المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

إذا لم تحدث مفاجأة مزلزِلة، فإن أسوأ حكومة في تاريخ الدولة ستفوز في انتخابات الثلاثاء المقبل (28 الجاري)، وسيتحقق لها هذا الفوز دون أن تكلف نفسها عناء طرح برنامج سياسي - أمني، أو خطة للإصلاح الإقتصادي الإجتماعي. زعماء حزب السلطة يكتفون بإطلاق الشعارات الجوفاء من قبيل "مواصلة الحرب ضد الإرهاب" و"التنازلات المؤلمة"، والأنكى أنهم يهيئون الجمهور لتوسيع التقليصات في الميزانية وتعميق المس بالضعفاء والمعوزين كما لو أن ذلك قدر من السماء.كذلك فإن المعارضة الرئيسية تنظر إلى الإرتفاع في عدد العمليات الفلسطينية وإلى الهجمة السياسية كما لو كانا نتاج قوى غيبية أو إرادة إلهية وليس نتاج سياسة فاشلة. فهي، أي المعارضة، تتعاطى مع تفاقم البطالة والهبوط الحاد في النمو كما يتم التعاطي مع كارثة طبيعية، وليس كإفرازات للسياسة المذكورة ذاتها.

أما انتقادات المعارضة لرئيس الحكومة ولحزبه (الليكود) فإنها تتمحور حول قضايا الفساد. ويستشف من تصريحات عدد من زعماء هذه المعارضة أنه إذا ما قررت النيابة العامة إغلاق ملفات التحقيق (في قضايا الفساد الليكودية) فإن بنيامين بن إليعزر وإفرايم سنيه لن يتأخرا عندئذ في الهرولة لدق باب حكومة شارون (التي تسمى خطأ "حكومة الوحدة").

لهذه الظاهرة الغريبة، التي يعفي بموجبها حزب المعارضة الرئيسي الحزبَ الحاكم من المسئولية عن التدهور الحاصل في جميع النواحي والمجالات، تفسير بسيط وهو أن غالبية المرشحين في الأماكن الواقعية – المضمونة - في قائمة حزب "العمل" كانوا شركاء في رسم وتنفيذ وتسويق السياسة التي أفضت إلى هذا التدهور. ولو أن عمرام متسناع لم يأت من حيفا للتنافس على زعامة الحزب، لكان شمعونه بيرس (كوزير الخارجية في حكومة شارون) يبرر اليوم زلات وإخفاقات شارون، وكذلك الحال بالنسبة لوزير الدفاع بنيامين بن إليعزر.

ويزعم هؤلاء أن متسناع أخفق أو أخطأ بكونه "انحرف نحو اليسار في الوقت الذي يتجه فيه الجمهور نحو اليمين". ولكن قبل أقل من أربع سنوات فقط تغلب "العمل" بزعامة إيهود باراك على الليكود بزعامة بنيامين نتياهو، وكانت أوضاع الدولة في ذلك الحين، وفي كل المجالات، أفضل بما لا يقاس من أوضاعها في الوقت الحالي. علاوة على ذلك فإن هذا "الجمهور اليميني" نفسه أيد قبل سنتين ونصف انسحاب إسرائيل من معظم الأراضي الفلسطينية كما أيد تقسيم القدس. وقد صرح الموفد الأميركي دنيس روس غداة قمة كامب ديفيد، بأنه على الرغم من أن وسائل الإعلام بالغت في وصف تنازلات باراك (أثناء محادثات القمة المذكورة) إلا أن هدوءا تاما قد ساد في صفوف الجمهور الإسرائيلي".

وإذا كانت شراكة "العمل" في حكومة شارون هي بمنزلة "حدبة" متسناع، فإن باراك هو بمثابة سنامته. إن أيا من قادة "العمل" لا يتملك النزاهة لتحطيم الأسطورة - الأكذوبة التي يروجها الليكود، بمساعدة باراك، والتي تزعم أن باراك "كشف، في كامب ديفيد، الوجه الحقيقي لعرفات". إنهم لا يمتلكون الشجاعة للإعتراف بأن الفشل في كامب ديفيد له أكثر من أب واحد. وإذا كان "ناشط اليسار" عاموس عوز يعتقد بأن "شارون انتصر بالتأكيد، فالفلسطينيون يطالبون اليوم بما سبق وأن رفضوه في كامب ديفيد" (هآرتس- 10/1)، فما بالكم بمجموع المترددين؟!

كان من الحري بحزب "لعمل" أن يحمد الله بعد أن وجد "خادما" تخلى عن ملذات السلطة لصالح عمل مُمل في إصلاح الحزب، غير أن رفاق متسناع ، بدلا من ذلك، لا يتورعوا عن اتهامه دون خجل إزاء عجزه عن "الإقلاع" وإحداث "انطلاقه" شعبية للحزب. ولكن كيف يمكن الإقلاع مع حملة قوامها حزب تخلى عن مبادئه؟! ومَن بين هؤلاء كان بوسعه أن ينجح في غضون شهرين بمحو سنتين من الغياب والتسكع البطال؟!

إن رفاق متسناع، وبدلا من معاونته على إزالة أضرار شراكتهم المهينة في "حكومة الوحدة" يفتشون، من وراء ظهره، عن طريق توصلهم إلى ائتلاف شارون المقبل. وهم، بدلا من تهيئة الجمهور الإسرائيلي لتفكيك المستوطنات، وإعادة الثقة مع الفلسطينيين، منشغلون في التحضير لاستئناف استيطانهم في حكومة اليمين، وسط تدميرهم للثقة بالنهج الديمقراطي. فمع أمثال هؤلاء لا يمكن لأحد أن يحلق بعيدا حتى لو كان رائد فضاء.

(هآرتس، 20 كانون الثاني)

(ترجمة: سعيد عياش – "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, باراك, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات