المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ستضطر حكومة شارون الجديدة لأن تضع هدفا مهما لها هو ترميم العلاقات مع اوروبا، التي تدهورت كثيراً في السنتين الاخيرتين. لاسرائيل مصالح ذات وزن كبير في القارة القديمة: الاتحاد الاوروبي هو الشريك الاساسي في تجارة اسرائيل الخارجية، ومواقفه تؤثر على الشرعية الدولية لاسرائيل، التي تسعى الى الاندماج في الغرب. هناك اضرار في الحالتين كلما تواصلت المجابهة مع الفلسطينيين بدون مخرج.وزير الخارجية السابق شلومو بن عامي، الذي حضر الى يوم الانتخابات من سنة تفرغ في انجلترا، يحذّر من ترسيخ صورة اسرائيل في اوروبا كدولة مجذومة. موظف نرويجي كبير زار اسرائيل هذا الشهر، قال لنظرائه الاسرائيليين: "مكانتكم لدينا شطبت". وفي السويد نشر نداء لمقاطعة اسرائيل، والقائمة طويلة. الحملات على اسرائيل تأتي من الطرفين السياسيين، من كارهي الغرباء في اليمين المتطرف، ومن اصحاب النفوس الجميلة وانصار حقوق الانسان في اليسار. من هناك تنتشر نحو الوسط.

في اسرائيل يميلون للتخلص من النقد الاوروبي باعتباره تعبيرا عن اللاسامية، المحفورة زعما في نفوس الاوروبيين. من السهل القول ان الكارثة وقعت منذ زمن بعيد، والجيل الجديد مثقل بقدر أقل من القيود. هناك كراهية لليهود في اوروبا، ومن المهم ادانتها، لكن الصراع ضد اللاسامية ليس بديلا لدبلوماسية عملية، وبخاصة اذا عمل على تمويه المشكلة الاساسية: الاوروبيون يرفضون الاحتلال الاسرائيلي في المناطق من اعماق قلوبهم. وهم يعتبرونه تذكاراً ثقيلا لكولونياليتهم، ويعلقون عليه سبب الارهاب الفلسطيني. اعلان كوبنهاغن الصادر عن قادة الاتحاد الاوروبي، المنشور في الشهر الماضي، حمّل اسرائيل معظم المسؤولية عن العنف في المناطق. الاوروبيون يكرهون المستوطنات وهم غاضبون من تدمير البنى التحتية في السلطة الفلسطينية، التي استثمروا فيها مليارات الدولارات.

الضغط الاوروبي ليس ناجماً عن حساسية زائدة تجاه حقوق الانسان فحسب، او من تحويل العداء المتزايد تجاه الولايات المتحدة نحو "الشيطان الصغير". الاوروبيون يخشون من ان الاصداء القادمة من الشرق الاوسط ستشعل الاقلية الاسلامية الكبيرة، وتغمر شواطئهم بالمهاجرين، ومدنهم بموجات الارهاب. لذلك فانهم يريدون هدوءا وتأثيرا في المنطقة. عندما ترفض اسرائيل تدخلهم، يعودون بطريقة ملتوية. هكذا اوجدوا "الرباعية" وقادوا ادارة بوش نحو صياغة خريطة الطريق التي تضغط على شارون.

رئيس الحكومة، الذي ينظر اليه في اوروبا كشخصية غير مرغوب بها، ينتهي من الامر بالقول ان الاوروبيين "منحازون اكثر من اللازم" وغير ملائمين للتوسط في الصراع. ووزير الخارجية بنيامين نتنياهو دعا الى ضم اسرائيل للاتحاد الاوروبي، لكن اقواله ظلت معلقة في الهواء، بسبب صمته المتواصل. الوزير دان مريدور، الذي يقوم ببلورة برنامج شارون السياسي، يعتقد انه لا يجب الاستخفاف بالاوروبيين، وان اسرائيل قادرة على التأثير على تغيير مواقفهم.

كافأت اوروبا اسرائيلَ على اتفاقيات اوسلو بتجديد الاتفاق الاقتصادي، والمشاركة في البرامج الاقتصادية والتطويرية، والاعلان عن "مكانة خاصة" لها. كل هذه تقف الان في خطر. الحديث لا يدور بالضرورة عن عقوبات رسمية. بريطانيا فرضت على اسرائيل "حظرا خفيفا" على المعدات الامنية، دون الاعلان عنه. يمكن للحكومات ان تقدم دعما هادئا لمقاطعة شركات وجامعات لاسرائيل، وان تضع العراقيل امام تطبيق الاتفاقات وفرض "القواعد الاصلية" التي تفرض الجمارك على منتجات المستوطنات. واضح ان قيام حكومة يمين سيدفع نهو استخراج هذه الخطوات سريعا.

اوروبا ليست ضائعة، ولم تتخل بعد عن اسرائيل. تصريح شارون ان "الرباعية لا شيء" مر بهدوء، كمناورة انتخابية، وكذلك هو حال الحظر على مغادرة الوفد الفلسطيني الى لندن. لكن شرط تحسين العلاقات هو التقدم السياسي مع الفلسطينيين، الذي سيبدو اكثر صدقية واقناعا من تصريحات شارون حتى اليوم. الاصرار على حل الرباعية، ودفع الاوروبيين الى الزاوية السياسية، من شأنه ان يعمق الازمة في العلاقات والاضرار لاسرائيل.

(هآرتس، 30 كانون الثاني) ترجمة: "مدار"

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات