المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بحسب كل المؤشرات، فإن شارون ينوي المماطلة في مهمة تركيب الحكومة، إلى حين الهجوم الأمريكي على العراق. وذلك من أجل إستغلال جو الطوارئ لإقامة حكومة وحدة قومية، مع "العمل". وسيكون تأجيل الحرب إلى الثامن والعشرين من شباط على الأقل، في إطار الوقت المعطى من قبل رئيس الدولة، بحسب القانون، لعرض الحكومة الجديدة.ولولا معرفتنا أن شارون هو رجل شجاع وصاحب ماضٍ عسكري فاخر ("بار كوخفا"، على رأي أوري دان - "بار كوخفا" هو واحد من "الأبطال" اليهود القدامى وأوري دان هو صحفي تابع لشارون يروّج له على اليمين وعلى اليسار- المحرر)، لكنّا شككنا في أنه يخشى البقاء وحيدًا من وراء مقود الدولة. عناده في ضم "العمل" مجددًا إلى الحكومة هو أمر غريب.

وغريبة أكثر المسؤولية التي يلقي بها على "العمل" لرفضه الانضمام إلى حكومته: "من سيقول لا للوحدة يخون إرادة الجمهور". هذا القول عارٍ عن أية صحة. الناخب منح شارون شخصيًا، وسياسته وتوجهه، غالبيةً ساحقةً. بامكانه، مع الـ 40 مقعدًا في الكنيست، والتي تمثل حوالي مليون ناخب، أن يقيم حكومة بأية تركيبة يودّها. مع عرض مثل "المفدال"، "شاس"، "هئيحود هليئومي" و "شينوي"، يمكن القول إن إختيار الشعب كان حادًا كالسيف: الشعب منح معسكر اليمين وسياسة شارون الخالية من التسويات، الأغلبية، ورفض "العمل" الذي قال: مناطق مقابل سلام.

وعلى الرغم من أنه بامكان شارون أن يقيم حكومة على شاكلته وهيئته مع غالبية من 61 إلى 69 مقعدًا، إلا أنه يريد "العمل" بالذات. كورقة توت، كلعبة من المعجون أو ككبش فداء. في محادثة شخصية تمت بين متسناع وشارون اتضح أنه ليس هناك طرف لطرف لأية شراكة جديدة. شارون، كما يقول المحامي رام كاسبي، حوّل "نتساريم" إلى متسادا و "كفار داروم" إلى "تل حاي". وحاييم رامون يقول إن شارون غير مستعد للتزحزح قيد أنملة عن مواقفه المعروفة. "في حالة إنضمامنا إلى حكومته، فسنكون ميّتين نهائيًا". وهو صادق. الدولة الخالية من المعارضة والبدائل، يكون عمر ديمقراطيتها قصيرًا.

في الـ 32 يومًا التي تبقت، يمكن لشارون أن يماطل إلى أن يهجم الأمريكيون. ولكن هذه المماطلة غير مبررة لأنه يملك الأغلبية المطلوبة لإقامة حكومة في كل لحظة. كما أن إبقاء مشاكل الدولة الحارقة بيد حكومة إنتقالية، هو قلة مسؤولية. فقد عرض مناحيم بيغن، الذي فاز بانتخابات 1977، حكومة ضيقة خلال 13 يومًا. الاتصالات السرية مع مبعوثي السادات، والتي أفرزت السلام، بدأت قبل إنضمام "داش" (حزب المركز آنذاك- المحرر) إلى الحكومة، وبعد أربعة أشهر من الانتخابات. الأمر الذي يثبت، أنه في حالة التصميم على القيام بإنقلاب تاريخي، فإن الصغير هو كبير أحيانًا.

ويقول مقرب من شارون إن المماطلة هي عمل شرعي في المفاوضات الائتلافية. "لا يضر أن ‘ينطبخ’ المشاركون بعصارة أنفسهم". ولكن وبحسب تطور الأمور، لا يبدو أن بوسع شارون الاعتماد على أن بوش وصدام سيقيمان له الائتلاف الواسع. وليس بوسعه أيضًا أن يعتمد على أن بوش، مع الانقلاب الذي حصل في موقفه، سيحلّ لنا المشاكل السياسية- الأمنية والأزمة الاقتصادية. الفشل الذي أنيط بالولايات المتحدة في مجلس الأمن من جهة، وملايين المتظاهرين ضد الهجوم على العراق، من جهة ثانية، يشكلان ضربةً شخصيةً لبوش. الكاوبوي الجيد الذي هرع لانقاذ العالم تحوّل فجأةً إلى كاوبوي سيء. الرأي المتعارف عليه هو أن بوش سيهجم كما وعد، حتى لو بقي وحيدًا. لكن كل شيء يمكن أن يحدث في هذا العالم المجنون، بما في ذلك رفع العقوبات عن العراق.

تحويل إسرائيل إلى "نجمة" في شعارات ملايين المتظاهرين وفي تصريحات سياسيي أوروبا هو الثمن الذي تدفعه على إنعدام مبادرة لحل مع الفلسطينيين، وعلى سياسة القوة. وعندما نضم إلى ذلك التفتت الاقتصادي والاجتماعي وخطر فقدان سيطرة الحكومة على المرافق - ينتصب السؤال: ما هي خرائط الطرق خاصتنا لحل النزاع ومنع الإنهيار الاقتصادي على شاكلة الأرجنتين؟ في الوقت الذي يشتعل فيه البيت يجب الاعتياد على فكرة أن أحدًا لن يحل مشاكلنا سوانا. نحن موجودون في حالة طوارئ، وليس هناك تبرير لأن تبقى الحكومة الانتقالية ولو ليوم واحد آخر. على شارون أن يقيم الحكومة، بما يلائم رغبة الجمهور، من دون تأجيل ومن دون ألعاب مماطلة. لا تنتظروا أمريكا.

(هآرتس، 18 شباط – ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, شينوي, تل حاي, داش, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات