المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الحياة في مستوطنتي "افرات" و "كرمي تسور" وفي منطرة "تسور شليم" - التي تريد لهم خارطة الطريق مصيرا آخر مختلفا - تسير بشكل طبيعي واعتيادي كأن شيئا لم يحدث. غير ان الأجواء، تحت السطح، متكدرة ومثقلة بالشعور المر بالخيانة من جانب الشخص الذي قطع مسافة طويلة جدا معهم وفي دعمهم. هذا ما يقولونه تلميحا، وايحاء، غير ان ارئيل شارون، الذي كان عزيز المستوطنين، كأنما شُطب. كذلك التهديد، كما يصفه شمعون سائق السفريات، "يخيم"، ليس فَوريا ولا يزال غير ملموس. الكثير من الآمال هنا معقودة على الفلسطينيين وعلى استمرار سياسة الرفض التي يعتمدونها، والتي يرتبط بها - الى حد كبير - مصير المشروع الاستيطاني.

في كرمي تسور، المعزولة عن مركز "غوش عتصيون"، تقول روتي غيليس ان الشعور السائد ثقيل جدا. لقد فقدت زوجها، د. شموئيل غيليس، في عملية اطلاق نار قرب مخيم العروب، قبل نحو سنتين ونصف السنة. بعد قتله، بكى مع روتي غيليس ايضا فلسطينيون كان شموئيل غيليس الطبيب يعالجهم باخلاص وتفان. ايهود براك، الذي حضر آنذاك لتقديم التعازي، قال لغيليس انه لن يكون بالامكان الابقاء على كرمي تسور المعزولة، في اطار الحل النهائي.

روتي غيليس تقول، اليوم، ان خارطة الطريق ولدت نتيجة للضغوط، والارهاب والرعب التي مارسها الفلسطينيون خلال السنتين الأخيرتين. "لقد فازوا"، تقول، "انتصروا. أسافر، يوميا، في المكان الذي قتلوا فيه شموئيل وأسأل نفسي: لماذا، من أجل ماذا؟ الآن، بعد ان صادقت الحكومة على خارطة الطريق التي سيتم، بموجبها، تلبية جميع مطالب الطرف الذي مارس الارهاب والقتل، أصبحت أدرك ان اللغة التي يتحدثون بها هي التي انتصرت، وهي السائدة الآن. لقد قتلوه لكي لا نبقى هنا.

"هذه الخارطة قد تحقق لهم غايتهم. ان ما يثير القلق في الموضوع، انهم استنتجوا بأن هذه هي اللغة التي نفهمها نحن، لغة الارهاب، والقوة، والقتل والدم. ولذا، فكلما ارادوا تحقيق شيء، من الآن فصاعدا - سواء في موضوع القدس او حق العودة - سيتحدثون معنا بهذه اللغة نفسها، التي أعرف انا شخصيا ثمنها، اذ انني ادفعه يوميا".

تحاول غيليس عدم التفكير بامكانية الاخلاء، وتستشيط غضبا لمجرد طرح هذا الاحتمال "غير الوارد بالحسبان"، على حد تعبيرها. "اذا حدث شيء كهذا، لا قدّر الله، فان الشعور الذي أتخيله هو الشعور ذاته الذي ساد خلال جنازة شموئيل: صمت مطبق حزين على عالم منهار، صمت يصرخ. الألم سيكون عظيماً. الانكسار سيكون كبيرًا. المستوطنات هنا ليست مجرد موقف ايديولوجي فحسب، بل مشروع حياة ايضا، بيت شخصي واجتماعي لنا جميعا".

أفيعاد محلب يعمل في مجال الحواسيب، متزوج من دفورا، اخصائية العلاج بالاتصال، ولديهما طفلة واحدة. وهما يسكنان، منذ نحو سنة، في تسور شليم، المنطرة التي اقيمت بجوار كرمي تسور تخليدا لذكرى شموئيل غيليس. في حزيران قتل "مخربون" إيال وياعيل شوريك، اللذين كانا يسكنان في احد "الكرافانات" التسعة التي تم وضعها في الموقع. "ضربة قاصمة"، يقول واصفا اللغة الجديدة التي يتحدث بها شارون ("احتلال") واقرار خارطة الطريق في الحكومة.

"عندما يقتلعون شخصا ما من بيته"، يقول محلب، "فهذا هو الطرد. ليس لهذا أي معنى آخر. اذا تم تنفيذ الاخلاء، فسيكون رد فعل الناس هنا سلبيا". الحديث عن اشخاص سيحملون السلاح ضد جنود الجيش يبدو، في نظره، "هراء": " لا أعرف شخصا واحدا مستعدا للقيام بهذا الأمر الفظيع".

نقطة انطلاق محلب تختلف عن تك السائدة لدى غالبية المستوطنين: "انا من دعاة "ولا شبر"، ولا اومن، اطلاقا، بأية تسوية. مطالبتنا بالقبول بتسوية ليست في محلها. التسوية، من وجهة نظري، هي ان يواصلوا هم العيش هنا كما كانوا يعيشون قبل 1987 (قبل الانتفاضة الاولى). واذا كان ثمة طرف محتل هنا، فهو الطرف الفلسطيني، الذي يجلس في بلاد ليست له. انا لا اسعى الى طردهم من هنا، لكنني أصر على ان لا يقوموا هم بطردي من هنا"، يقول.

في افرات، القريبة من القدس وغير المرشحة للاخلاء، يسكن منذ سنين افرايم زوروف، الباحث في شؤون المحرقة النازية ومدير مركز شمعون فيزنطال في اسرائيل. زوروف، مثل آخرين من سكان افرات، أيّد اتفاقيات اوسلو. "كنت آمل في ان تنجح"، يستذكر، "لكن تبين انه لم يكن لدينا أي شريك". واليوم ايضا، يعتقد زوروف، لا يوجد شريك حقيقي قبالتنا: "هذه الخارطة تشكل، بدرجة كبيرة، تكرارا لأخطاء اوسلو. ابو مازن لا يتمتع بسيطرة على الاجهزة الامنية".

"انني ممزق من الداخل"، يقول، "فمن جهة، انا لا اريد السيطرة على الفلسطينيين والتحكم بشؤونهم. إن توليت انا السيطرة عليهم، فسيتوجب عليّ منحهم حق الاختيار. ويتعين عليّ ان اقرر: إما منحهم حرية الاختيار ومن ثم مواصلة التحكم والسيطرة في كل مكان وفي أي ظرف، وإما ايجاد طريقة للتخلص من السيطرة عليهم دون تشكيل خطر على مستقبلنا ووجودنا هنا. خارطة الطريق تفتقر الى الابداع ومليئة بالمخاطر".

وحول امكانية اخلاء مستوطنات ومناطر يقول زوروف: " كل ذي بصر يدرك ان هذا امر لا بد منه ولا يمكن تجنبه في الظروف الراهنة. انا لا اعتقد ان كل المستوطنات مقدسة. كانت هناك حالات تم فيها اخلاء مستوطنات وتفكيكها. لا ينبغي تحويل هذا الموضوع الى مبدأ مقدس، خلافا لأي منطق. ما العمل حيال وجود تناقض بين حقنا التاريخي على كامل ارض اسرائيل وبين الواقع الذي نعانيه في دولة اسرائيل؟ ان حقيقة رفض جزء من الجمهور التمسك بيهودا والسامرة وغزة وعدم تذويته طموحنا في ارض اسرائيل الكاملة، قد أثرت على هذا الواقع. وما كان له تأثير مواز ايضا، هو حقيقة ان حكومة اسرائيل - وخلال جميع الجولات التفاوضية حول مستقبل هذه المناطق - لم تؤكد على حقنا التاريخي في يهودا والسامرة وغزة، بل قصرت تأكيداتها على الجانب الأمني فقط، وكأنه لو لم يقتلوا اليهود ولم يكن ثمة خطر أمني لما كانت لنا أي مطالب هناك".

(نداف شرغاي - هآرتس ـ 1/6)

المصطلحات المستخدمة:

حق العودة, اوسلو, دولة اسرائيل, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات