المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تتوقع تمار إدري، المديرة العامة للجنة الانتخابات المركزية في اسرائيل، أن يجتاز الإسرائيليون يوم الانتخابات بسلام، وبدون أية عراقيل. لكنها، مع ذلك، خائفة جداً من وقوع حادث أمني قد يخلّ بسير العملية الانتخابية. إدري تعتقد بأنّه يجب وقف العمل في يوم الانتخابات، ولا تصدّق الادعاءات القائلة إن إجازة عامة للمواطنين ستضر بالاقتصاد بنحو مليار شيكل، بعكس رئيس اللجنة، القاضي ميخائيل حيشين، الذي يطالب بضرورة عدم تعطيل العمل في هذا اليوم. وتكشف: "لن ننتظر هذه المرة فرز أصوات الناخبين الذي صوتوا في السفن المبحرة، لأنه لا يوجد عدد كافٍ من الملاحين الإسرائيليين في أية سفينة من سفن الأسطول التجاري الإسرائيلي يسمح بأجراء التصويت فيها".
تبدو تمار إدري، المديرة العامة المخضرمة للجنة الانتخابات المركزية، قبل أقل من شهرين من موعد الانتخابات للكنيست الـ 16، هادئة جداً. فحسب توقعاتها لن تكون هناك أية عراقيل في يوم الانتخابات.

إدري لا تبدو قلقة من عدم نجاحها في إرسال المواد الانتخابية في الوقت المناسب إلى ما يقارب المائة سفارة وقنصلية إسرائيلية خارج البلاد، أو من وجود أشخاص قد يصوتون نيابة عن أناس ميّتين؛ إدري تنام الليل الطويل دون الاهتمام بحالة الطقس في يوم الانتخابات، الذي سيكون في ذروة فصل الشتاء، أو باحتمال تساقط الثلوج في القدس وصفد، ما قد يحول دون وصول الناخبين إلى صناديق الاقتراع (لجنة الانتخابات تجهّزت بمعدات خاصة لفتح الطرقات في حالة تساقط الثلوج). هناك شيء واحد تخاف إدري منه: عمل عسكري في 28 كانون الثاني قد يسبب عرقلة العملية الانتخابية وإخافة الناخبين الذين قد يمتنعون عن ممارسة حقّهم المدني بانتخاب ممثّليهم للكنيست. يقول جدعون ألون في تقرير له في "هآرتس" (9 ديسمبر) إن لجنة الانتخابات المركزية تبذل جهوداً جبارة في الموضوع المتعلّق بالأمن. فقد خُصص مبلغ 10 مليون شاقل جديد، من ميزانية لجنة الانتخابات المركزية، لتقديم الدعم للشرطة وتمويل حماية ما يقارب 8000 صندوق اقتراع. إطلاق الرصاص الذي وقع يوم "برايمريز" الليكود، خلال الانتخابات الداخلية التي أجريت في فرع الليكود في مدينة بيسان، والذي راح ضحيته ستة مواطنين وجرح فيه العشرات أيضاً، وكذلك أقوال رئيس الحكومة شارون بأنّه "يوجد عندنا براهين دامغة بأن الفلسطينيين والدول العربية يريدون التدخّل في العملية الانتخابية، وبأن الإرهاب هو أحد آليات مثل هذا التدخّل"، عززت كلها المخاوف من محاولة تنظيمات فلسطينية مسلحة عرقلة سير العملية الانتخابية.

تقول إدري إنها تجري، سويةً مع رئيس لجنة الانتخابات المركزية، القاضي حيشين، لقاءات مع قادة الشرطة وأذرعة الأمن الأخرى، للتأكد بأن يوم الانتخابات سيمر بسلام وهدوء تام. في بوابة كل صندوق انتخابي سيكون هناك حارس، وسيتم أيضاً نقل جميع المواد الانتخابية، وبضمنها صناديق الاقتراع وأوراق التصويت، تحت الحراسة المشددة. الانتخابات في المستوطنات ستجري تحت إشراف وحماية جيش الدفاع الإسرائيلي.

المواطنين الذين تركوا البلاد لن يستطيعوا المشاركة في الانتخابات

هذه هي المعركة الانتخابية السادسة التي تديرها إدري كمديرة عامة للجنة الانتخابات المركزية (منذ انتخابات الكنيست الـ 12 في العام 1988). بدأت إدري عملها في لجنة الانتخابات المركزية قبل سنوات كثيرة، ففي العام 1969، أي قبل 33 سنة، وعندما كانت طالبة جامعيّة في إجازة، عملت كسكرتيرة في قسم التخطيط الخاص في لجنة الانتخابات المركزية، الجسم الذي عالج موضوع نقل الناخبين وقضية تصويت الملاّحين في البحر. "بعد سنة من عملي هذا"، تقول إدري، "اتصل بي مدير لجنة الانتخابات، المرحوم مناحيم تارلو، واقترح عليّ العمل كسكرتيرة للجنة الانتخابات المركزية. وافقت بدون تردد على الاقتراح، وبعد مرور بعض الوقت عُيّنتُ كمديرة مكتب ومساعدة للمدير العام". في العام 1988، عشيّة الانتخابات، وفي أعقاب وفاة تارلو، قررت لجنة الانتخابات، برئاسة القاضي إليعيزر غولدبرغ ، الذي يشغل منصب مراقب الدولة اليوم، تعيين إدري مديرة عامة للجنة الانتخابات المركزية.

بفضل الخبرة الواسعة التي اكتسبتها مع السنين، تعتبر إدري الخبيرة الأولى في الشؤون الإجرائية لشؤون الانتخابات. في أيام السنة تعمل إدري ومساعدتها، أورلي عدس، لوحدهنَّ بما يخص لجنة الانتخابات المركزية، ولكن إلى جانبهما هناك العشرات من العمال الإداريين المجربين والخبراء، بعضهم متقاعد وبعضهم الآخر يعمل في مؤسسات حكومية وجماهيرية، وهم يأخذون إجازات من أماكن عملهم في مواسم الانتخابات، وينتقلون للعمل في لجنة الانتخابات المركزية لمدة شهرين أو ثلاثة. يجهز هؤلاء، في مدة قصيرة، وخلال أيام قليلة يستأجرون 18 مكتباً قطرياً يزوّدونها بالحواسيب، ويجنّدون دائرة موسّعة من العاملين الذين يعالجون قضية تصنيف المرشحين لمنصب سكرتير لجنة صندوق. في يوم الانتخابات يصل عدد العاملين في لجنة الانتخابات المركزية إلى حوالي 40 ألف شخص. من المتوقع أن يشارك نحو 4.7 مليون صاحب حق اقتراع في الانتخابات المقبلة، أكثر بنحو 300 ألف صاحب حق اقتراع من الذين شاركوا في الانتخابات السابقة.

تقول إدري انه لن تُجرى انتخابات في السفن الإسرائيلية المبحرة هذا العام، لأن الحد القانوني الأدنى لإجراء الانتخابات في السفن هو وجود 14 ملاحاً على متن السفينة. وبما أنه لا توجد سفينة واحدة في أسطول السفن التجارية الإسرائيلية يعمل على متنها 14 ملاحاً إسرائيليا، فأنه لا يمكن إجراء انتخابات على متن هذه السفن، لذلك فلن يتأجل فرز أصوات الملاحين هذه السنة كما كان في السنوات السابقة.

في السفارات والقنصليات الإسرائيلية المائة، ستجري الانتخابات قبل الموعد الرسمي للانتخابات (أي في 16 كانون الثاني من العام 2003) باثني عشر يوماً، وذلك لضمان وصول جميع المواد الانتخابية للبلاد للتمكن من فرزها عشية يوم الانتخابات. سيسمح بالمشاركة في الانتخابات التي ستجري خارج البلاد لممثلي وزارة الخارجية، والوكالة اليهودية، والهستدروت الصهيونية، ودائرة أراضي إسرائيل، والذين يتواجدون خارج البلاد لطبيعة أعمالهم، وسيسمح بالتصويت أيضاًً لزوجات وأبناء هؤلاء (الذين لم يبلغوا من العمر 20 سنة).

من جهة أُخرى لن يُسمح للطلبة الجامعيين الذين يدرسون خارج البلاد، وكذلك لمندوبي الشركات الخاصة، مثل البنوك والشركات التجارية، المشاركة في العملية الانتخابية. وقد حاول عضو الكنيست موشيه آرنس (من حزب الليكود)، قبل عدة أشهر، تقديم اقتراح قانون يسمح لكل الإسرائيليين المتواجدين خارج البلاد المشاركة في الانتخابات، وبضمنهم الإسرائيليون الذين غادروا البلاد، شرط وجود جواز سفر إسرائيلي صالح بحوزتهم وقد زاروا إسرائيل مرة واحدة على الأقل في السنوات الثلاث الأخيرة، لكن هذا الاقتراح لم يصل مرحلة التصويت عليه بسبب الخلافات التي أثارها.

ستوضع صناديق اقتراع متحركة في جميع المستشفيات في اسرائيل (والتي تحوي على 50 صندوقا على الأقل)، حتى يتمكّن المرضى والطواقم الطبية العاملة في يوم الانتخابات من التصويت. في انتخابات العام 2001، صوت في المستشفيات ما يقارب الـ 40 ألف صاحب حق اقتراع. تقول إدري بهذا الخصوص بأن القانون لا يتطرق لإمكانية الحد من تصويت المرضى الذين يشكون من أمراض معينة. فعل سبيل المثال لا يتطرق القانون لامكانية تصويت المرضى النفسيين أو أولئك الذين يعانون من أزمات نفسية أو لعدم تصويتهم. "القانون يضمن الاشتراك في الانتخابات لكل مواطن إسرائيلي. من هو المخوّل باتخاذ القرار حول السماح أو منع مريض نفسي من التصويت؟ مدير المستشفى؟ القانون لا يتطرق إلى مثل هذا السؤال"، تقول إدري.

عقاب مضحك لمن يمارس التزييف

ستجرى الانتخابات أيضاً في السجون والمعتقلات. تقول إدري إن كل سجين يحمل الجنسية الإسرائيلية يمكنه التصويت، وبضمن هؤلاء الأسرى الأمنيون. وتضيف بأنّه لا يزال يُبذل مجهود لإصدار بطاقات هوية جديدة للأسرى الذين أضاعوا بطاقات هويتهم، وذلك حتى يتمكنوا من التصويت. الأوامر تقول بشكل غير قابل للتأويل بأنه لا يوجد في أيدي سلطات السجن أية صلاحيات تخولها منع الأسرى من الإدلاء بأصواتهم. من جهة أخرى، صدر أمر يمنع إجبار الأسرى على التصويت، ولهذا يُطلب من الأسرى غير الراغبين بالتصويت إبلاغ لجنة الانتخابات المركزية عن نيتهم هذه، وذلك لمنع خلق الانطباع بأنهم لم يشاركوا بالانتخابات بسب ضغوطات مورست عليهم لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم.

تعترف إدري بأنه من الصعب الكشف عن التزييف خلال العملية الانتخابية. "نحن بدورنا نرشد أعضاء لجان الصناديق حول كيفيّة فحص الصور في بطاقة هوية الناخب وتطابقها مع معالم وجهه، وإذا ما تم الاشتباه بشخص معين فأنه عليهم التوجه للشرطة فوراً. في السابق كانت هناك عدة محاولات تزييف تم فيها القبض على الأشخاص الذين حالوا التزييف بواسطة بطاقات شخصية لأشخاص متوفين أو لأشخاص يمكثون خارج البلاد". تعتقد إدري بأن العقوبات التي فرضت على متهمين أُدينوا بالتزييف كانت عقوبات مخففة وغير رادعة. "في إحدى المرّات تم القبض على امرأة حاولت التزييف في القدس، لكن المحكمة حكمت عليها بالسجن لمدة عامين مع وقف تنفيذ الحكم والقيام بإعمال خدمة لمدة ستة أشهر. برأي هذا عقاب مضحك. لو تم سجن هذه المرأة ليوم واحد في السجن فأن هذه العقوبة ستكون رادعة لها. فأي معنى يكون للحبس لمدة عامين مع وقف تنفيذ الحكم، إذا كانت الانتخابات تجري مرّة واحدة كل أربع سنوات؟".

تدعي تمار إدري بأَنّ التزييف الفعلي، في صناديق الاقتراع، يمكن أن يتم إذا ما تعاون أعضاء لجنة الصندوق فيما بينهم. وتذكر إدري قصة طريفة حول ذلك: ففي إحدى المعارك الانتخابية تكاسل أعضاء أحد لجان الصناديق عن فرز آخر خمسين مظروفاً انتخابياً بقيت لإتمام عملية الفرز في الصندوق. فاتفقوا فيما بينهم بأن يتم توزيع الأصوات الباقية على القوائم التي يمثلونها، بحيث تحصل قائمان اثنتان على عشرين صوتاً والقائمة الثالثة التي يمثلها عضو آخر في اللجنة تحصل على الأصوات العشرة الباقية. لكن بعد فترة وجيزة تخاصم هؤلاء ودار بينهم شجار اشتبكوا خلاله بالأيدي، الأمر الذي استدعى تدخل الشرطة، وذلك لان أحد أعضاء اللجنة ادعى بأن زملاءه لم يلتزموا بالاتفاق الذي عقدوه فيما بينهم.

تُعارض إدري موقف رئيس لجنة الانتخابات المركزية، القاضي حيشين، والذي نادى بإلغاء الإجازة العامة في يوم الانتخابات ("ذهلت عندما سمعت بأن يوم الانتخابات سيكلّف الاقتصاد مليار شيكل. إن هذا مخيف ومرعب"، قال القاضي حيشين في لقاء معه نشرته صحيفة "هآرتس" في شهر شباط من العام 2001. برأيها فأن هذا الاقتراح ليس واقعياً، ذلك لأن غالبية صناديق الاقتراع ستوضع في المدارس وفي روضات الأطفال، وقسم قليل منها سيوضع في المراكز الجماهيرية. "من الواضح بأنّه إذا ما تم وضع الصناديق الانتخابية في المدارس، فلن يكون هناك مجال لتدريس طلاب المدارس في ذلك اليوم. بالإضافة إلى ذلك، فهناك نحو 40 ألف شخص يعملون في لجنة الانتخابات المركزية، والذين لا يحتاجون لطلب إجازات من أماكن عملهم"، تقول إدري. وتضيف بأنها فحصت هذا الموضوع في بقية دول العالم، ووجدت بأن الانتخابات تجري فيها عادةً في أيام الأحد، وهو يوم الاستراحة الأسبوعية في هذه الدول، أمّا عندنا فلا يمكن إجراء الانتخابات في يوم السبت. إدري تعارض التقديرات التي تُخَمِّن بأنَّه لو تم إلغاء الإجازة العامة في يوم الانتخابات، فأنّه من الممكن توفير مبلغ مليار شيكل على الأقل.

المديرة العامة للجنة الانتخابات المركزية، تعارض النقد الذي وجهه البعض للميزانية المخصصة ليوم الانتخابات، والتي تصل إلى مبلغ 174 مليون شيكل، مدعين بأنها ميزانية مبَذِّرة ومبالغ فيها. "لم نزد في هذا العام بالمعدات أو بدرجات العاملين. من المهم بأن نفهم بأن العاملين في يوم الانتخابات يعملون بما هو معدله خمسة أضعاف ما يعملونه في وظائفهم العادية. فسكرتير لجنة الصندوق، مثلاً، يبدأ عمله يوم الانتخابات في الساعة السادسة صباحاً وينتهي منه في الساعة الثانية من فجر يوم الغد. هذا عمل متعب ويتطلَّب الكثير من المسؤولية، ولهذا لا أرى مبالغة في أن يقبض السكرتير مبلغ 1،500 شيكل كأجر عن عمله هذا". إدري تحذر، كمن يحذر النار، من إبداء آرائها الشخصية في المواضيع السياسية. لكنها لا تتردد في إبداء رأيها في موضوع واحد له صدى سياسي: "أنا فرحة لأنه تم إلغاء العمل بقانون الانتخاب المباشر، ولأننا قد عدنا لطريقة التصويت السابقة – التصويت بورقة واحدة، لأن هذه الطريقة توفِّر في مصروفات لجنة الانتخابات ملايين الشواكل، كما أنّه لن يكون علينا الاستعداد لجولة انتخابات ثانية، وستسرّع هذه الطريقة من عملية التصويت وفرز الأصوات".

خمسة آلاف ميت في سجل الناخبين

بعض آلاف المواطنين الإسرائيليين، من أصحاب حق الاقتراع، الذين سيموتون في الأسابيع المقبلة، ستظهر أسماءهم في سجل الناخبين برغم وفاتهم. تقول المحامية أييليت فيشمان، نائبة المسؤول عن الانتخابات في وزارة الداخلية، بأنه سيتم إغلاق سجل الناخبين نهائياً في الخامس من شهر ‏كانون الأول (أي قبل 54 يوماً من موعد الانتخابات)، لذا فأنّ جميع المواطنين الذين سيموتون بدءاً من 6 ‏كانون الأول وحتى 28 كانون الثاني، ستظهر أسماءهم في سجل الناخبين وسيكون "بإمكانهم" التصويت في يوم الانتخابات. تعتقد فيشمان بأن هناك صعوبة بالغة في تحديث سجل الناخبين، لعدم وجود الوقت الكافي لذلك وأيضاً لقرب موعد الانتخابات.

حسب معطيات الدائرة المركزية للإحصائيات، فقد توفي في العام 2001 حوالي 37 ألف شخص. التقديرات تقول أن عدد الميتين الذين لم يبلغوا من العمر 18 عاماً من بين هؤلاء هو ألفين أو ثلاثة آلاف شخص فقط، وبهذا نجد بأن حوالي 2800 صاحب حق اقتراع يموتون كل شهر. ونظراً لأن سجل الناخبين يُغلق قبل 54 يوماً من موعد الانتخابات، فأنه من المقدر بأن تظهر أسماء حوالي 5000 ميّت تقريباً بين دفتي سجل الناخبين!

("المشهد الاسرائيلي")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات