المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل أربعين سنة كانت الظروف السياسية والاقتصادية في آسيا (عدا اليابان) وفي الشرق الأوسط (عدا إسرائيل) تشترك في عدد من الخصائص. كلتا المنطقتين كانت منغمسة تماما في المستنقع الذي هو "العالم الثالث". معظم الحكومات كانت تحت سيطرة نخب صغيرة فاسدة يدعمها العسكر والأجهزة الأمنية الأخرى. لم تكن هناك فسحة للتسامح مع الآخر ولا للتعددية، وكان الاقتصاد راكدا. واستشرى آنذاك العنف والنزاعات، سواء في الداخل أو فيما بين الدول.منذئذ تمكنت آسيا، بما فيها الصين والهند، من تحقيق تقدم هائل، اقتصاديا وسياسيا، ولكن الشرق الأوسط العربي ما زال في مكانه الذي كان فيه في الستينات. ومع استثناء جزئي لدول الخليج المصدرة للنفط فإن الفقر ازداد رسوخا والأنظمة السياسية بقيت منغلقة. الحكام يجلسون على كراسيهم مدى الحياة (لا بل وبعد الموت، مع بدء حقبة "الرئاسة بالوراثة" في سوريا).

إضافة إلى الثمن المرتفع الذي يدفعه مواطنو هذه البلدان فإن هذه الظروف تزيد الإحباط الذي يتحول إلى إرهاب وعنف، وما ينشأ عنهما يعطل الجهود للتوصل بالمفاوضات إلى حل للنزاع العربي الإسرائيلي. وفيما يستمر الجدل حول مقولة أن المجتمعات الديمقراطية أقل عرضة للحروب من الديكتاتوريات فثمة سبب قوي يجعلنا نؤمن بوجود علاقة بين الحروب ونظم الحكم حتى في الشرق الأوسط.

في هذه الظروف فإن التخلص من صدام حسين وتغيير النظام في العراق قد يؤديان إلى سلسلة أحداث متعاقبة يستدعي أحدها الآخر تعصف بالعالم العربي من شمال إفريقيا إلى الخليج. ولئن لم يكن بوسع أحد التكهن بما سيحدث في اليوم التالي بعد إذ تضع الحرب أوزارها فإنه يبدو أن تغييرا للنظام في بغداد أمر لا مناص منه. قد يصبح العراق غير مستقر وقد يتفكك إلى أجزاء، وقد تتطور فيما بين الفئات المختلفة فيه علاقات عملية ثابتة تتيح نهوضا سريعا. قد يستبدل النظام القائم الآن بقيادة ضيقة ومغلقة إما عسكرية أو عشائرية تستمر في نهج الحكم القديم، ولكن سيناريو أكثر تفاؤلا يرى قيام حكومة أكثر انفتاحا ومسؤولية تتمتع على الأقل بقسط من الديمقراطية والتسامح مع وجهات النظر المخالفة.

ما إن ينهار السد أمام سيل العرم، وتنقشع غيوم الخوف من سماء العراق، ويبدأ الشعب بتذوق طعم حريته المستردة، حتى تنتقل العدوى إلى مواطني الدول المجاورة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. سيطلق تغيير القيادة على نحو دراماتيكي في العراق العنان لسلسة من العمليات المشابهة (ولكن، التي تملك قوة دفع ذاتية) في المنطقة.

بعد العراق قد يأتي دور السلطة الفلسطينية. الأمل الذي انبثق مع "معاهدات أوسلو" عام 1993 انتكس بسبب الإرهاب والعنف. عادت القوات الإسرائيلية إلى المدن، وغدا إنشاء دولة فلسطينية يبدو أبعد منالا من أي وقت مضى. ولم تتحقق أيضا التنمية الاقتصادية التي كانت وعدا مأمولا قبل عقد من الزمان، وأنحي باللوم في هذا على الفساد وعجز القيادة. هذا النقد ينمو في داخل المجتمع الفلسطيني، وهو يتزامن مع مطلب تغيير النظام الوارد في خطاب الرئيس بوش في 22 حزيران/يونيو 2002 حول السلام في الشرق الأوسط. على هذا، فإن الطاقة التي ستنبعث عن إزاحة صدام حسين قد تكون عاملا مساعدا على بدء حقبة جديدة نرى فيها مجتمعا فلسطينيا جديدا أكثر انفتاحا وديمقراطية يكون مستعدا للتعاون مع إسرائيل ضمن إطار الدولتين.

وحتى يكون تغيير النظام فعالا، سواء في بغداد أم في رام الله، يجب أن يكون عضويا وليس مجرد استبدال نخبة حاكمة بأخرى. إن قيادة فلسطينية تأتي بعد عرفات وتكون تحت سيطرة جماعة بعينها (حماس أو فتح) وتستمر في استخدام العنف والخوف للاحتفاظ بالسلطة لن تغير الكثير، لا في المجال السياسي ولا على صعيد التنمية الاقتصادية. لا بد، من أجل تحقيق تقدم في هذين المجالين، من أن يسمح النظام الجديد بالنقاش والتنافس بين الأفكار المختلفة، وأن يضع الضوابط التي تحقق المساءلة والشفافية.

العوامل ذاتها ضرورية للتحول الاجتماعي الذي سيؤدي إلى السلام، وإلى استبدال عقلية الرفض بقبول شرعية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. ورغم عدم توفر ضمانات فهناك على الأقل الأمل في أنه ضمن جو سياسي أكثر انفتاحا سينحسر اتجاه "التاريخ ذي البعد الواحد" والتحريض أمام قبول كل طرف بالآخر والسلام المستقر. إن قيادة مسؤولة أمام مواطنيها سوف تستعيد أيضا مصداقية التعهدات الفلسطينية فيما يتعلق بمنع الإرهاب وبمجالات مهمة أخرى.

وكما في حالة العراق فإنه ربما كان من غير الواقعي ترقب حدوث تحول فوري من "الحرس القديم" المنغلق، الذي سيطر على السياسة الفلسطينية طويلا، إلى بنية سياسية ديمقراطية تامة منفتحة. ومع ذلك، فعناصر المراحل الأولى في هذه العملية موجودة الآن بأشكال شتى. ومن العناصر المهمة النقاشات حول إصلاح القيادة الفلسطينية التي دارت في الأشهر القليلة الماضية، وتوزيع مسودة دستور ينص على إقامة حكومة تستند إلى مجلس الوزراء.

هذه التغييرات لن تحدث في فراغ، ومن المرجح أن تحدث عمليات موازية في دول أخرى مثل سوريا، وربما السعودية، إضافة إلى القدوة التي من المحتمل أن تكون العراق. وفيما ستكون الأولوية هي إحداث تغيير سياسي واقتصادي داخلي، فإن هذه العناصر البنيوية قد تساعد أيضا في إعادة فتح الطريق أمام حلول السلام في ربوع المنطقة كلها.

* البروفسور جيرالد م. شتاينبرغ هو مدير برنامج إدارة النزاع والحل في جامعة بار إيلان، وهو عضو دائرة الدراسات السياسية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات