المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب: محمد دراغمة
رغم إحساسه وإدراكه لصحة التحذيرات التي يطلقها الكثيرون عن مدى خطورة حكومة شارون اليمينية - الدينية الجاري تشكيلها، والتي أقل وصف يطلق عليها هو أنها "حكومة حرب"، إلا أن الشارع الفلسطيني لا يظهر مخاوف زائدة تجاهها.

فالفلسطينيون الذين جربوا خلال ما يربو على عامين ونصف العام الماضيين مختلف أنواع الحكومات <المحتملة> في إسرائيل، لم يلمسوا على أرضهم وعلى أجسادهم فرقاً كبيراً بينها.

فحكومة العمل برئاسة إيهود براك، من النصف الثاني من العام 99 إلى النصف الأول من العام 2001، والتي أشاع تشكيلها آمالاً كبيرة بالتوصل إلى حل تاريخي للصراع العربي -الإسرائيلي برمته، لم تكن أكثر رأفة بهم حينما خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على زيارة شارون المشؤومة للحرم الشريف.

وجاءت <حكومة الوحدة> بين <الليكود> و <العمل> بقيادة شارون، والتي استمرت زهاء "20" شهراً، لتبدو كأنما تكمل المهمة التي بدأتها الحكومة الأولى.

وعقب انفراط عقد هذه الحكومة، والإعلان عن تبكير موعد الانتخابات العامة، جرب الفلسطينيون لعدة أشهر حكومة <ليكودية> صرفة، يقف شارون على رأسها، وعلى يمينه، في وزارة الخارجية، بنيامين نتنياهو، وعلى يساره وزير دفاعه شاؤول موفاز، دون أن تترك هذه الحكومة علامات فارقه تميزها عن <حكومة الوحدة الوطنية> السابقة.

واليوم يستقبل الفلسطينيون حكومة يمينية - دينية، يقف على رأسها شارون ومن على يمينه حزب <المفدال> بقيادة إيفي إيتام، المُطالب بالتوسع في الاستيطان دون توقف، ومن على يساره حزب <شينوي> بقيادة طومي لبيد، المُطالب بعدم التحدث مع الفلسطينيين ما دام ياسر عرفات على رأسهم.

ومن غير المستبعد أن ينضم لهذه الحكومة حزب <الاتحاد الوطني اليميني> المتطرف، الذي طالما طالب زعيمه فليدمان بقصف السد العالي في أسوان، والقصر الرئاسي في دمشق، ومقر الرئيس عرفات في رام الله..!

وتوحي هذه التشكيلة بمخاطر جمة على الفلسطينيين ليس اقلها مواصلة الاستيطان، وتصعيد العدوان الدموي على الشعب الفلسطيني، واستكمال احتلال ما تبقى من أراضي السلطة الوطنية في غزة، علماً أن الفلسطينيين لم يشعروا منذ اندلاع الأحداث في أيلول عام 2000 أن هذه الأهداف قد تزحزحت قليلاً عن كاهلهم.

يقول الدكتور جمال زحالقة عضو الكنيست عن حزب <التجمع الوطني الديمقراطي> برئاسة عزمي بشارة: <كما في الحكومة السابقة، هناك شخص واحد يقرر في هذه الحكومة، وهو أرئيل شارون>.

لذا فإن النائب العربي الجديد في الكنيست الاسرائيلي يتوقع <أن تواصل الحكومة الجديدة نهج سابقتها، مع استغلال أية مستجدات ملائمة للمزيد من العدوان على الفلسطينيين>.

وهذا ما يراه أيضاً عضو الكنيست عصام مخول من <الجبهة الديمقراطية للسلام والمواساة>، الذي يقول ان <المعبر الأكبر عن سياسة هذه الحكومة هو ما يجري على الأرض اليوم من اجتياحات وأعمال تدمير واسعة في غزة ونابلس>.

ويضيف: <ستواصل هذه الحكومة عدوانها المتدحرج على الشعب الفلسطيني، وستعمل على سد الطريق أمام الخيار السياسي، وتحويل الوضع القائم إلى حالة دائمة في العلاقة مع الفلسطينيين>.

وكان شارون أطلق خلال حملته الانتخابية، وأثناء حواراته مع حزب العمل لضمه للحكومة، وعوداً بالتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين على أساس خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في حزيران الماضي (<مسار بوش>) وكذلك خطة <خريطة الطريق>.

وارتكز خطاب بوش، والخطة المذكورة على إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، مقابل اشتراطات أمنية وسياسية عديدة.

لكن شارون الذي تميز خلال العامين الماضيين من حُكمه بالدهاء والمناورة، عاد مؤخراً وبدد ما صدر عنه، عندما أعلن عن وضع مائة تعديل على <خريطة الطريق>.

ويبين حجم هذه العقبات التي وضعها شارون أمام <خريطة الطريقد عدم تبنيه لطريق أخرى غير طريق الحرب.

يقول الدكتور جمال زحالقة: <شارون لا يريد التوصل إلى أية اتفاقات، وكل ما يسعى إليه هو ترتيبات مؤقتة للفلسطينيين في الساحة الخلفية لدولة إسرائيل تدوم لفترة طويلة تمتد من 10-15 عاماً>.

ويرى زحالقة أن <خريطة الطريق> لم تكن سوى غطاء لتمرير الوقت لحين ضرب العراق، مستبعداً حدوث أي ضغط أمريكي على شارون في تطبيق هذه الخطة وفي غيرها.

وتبدي أوساط واسعة هنا وفي الخارج تخوفها من استغلال شارون لظروف الحرب الأمريكية المرتقبة على العراق للقيام بتصعيد كبير في حربه على الفلسطينيين، من قبيل القيام بعمليات هدم وتهجير في بعض المواقع.

ويحذر الكثيرون من قيام شارون باستغلال الوضع الناشئ عن الحرب للقيام بتهجير أهالي 11 قرية فلسطينية تقع خلف السور الفاصل الجاري إقامة المرحلة الأولى منه، والتي تمتد بطول 110 كيلومترات تمتد من قرية <تعِنـِّك> في محافظة جنين شمالاً وحتى قرية <خربة جبارة> في محافظة قلقيلية جنوباً، مروراً بمدينة ومحافظة طولكرم.

ويقول عصام مخول: <لا أحمل بشائر للفلسطينيين في وضع كهذا، والمسألة ستتوقف على الصورة الإقليمية، فأي عدوان على العراق، يعني زيادة في تصعيد العدوان على الشعب الفلسطيني>.

غير أن المساحة المتاحة أمام شارون وحكومته للعمل هذه المرة ستكون مقيدة بوجود حزب المعمل في المعارضة، إلى جانب مواجهتها لقدر أكبر من التناقضات الداخلية بين اليمين المتطرف والأكثر تطرفاً، وبين مجموعة شارون في حزب <الليكود> ومجموعة نتنياهو، التي تفيد الأنباء بأنها – أي مجموعة نتنياهو - بدأت تعد العدة، بالتعاون مع أحزاب أخرى مثل حزب <شاس>، للانقضاض على شارون في الوقت المناسب وإسقاطه.

ويقول مخول: <إذا صمد زعيم حزب العمل عمرام متسناع أمام ضغوط شمعون بيرس وبنيامين بن اليعيزر وبقي في المعارضة، فإن شارون سيواجه معارضة ذات قاعدة عريضة، وهو أمر مختلف عما واجهه أثناء حكومة الوحدة الوطنية التي اعتمدت على قاعدة كبيرة بلغت 85 عضواً>.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات