المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب: محمد دراغمة
وقفت فايزة هلال (56) عاماً، تبكي أمام منزلها الذي تحول إلى أنقاض في لحظة واحدة بعد أن فجّره جنود الاحتلال خلال حملتهم المتواصلة في حي القصبة بمدينة نابلس منذ الأربعاء الماضي.

<<تشردت عائلي ولم يبقَ لنا مكان يجمعنا ويأوينا>>، قالت فايزة، وقد تحلق حولها جمع من نسوة الحي لمواساتها.

وأسرة هلال واحدة من عدد غير محصور من الأسر التي شردتها قوات الاحتلال بعد أن هدمت مأواها في حي القصبة المعروف باسم البلدة القديمة.

وقالت فايزة: <<وزعنا أنفسنا على منازل الجيران، فليس ثمة بيت واحد قادر على احتوائنا معاً، ونحن ثمانية أفراد>>.

وكانت قوات الاحتلال وصلت إلى هذا البيت الواقع في حارة النوبانة في شارع الحدادين صباح أمس، وقامت بزرع المتفجرات فيه وتفجيره من الداخل دون سبب.

وقد أدى تفجير هذا البيت الواقع في الدور الثاني من بناية من طابقين إلى انهيار البيت المقابل له والعائد لعائلة الشهيد هشام الحوح.

وتحولت جميع محتويات البيتين إلى ركام تحت الأنقاض..

وتقوم قوات الاحتلال منذ فجر الأربعاء الماضي بعملية واسعة ضد أهالي البلدة القديمة أطلقت عليها اسم <تنظيف من الجذور>.

وروى الأهالي أمس لـ "الأيام" عن عمليات قتل ميداني في الشوارع وهدم وتشريد وترويع يقوم بها مئات الجنود الذين يحتلون هذا الحي الذي يزيد عدد سكانه عن الأربعين ألف نسمة. وقالت الهام الحوح التي هدم بيتها، وشردت عائلتها المكونة من 12 فرداً، بأن الجنود دهموا البيت في الحادية عشرة من صباح أمس، واعتقلوا أبنائها الثلاثة، قبل أن يفجروا البيت ويحوله إلى ركام.

وقالت الهام: <<عندما طرقوا الباب، أسرعت إلى فتحه خشية أن يقوموا بتفجيره، كما فعلوا في عشرات البيوت الأخرى، وما أن دخلوا حتى بادروا بالسؤال: "أين السلاح، أين الإرهابيين"؟ فأجبتهم: ليس لدينا سلاح ولا إرهابيون، أنا أعيش هنا مع أبنائي، ولا هَمَّ لنا إلا الركض وراء لقمة عيشنا..>>.

وتضيف قائلة: <<اقتحموا البيت بسرعة وحذر، وجمعوا أبنائي الثلاث سميح وصلاح وسامي، وقيدوا أيديهم إلى الخلف، وانهالوا عليهم ركلاً، وعندما اعترضت على ذلك قائلة: حرام عليكم، لماذا ترضبونهم، قام أحدهم بركلي بعنف في ظهري>>.

<<وبعد تفتيش كل قطعة أثاث ولباس في البيت، أخرجونا منه، وفجروه من الداخل>>، قالت إلهام.

وتطال عمليات التفجير والهدم الجارية في نابلس القديمة البيوت والمعامل والمحال التجارية على السواء.

وأدى انفجار في باب معمل لصناعة الصابون في حارة القيسارية إلى تدمير جميع محتوياته. وشوهدت أمس عشرات أوعية المواد الخام، وقد تفجرت في المعمل، فيما كانت المياه تتدفق من أنبوب يبدو أن الانفجار قد طاله.

وتحولت هذه المدينة التي يزيد عمرها عن الثلاثة آلاف سنة، إلى مدينة أشباح وخرائب بعد أربعة أيام من عمليات التفجير والتخريب المتعمد التي طالت كل جزء فيها.

وتقوم طواقم البلدية بإغلاق عشرات وربما مئات المحال التجارية والمعامل التي جرى تفجير أبوابها.

ولا يعرف أهالي المدينة أي معيار يستخدمه الجنود في اختيارهم للبيوت التي يقومون بتفجيرها.

وقالت رولا شومان الناشطة الاجتماعية في الحي بأن الجنود يقومون، فيما بدا لنا، باختيار عينات عشوائية لهدمها.

وذكرت بعض العائلات أن الجنود يهدمون أي شيء لمجرد الشبهة.

وقالت زوجة المواطن عمار دروزه بأن الجنود هدموا بيتها لمجرد وجود خزان مياه داخلي فيه.

وأدى هدم هذا البيت الواقع في بناية من طابقين إلى إلحاق أضرار بالغة في البناية التي لم تعد صالحة للسكن.

وقد اعتقل عمار وشقيقه أصيل الذي يسكن في الطابق الأول، شأنهم شأن جميع سكان الحي. ففي جميع الحالات يقوم الجنود باعتقال الرجال من سن السادسة عشرة وحتى الستين، ويسوقوهم إلى مراكز الاعتقال في معسكر حوارة أو في نقاط عسكرية داخل مدارس المدينة. وذكر عدد ممن تعرضوا لهذه التجربة أن الجنود يتعمدون وضعهم تحت المطر لساعات طويلة.

وقالوا بأن ضباط المخابرات يحاولون في غضون ذلك تجنيد البعض منهم بوسائل الضغط أو الإغراء.

وبعد الإفراج عنهم لا يتمكن هؤلاء من العودة إلى بيوتهم المحاصرة بالنقاط العسكرية.

وقال أحمد الشبيري - 41 - عاماً بأنه وحوالي أربعين شخصاً من جيرانه اعتقلوا الأربعاء الماضي وأفرج عنهم صباح اليوم التالي لكنهم لم يتمكنوا حتى لحظة كتابة التقرير من الوصول إلى بيوتهم.

وكان أحمد يحاول أمس الوصول إلى بيته لكنه وجد الطريق اليه مازال مغلقاً.

ويقول السكان بأن الجنود يشنون غارات على البيوت التي فتشوها، ويقومون بتفتيشها ثانية. وقالت نبيلة دروزة بأن الجنود فتشوا منزلها ثلاث مرات.

والأكثر خطورة من كل هذا هي عمليات القتل الميداني التي يقوم بها الجنود دون ما سبب. وسقط منذ بدء العملية ستة شهداء جميعهم مدنيون عزل.

ففي اليوم الأول من العملية قام الجنود بإعدام شاب أوقفوه في الطريق إلى عمله عند السادسة صباحاً أمام أعين والده العجوز التسعيني.

وذكر مصطفى أبو صفية والد الشاب ناصر أبو صفية 32 عاماً أن الجنود أطلقوا النار مباشرة على نجله بعد أن فتشوهما جسدياً ولم يعثروا على شيء بحوزتهما.

وفي اليوم أول الثاني قتل الجنود فتى في السابعة عاشرة من عمره هو "أحمد أبو زهره" وجدُّه أحمد أبو زهره 55 عاماً ، وأصابوا ثالثاً بجروح عندما أطلقوا النار عليهم لدى مروهم بجوار المسجد الكبير.

وذكرت أسرة الشهيدين أنهما كانا عائدين إلى المنزل عندما تعرضا للقتل العشوائي. ويوم أمس قتل الجنود رجلاً في الثانية والأربعين من عمره عندما كان يتفقد محله التجاري الذي تعرض بابه للتفجير.

وذكر شهود عيان أن الجنود أطلقوا النار على سامي مرتضى حلاوة وهو يتفقد محله المدمر. وبعد قليل من ذلك فتح الجنود النار على تجمع للمواطنين كان بينهم فتيه يشتمون الجنود بأصوات مرتفعة، فقتلوا شاباً هو وليد المصري 22 عاماً، وأصابوا صبياً في الرابعة عشرة هو نصر بعارة بجروح بالغة الخطورة.

وفي جميع هذه الحالات أعلنت السلطات أن الجنود أطلقوا النار لدى تعرضهم لإطلاق نار أو إلقاء قنابل يدوية.

وفي خطوة فسرت على أنها محاولة لتبرير فشل هذه العملية في تحقيق أهدافها، أعلنت قيادة الجيش أن العملية في نابلس ستستمر عدة أسابيع وربما عدة شهور.

يشار إلى أن الحملة لم تسفر عن اعتقال أي من المطاردين المستهدفين.

ويرى أهالي المدينة في شراسة هذه الحملة التي فاقت في مستواها التدميري خمس إجتياحات سابقة للمدينة منذ نيسان الماضي، محاولة للانتقام من كل فرد فيها، وجعل الحياة فيها أشد جحيماً مما هي عليه...

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات