المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب: محمد دراغمة
استقبل الفلسطينيون الانتخابات الإسرائيلية الثلاثاء بكثير من الفتور لأنهم لم يتوقعوا أن تحمل لهم جديداً..

وقالت فتون قادري 25 عاماً موظفة من نابلس: غداً سيكون مثل اليوم، فلا جديد تحت الحصار وحظر التجول.

وتخضع مدينة نابلس لحظر تجول متواصل من 11 يومياً.

ويوم الانتخابات الاسرائيلية امتد حظر التجول ليشمل جميع محافظات شمال الضفة إضافة إلى مدينة بيت لحم في الجنوب.

وأظهر الفلسطينيون اهتماماً بالحملة الانتخابية الإسرائيلية عند انطلاقها قبل زهاء ثلاثة شهور، متطلعين إلى حدوث تغيير في المشهد السياسي الإسرائيلي يفتح أفقاً للخلاص من الوضع الراهن الذي يعد الأسوأ والأخطر والأكثر دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. لكن المجتمع الإسرائيلي الذي يمر في واحدة من أحلك مراحله لم يكن مهيئاً لولادة "ديغول الإسرائيلي" - كما يطلق عليه المتطلعون لظهور زعيم في الدولة العبرية - يكون قادراً وراغباً بحل هذا الصراع التاريخي، ووقف شلال الدم المتدفق في هذه البلاد، على غرار ما فعله الزعيم الفرنسي شارل ديغول في الجزائر، عندما اتخذ قراره التاريخي بوقف احتلال تلك الدولة العربية، التي طالما اعتبرت جزءاً من فرنسا، ومنح شعبها الاستقلال عام 62.

وحقا، قوبل زعيم حزب العمل الاسرائيلي الجديد عمرام متسناع - الذي أعلن برنامجاً سياسياً يقوم على الانسحاب من طرف واحد من غالبية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتفكيك جميع المستوطنات في قطاع غزة، واستكمال بناء جدار فاصل بين الشعبين - دون حماس يذكر في الشارع الإسرائيلي.

فضل هذا الشارع مواصلة تأييد رئيس وزراه الحالي أرئيل شارون، مندفعاً في ذلك وراء شعارات قوى اليمين الإسرائيلي القائمة على الحرب والانتقام وإلحاق الهزيمة بالفلسطينيين، الذين صورتهم المنظومة الدعائية لتلك القوى بأنهم يتطلعون لإبادة دولة إسرائيل، وليس إلى الحرية والاستقلال وإقامة دولة مستقلة تعيش بسلام إلى جانب الدولة العبرية، وهو ما تنص عليه برامج غالبية القوى السياسية الفلسطينية.

وقد قابل الفلسطينيون بقلق خيار الشارع الإسرائيلي في هذه الانتخابات، التي ظهرت نتائجها في استطلاعات الرأي العام قبل أن تجرى فعلياً.

وقال الدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت، في حديث مع "المشهد الاسرائيلي": "يقلني وجود شارون في الحكم، لكن ما يقلقني أكثر هو المجتمع الذي يختار شارون".

وأضاف متسائلاً : "فهل نستطيع أن نصنع سلاماً مع مجتمع ينتخب شارون".

وعلى خلاف ما تطلع وسعى إليه ناخبو شارون من وراء إعادة اختياره لمواصلة الحرب على الفلسطينيين، فإنهم- أي الفلسطينيون- لا يبدون أي ذعر من بقاء شارون في الحكم رغم ما يتصف به الرجل من بطش ودموية.

وقالت فتون قادري: "وهل سيفعل شارون أكثر مما فعله؟ أنا لا أتوقع ذلك، أعتقد أن الأسوأ قد حدث ومضى"، مشيرة إلى عمليات التدمير والبطش الواسعة التي ارتكبها شارون في المدن الفلسطينية خلال عمليات الاجتياح الشامل لجميع مناطق السيادة الوطنية الفلسطينية في نيسان العام الماضي، في الاجتياح الاجرامي الذي أطلق عليه اسم "السور الواقعي".

وكان الجيش الإسرائيلي استدعى وحدات الاحتياط لتنفيذ حملة إعادة الاحتلال تلك التي ارتكبت فيها عمليات قتل جماعية، وهُدمت فيها مئات البيوت والمصانع، ودمرت البنى التحتية التي استثمر في إقامتها مبالغ مالية طائلة تبرع بها المجتمع الدولي بعد إقامة السلطة. وراقب المجتمع الدولي بسلبية مفضوحة عمليات الاجتياح تلك التي طالت جميع المدن الرئيسية في الضفة، وتخللتها معارك عنيفة، أقدمت القوات الإسرائيلية المحتلة خلالها على إزالة أحياء بأكملها، كما حدث في مخيم جنين.

ووقعت اشد تلك المعارك في مدن نابلس وجنين وبيت لحم، وقتل فيها ما يزيد على 2000 مواطن، غالبيتهم من المدنيين.

وبعد إعادة احتلال المدن، تكثف الحصار الإسرائيلي للتجمعات السكانية الفلسطينية على نحو غير مسبوق، ليس في تاريخ الصراع بين الشعبين، بل في التاريخ البشري.

فقد حول الجيش الإسرائيلي كل قرية ومدينة وبلدة ومخيم إلى "كانتون" مغلق بحواجز عسكرية تعزله عن ما عداه من التجمعات.

وقد ارتفعت معدلات الفقر والبطالة بين الفلسطينيين جراء الحصار والقيود التي طالت كل شان من شؤون حياتهم، حتى وصلت إلى نسب صاروخية قل نظيرها في المجتمعات البشرية (أكثر من ثلثي المواطنين تحت خطر الفقر الذي يقاس بدولارين يومياً).

وظهرت بين المواطنين أمراض بدت لهم حتى وقت قريب مشكلات تعيش في مجتمعات أخرى تقع في قارات بعيدة، مثل أمراض فقر الدم وسوء التغذية التي يعاني منها ما يقارب نصف الأمهات، والأطفال دون سن الخامسة، كما تبين تقارير متطابقة للمنظمات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية.

وقد رأى الفلسطينيون في يوم الانتخابات الإسرائيلية يوماً كباقي الأيام التي يحصون فيها شهدائهم، ويفكرون في كيفية التغلب على مشكلاتهم المستعصية.

ففي مدينة جنين لوحدها - على سبيل المثال لا الحصر - سقط يوم الانتخابات أربعة شهداء. وقال رياض فريد أبو حسن (39 عاماً) موظف في شركة تجارية من نابلس: "لم أفكر طويلاً في الانتخابات الإسرائيلية، فنتيجتها معروفة لدي سلفاً، وكل ما فكرت فيه اليوم هو كيف سأتسلل إلى مخازن الشركة، وكيف سأتعامل مع الديون المتراكمة على الزبائن، وكيف سأتدبر أمري بالعودة إلى البيت دون أن يحتجزني الجنود ساعات طويلة، ويصادرون سيارتي لأيام، كما يفعلون دائماً، وفوق كل ذلك لم أتوقف عن القلق على أطفالي الذين توجهوا إلى مدارسهم في ظل الدبابات التي لا تفارق المدينة..".

المصطلحات المستخدمة:

حزب العمل الاسرائيلي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات