف خيط: اثباتات على تطوير سلاح نووي، بينات وقرائن قاطعة على وجود مخازن لأسلحة كيماوية وبيولوجية. المسؤولية الأمريكية في هذا الموضوع جسيمة جداً، لأنه، مع غياب ذلك "الشيء الاضافي" لادعاءات الولايات المتحدة، خلقت دبلوماسية بوش ازمة خطيرة في صفوف الغرب الذي تهب لإنقاذه.

امريكا تخرج اذن الى حرب اختيارية، بعد ان خلقت لها ظروف اللا خيار واللا مفر. ثمة في هذا ما هو مألوف للأذن والعين الاسرائيليتين. لا عجب، كما لاحظ كثيرون، ان النقد في اسرائيل ضد الحرب كان الأقل والأخفض من بين الدول الحليفة لواشنطن. ذلك ان صدام هو كاره اسرائيل، حتى لو لم يشكل تهديدًا امنيًا حقيقيًا لنا. لكن ليست هناك اية ثقة او تأكيدات بأن العالم بعد حرب العراق الثانية سيكون افضل مما هو اليوم للمصلحة الاسرائيلية الحقيقية - خلافا للمصلحة وفق ائتلاف شارون. في السنة الاخيرة، لم يبد بوش ورهط مستشاريه الكبار اصرارًا على جلب التغيير الايجابي الوحيد لنا في هذه المنطقة: تسوية القضية الفلسطينية. حتى تلك "الخبطة" المفاجئة عشية الحرب، ذلك البيان الذي جاء تحت ضغط دولي بشأن أهمية خارطة الطرق، لم يبدد الشكوك والتخوفات.

في هذه الأيام المجنونة لم يبق الا تمني النجاح لأمريكا. الكثير من "ربما" و "اذا" تلتصق، بالضرورة، بتمنيات النجاح هذه. المقابل، قبل تدهور آخر مع الفلسطينيين، مرهون بالسؤال ما اذا كان بوش سيفضل، بعد الحرب، اعتماد الجرأة الدبلوماسية على اعتبارات انتخابه للرئاسة مجددًا. ليس من الواضح ما اذا كان عراق مهزوم سيؤدي الى تغيير في المنطقة يفوق ما فعله تبخير نظام الطالبان من اشفاء للحلبة هناك.

هذه ليست حربنا نحن. لكن امريكا التي تخوضها هي سندنا الدولي الاساسي. ولو لهذا السبب فقط، يجب علينا اليوم ان ندعمها.

("هآرتس" ـ 19/3، ترجمة: "مـدار")

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات