المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

جيد انه من الصعب على شارون تشكيل حكومة على هواه وكما يريد. انه يريد توليفة واسعة، تقطر وحدة واتفاقاً، مزرعة مشتركة يقطن فيها الذئب والحمل. جيد ان هذا صعب عليه، لأنه في هذه المرة، أكثر بكثير مما كان قبل سنتين، سوف يضطر المنتصر الى الانحناء لكي يستطيع تربيع الدائرة السياسية ـ الحزبية. وسوف تتضح في الأسابيع المقبلة قدرة رئيس الحكومة على اثبات الادعاء القديم حول طاقته المخبوءة في المرونة والمناورة. حتى الآن، يدير شارون دفة الأمور بشكل غير سيء من جانبه. لكز اللغز لن يحل الا لاحقا.لا يوجد بحوزة شارون انتصار كبير فقط. انه يستطيع النظر الى ائتلاف آخر في أزمة. الخلاف بين أمريكا وأوروبا ـ من الصنف الذي تحول الى فصل هام في كتب التاريخ ـ يؤثر لصالحه. أية قوة ستتمتع بها منذ الآن مبادرات "مجموعة الأربعة"، تلك االنخبة الدبلوماسية التي حاولت غالبية مركباتها ـ باستثناء الولايات المتحدة ـ ممارسة الضغوط عليه في السنتين الأخيرتين؟ وأي ضغط أمريكي هو الذي على شارون أن يخشاه بينما ثلاثة أرباع هذه المجموعة ـ الاتحاد الأوروبي، روسيا والأمم المتحدة ـ معلق على خطوط الضغط العالي مع واشنطن؟ بوش، الغاضب على خيانة "اوروبا القديمة"، لم يكن حتى الآن مصدر ضغط حقيقي لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وطالما لم يسجل انجًازا في الحرب ضد صدام، وربما بعد ذلك أيضا، سيظل شارون في حل من ضغوطاته.

العلاقة بين وضع هذين الائتلافين تؤكد، مرة أخرى، ما قاله هنري كيسنجر عن السياسة الاسرائيلية: ليست فيها سياسة خارجية، وانما هي سياسة داخلية فقط. لذلك نشأ اهتمام خاص بالسؤال ما اذا كان شارون، حتى بدون توقع الضغط، سيفعل ما من شأنه أن يتيح لحزب العمل في الأسابيع المقبلة اعادة النظر والانضمام الى حكومته. وهذا ليس سؤالا من مجال المناورات الائتلافية. انه سؤال يرتبط، في الجانب الأكثر أهمية، بمستقبل الدولة حتى الانتخابات القادمة. لأن لدى شارون، اذا ما أراد، ائتلافا جاهزًا الآن. فهو يلوح بالتشكيلة اليمينية المحتملة، في وجه حزب "شينوي" بالذات، والذي أعلن مئة بالمئة من مؤيديه تأييدهم للانضمام الى الائتلاف الحكومي. ويبدو ان لعاب هذا الحزب يسيل نحو الجلوس على كراسي السلطة.

ولكن حتى تجاه "شينوي"، اذا ما رغب في ضم طومي لبيد وكتيبته، على شارون أن يتخذ قرارًا حاسماً من النوع الذي من المهم والضروري التريث قبل اتخاذه. ويل له من خالقه وويل له من غريزته في الإختيار ما بين "شينوي" والأحزاب الدينية (الحريديم). وكما اننا لا نعرف حق المعرفة ما اذا كان هذا الزعيم يرقد على بيضة اتفاق مخبأة، هكذا أيضا لا يزال يخفي مدى استعداده للحسم بين وجهتي نظر اساسيتين في المجتمع الاسرائيلي المنهك. لكن عملية التركيب الائتلافي لن تتيح له الآن التهرب من هذا الحسم. جيد ان وضعه الآن صعب: أيا يكن القرار الذي سيتخذه، تفضيل شينوي أو الحريديم، فانه سيشكل درسا غير مسبوق، في حدته ووضوحه، عن صورة هذا الرجل الحقيقية.

ليس بالأمر القليل أن يضطر شارون الى فتح أعيننا في هذين الموضوعين الحاسمين. لكن المصيبة هي ان كلا القرارين الحاسمين لا يكمل أحدهما الآخر، بل انهما متناقضان. فلبيد لم يبد، اية مرة، اهتماما خاصا بدفع المفاوضات والتوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين. ومن هنا، فان قبول شروطه، أو حتى جزء منها، من شأنه أن يعفي شارون، بدرجة كبيرة، من ضرورة الحسم في المجال السياسي. حزب شينوي سيركض الى ائتلاف مع حزب "المفدال" القومي المتطرف ومع حزب "يهدوت هتوراة" اللا مبالي تجاه القضية السياسية. وفي هذه الحالة لن يحل لغز شارون ـ الحل السياسي. أما حزب العمل فسينضم اليه فقط في حال اتخاذه خطوة سياسية حاسمة، خلافا لأحاديث مبعوثيه، هنا وهناك، مع شخصيات فلسطينية.

الفرق بين مساري الحسم المذكورين، بالنسبة الى رئيس الحكومة، قد يعزز الانطباع بأنه كلما كان الأمر أكثر صعوبة في كليهما، كلما كان التنازل من النوع الأول ـ لشينوي وليس لمتسناع ـ أكثر سهولة. ولذلك، فان التكهن الآن هو: استقبلوا وزير العدل الجديد، طومي لبيد.

("هآرتس" 12 شباط، ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, شينوي, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات