المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بعد الهزيمة، وفي إطار التلخيصات الانتخابية التي جرت في هيئات "ميرتس"، إعترفتُ بخطإٍ: لم أتنكر مسبقًا لياسر عرفات كشريك في المفاوضات. وحاولتُ أن أوضح السبب: لأنني التزمتُ بمبدأ أن كل شعب يختار ممثليه ولا حق للشعب الآخر بالتدخل: هم لا يلغون ممثلينا ونحن لا نلغي ممثليهم؛ ولأنني لم أرغب في اللعب في ساحة شارون، الذي يخطط منذ البداية لتجميد كل خطوة سياسية، بمساعدة عرفات وتضليلاته.لا شك لديّ، في أن الإنطباع عن علاقتنا بعرفات هو الذي ألحق بنا هذه النتائج في الانتخابات. في كل مكان، في كل لقاء، سمعنا نفس الأقوال: أنتم بالذات جيدون، مخلصون أكثر ومستقيمون أكثر، لكنكم "محبي عرفات"، ولذلك لن نستطيع التصويت لكم.

والآن، هناك من يدّعي ضدي: ما دام الأمر كذلك، فما الفرق بينك وبين شارون، أنتما الاثنان تتنكران لعرفات، وأنتما الاثنان ترفضان إدارة مفاوضات معه.

هذا، بالتأكيد، إدعاء مرفوض. صحيح، أنا لست مؤمنًا بأن هناك مجالاً لمفاوضات سياسية في هذه المرحلة، يمكنها أن تنجح. بين عرفات وشارون لن ينشأ أي حوار جدي. وحتى لو بدأ الحوار، فإنه سيتفجر مع الانفجار الأول في مقهى أو في مدرسة. يجب أن نكون واقعيين: عرفات فقد سيطرته على ما يحدث في الميدان، نهائيًا، وحتى لو امتلأ فجأةً بالرغبة الحسنة الغزيرة غير المتوقعة، عندها أيضًا لن تكفي الإرادة وحدها.

من يقول "مفاوضات" اليوم –وكأن شيئًا لم يحدث- يقول تكريس الاحتلال الاسرائيلي. وهاكم، حتى شارون نفسه يدير الآن مفاوضات مفترضة، وهو سيعرض على حزب "العمل" مفاوضات من هنا وحتى إشعار آخر، كل ذلك من أجل دفعه لتلبية غزله الحارق. هذه ستكون مفاوضات أزلية، هدفها المسبق إثبات أن ليس هناك من نتحدث معه، وعمّا نتحدث عنه. هذه ليست مفاوضات تدور بحسن نية من أجل تحقيق نتائج، بل تدور لغرض خلق حجة مستقبلية. من ليس مستعدًا للتفكير في إخلاء "نتساريم" والاستيطان اليهودي في الخليل، بجدية، فإنه لا يتطلع نحو إتفاق، حتى لو كان جزئيًا- وإنما يتطلع نحو طريق مسدودة. لذلك، بالذات من يصمم الآن على مفاوضات فإنه يلعب في ساحة شارون، الذي يرغب في المماطلة من خلال محادثات عقيمة.

من الواضح تمامًا أنه ستكون مفاوضات مستقبلا، ولكن ليس في الظروف الحالية. ليس هناك نزاع في تاريخ البشرية لم يُحل في النهاية بالمفاوضات، إلا إذا كان الحديث عن حسم نهائي وحازم عن طريق القوة. لكن مثل هذا الحسم لن يكون بعد في النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني. ومع ذلك، من يعتقد، مثلي، أن الاحتلال الاسرائيلي في المناطق هو أب كل الخطايا، هو الكارثة الأكبر التي حلّت بالمشروع الصهيوني والتي تهدده فعليًا، فليس بإمكانه إنتظار المفاوضات التي ستأتي حتى لو تأخرت، بعد خمس أو خمسين سنة. من ينتظر "ولادة عرفات من جديد" و"اكتشاف" شارون كديغول ثانٍ، فإنه سينتظر كثيرًا جدًا. حاليًا، سيستمر الاحتلال في القضاء على كل ما هو حسن، وستستمر إسرائيل في "أكل" مواطنيها، الضعفاء أولا لأنهم فريسة سهلة، وبعد ذلك الأقوياء أيضًا لأنهم يضعفون مع الوقت.

لذلك، يمكن أن تكون إفتراضاتي مشابهة لافتراضات شارون، لأول وهلة. لكن إستخلاصاتنا بعيدة عن بعضها، بُعد الشرق عن الغرب. إستخلاص شارون هو لزوم الاستمرار في مسرحية المفاوضات، لكن هذه مسرحية فقط. إستخلاصي هو أنه يجب إنهاء الاحتلال فورًا. وإذا لم تكن المفاوضات الحقيقية والمثمرة واقعيةً الآن، فعندها يجب على إسرائيل أن تقوم بخطوات أحادية الجانب وجريئة. هذا السبب الذي دفع "ميرتس" لأن تشدد في برنامجها الجديد على موقفها المعدّل، الداعم لإنسحاب أحادي الجانب إلى حدود 67 مع تصحيحات طفيفة، تأخذ في الحسبان مصالح حيوية وضرورات هي من فعل الزمن.

الاحتلال هو حمل أثقل من أن يُحتمل، ولذلك فإن التخلص منه لا يأتي من باب إعطاء "جائزة للإرهاب"، كما يخيفوننا، وإنما من باب النصر الكبير للمشروع الصهيوني ولإسرائيل ذات السيادة. سيكون بمقدور إسرائيل أن تدافع عن نفسها جيدًا من داخل حدودها المعترف بها، وليس عبر حدود كل مستوطنة. لا يمكن الدفاع عن الدولة من وراء حدود "تال رومياد" و"كفار داروم". يمكن الدفاع عنها من وراء جدار فصل متطور.

من لا يملك هذا الشعور المصيري بالخطورة القصوى، فإنه سيستمر في تعليق آماله على المفاوضات الوهمية. من يخشى مثلي من يوم الغد، وليس من المستقبل العشوائي فقط، عليه أن يسرع من خَطوه نحو الخط الذي ينهي الاحتلال على أرض الواقع.

(هآرتس 18 شباط – ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات