المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

انتخبت لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في الداخل يوم السبت الماضي رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، عضو الكنيست السابق محمد بركة، رئيسا للجنة، بعد انتظار أشهر طويلة من الجدل الداخلي في اللجنة حول أنظمة الانتخاب، وأيضا بسبب سلسلة من الظروف السياسية، منها الانتخابات البرلمانية، التي أعاقت عملية الانتخاب.

ونافس على رئاسة اللجنة إلى جانب بركة، الشيخ كمال ريّان مرشحا عن الحركة الاسلامية (الجناح الجنوبي)، وسكرتير عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي عوض عبد الفتاح، والمحامي المستقل محمد أبو ريا. وجرت الانتخابات بأجواء تنافسية ديمقراطية، وشارك في التصويت أعضاء المجلس المركزي الـ 53 للجنة المتابعة العليا.

ورافق انتخاب رئيس المتابعة جدل حول أنظمة لجنة المتابعة وشكلها وبنيتها، اضافة إلى الجدل القديم الجديد، بين اتجاهين: الأول يدعو للحفاظ على مبدأ بنية لجنة المتابعة العليا، كلجنة تمثيلية، يجري التمثيل فيها بقدر حجم مركبّاتها في الشارع، وأيضا ما تفرزه الانتخابات البرلمانية والبلدية، وبين اتجاه آخر يدعو إلى انتخاب لجنة المتابعة كلها بشكل مباشر من خلال الجمهور.

وفي مقابلة خاصة مع "المشهد الإسرائيلي"، قال الرئيس المنتخب محمد بركة إن وجود لجنة المتابعة العليا هو أمر فريد من نوعه لدى الشعوب التي تناضل من أجل حريتها وحقوقها، فهذا اطار طوعي يجمع كل أطياف اللون السياسي والفكري، في اطار جامع لا ميزانية له ولا سلطة له على الشارع، يلتقي حول ما يجمعه من ضرورة التصدي للسياسة العنصرية، سياسة الحرب والاحتلال.

(*) "المشهد الإسرائيلي": انتخابكم لرئاسة المتابعة جرى وسط جدل حول أنظمة المتابعة ودستورها، وبرغم ذلك فقد أوجدتم الآلية..

بركة: هذا صحيح، فالجدل كان مفتوحا إلى حد كبير، ولكن للجنة المتابعة دستور واضح، جرت بلورته في السنوات الأخيرة، ورغم ذلك، ومن منطلق الحرص على العمل الوحدوي، فقد توصلنا إلى تفاهمات لإنجاز عملية الانتخاب، على أن نجلس حول طاولة مستديرة في المرحلة المقبلة للتباحث في سلسلة الاجتهادات والرؤى لإعادة بناء لجنة المتابعة العليا. وليس سرّا أن هناك وجهات نظر متناقضة، ولكن ما يجمعها هو مصلحة اللجنة، وكيفية قدرتها على تحقيق أهدافها، كلٌ من وجهة نظره وتفسيره للواقع الذي نعيش فيه. وأنا على يقين أننا كما تغلبنا على الكثير من الصعاب والخلافات على مدار ثلاثة عقود من وجود اللجنة بين جماهيرنا، فإننا سنصل أيضا إلى الصيغة التوافقية الأفضل.

(*) هناك من يرى أن مكانة لجنة المتابعة العليا تضعضعت في السنوات الأخيرة

بركة: بطبيعة الحال فإن كل انتقاد لهذه الهيئة القيادية الجامعة هو انتقاد مشروع، وإن كانت في أحيان عديدة مبالغة في هذه الانتقادات، خاصة حينما تأتي من مركبات اللجنة، فلجنة المتابعة هي الاطار الجامع لكل أطياف اللون السياسي والفكري بين جماهيرنا العربية الباقية في وطنها، وهذا نموذج فريد من نوعه لدى الشعوب التي تسعى إلى التحرر والحصول على حقوقها في وطنها، لأنها اطار طوعي لا سلطة له على الشارع ولا ميزانيات تنظم عملها، ورغم كل هذه الصعاب، تجد مختلف الأطر بما تحمله من اختلافات ليست سهلة في الرؤى والأجندات السياسية والفكرية، تجتمع حول المشترك بينها، وهو كثير.

ولكن علينا في المحصلة أن نرى أن لجنة المتابعة هي الاطار الجامع، وأذرع هذا الاطار هي الأحزاب والحركات السياسية، الناشطة في الشارع، وأي تقصير في تجنيد الجماهير حول قضاياها ومعاركها يستوجب فحص جميع الأحزاب لأدائها أولا، ثم الأداء الجماعي ثانيا، بمعنى أن على الأحزاب أن تضمن آليات التنسيق والعمل المشترك تحت سقف المتابعة، لضمان نجاح مسيرتها وأنشطتها.

ما من شك في أن الانتقادات تزايدت في الآونة الأخيرة، أيضا على خلفية التأخر في انتخاب رئيس لهذه الهيئة، فما جرى قبل أيام، كان أول عملية انتخاب لرئيس المتابعة، فعلى مدى سنوات، كان رئيس لجنة رؤساء السلطات المحلية (المجالس البلدية والقروية) هو رئيس المتابعة. ومنذ العام 2008 جرى الفصل بين المنصبين، واختير رئيس توافقي في حينه، أخي محمد زيدان. وفي الأشهر الأخيرة، ولج الجدل حول شكل انتخاب رئيس المتابعة إلى الخارج.

(*) هل الانتقادات فقط بسبب عدم انتخاب رئيس؟

بركة: لا طبعا، فأنا لا أقلل من أهمية الانتقادات، فمنها ما هو صادق متعلق بالأداء الجماعي للأحزاب، وينطلق من منطلقات الحرص على هذه الهيئة الوطنية الجامعة. وأنا بدوري، ومن خلال هذه المسؤولية الجديدة، سأتوجه إلى قطاعات جماهيرنا المختلفة، للالتقاء والانصات لها، وأخص بالذكر الأوساط الشبابية، فنحن نعتز برؤية الأجيال الشابة الوجه الطاغي على نشاطاتنا الكفاحية الجماهيرية، وهؤلاء يستحقون أن ننصت لهم، ولربما نصل إلى استنتاج بإقامة اطار وحدوي لهم أيضا.

وأذكر هنا على سبيل المثال الحركة الطلابية في الجامعات الإسرائيلية، التي شكلت منذ سنوات السبعين رافعة أيضا للعمل الوطني الجماعي، بينما العمل الوطني هذا تراجع في السنوات الأخيرة، على خلفية المنافسات الحزبية على لجان الطلاب العرب، وهذا أيضا سيكون على أجندتنا المستقبلية، والأمثلة كثيرة، ولا تتوقف عند الجامعات فقط.

وفي المقابل، علينا أن نقرأ الوجه الآخر لبعض الانتقادات، وبالذات تلك التي يطغى عليها طابع التيئيس، ففي السنوات الأخيرة هناك ماكنة دعاية تمتد أطرافها إلى السلطة الحاكمة، تهدف إلى خلق حالة مقت ونفور من الأحزاب السياسية والشخصيات السياسية، فمقولة "ماذا فعل لنا النواب العرب"، و"ماذا فعلت لنا الأحزاب"، وأن "الأحزاب والسياسيين مشغولون بقضية فلسطين وليس بقضايانا اليومية"، كلها بدأت من أسماء بارزة في المؤسسة الإسرائيلية، وكأننا نحن من علينا أن نقدم لجماهيرنا العربية، وليس السلطة التنفيذية العنصرية، بمعنى أن حكومات إسرائيل تريد تجريمنا ببؤسنا الذي تنتجه بسياستها العنصرية، والهدف واضح: وهو تفتيت الجماهير، وابعادها عن كل أشكال العمل والكفاح الجماعي، لتستفرد بنا السلطة أكثر، وبطبيعة الحال فإن لجنة المتابعة العليا تكون مستهدفة في هذه الحالة.

(*) وهل الجدل بين أولوية القضية القومية أو القضايا اليومية وأيهما تسبق الأخرى يخترق لجنة المتابعة؟

بركة: باعتقادي أن هذا الجدل ليس موجودا حول طاولة المتابعة، وإن وجد لدى أية جهة فهي لم تطرحه على بساط البحث، ولكن هذا نقاش موجود في الشارع، ولأسفنا الشديد قسم كبير منه بمؤامرة من السلطة الحاكمة، كما أسلفت وقلت. ولكن في نفس الوقت وصل هذا إلى ناس طيبين، لا يمكن أن نشك بوطنيتهم، وبإخلاصهم لقضية شعبهم، ولكن في كثير من الأحيان يقود ضيق الحياة والهموم اليومية إلى هذا التفكير.

نحن لا نعتذر عن انشغالنا بقضية شعبنا الأولى، ونحن على قناعة تامة بأن سياسة التمييز القومي العنصري تنبع من ذات العقلية التي تنتج سياسة الحرب والاحتلال والاستيطان. وقلنا منذ البدايات، إنه لا يمكن حل قضية التمييز العنصري من دون التخلص من عقلية الحرب والاحتلال، التي تستهدف شعبنا، لأن سياسة التمييز العنصري تهدف منها الحركة الصهيونية إلى أن نكون في وطننا شريحة ضعيفة مستضعفة في جميع جوانب الحياة، بمعنى أن الصهيونية لا تريد رؤيتنا مجتمعا صلبا قويا اقتصاديا واجتماعيا، فهي تعتبر هذا تهديدا لها. ورغم ذلك فنحن لم نكن ولسنا الآن ولا في المستقبل "حطابين وسقاة ماء" كما ارادتنا الصهيونية، بل نجحنا في تحقيق مكتسبات كثيرة بفعل النضال والاصرار، وليس من "حسن نوايا الصهيونية".

ما أريد قوله هنا هو أن سياسة التمييز العنصري ليست خللا في الحكم، كما تحاول بعض الجهات الصهيونية اظهارها وتسويقها، بل هذه هي حقيقة الأيديولوجية الصهيونية التي نكافحها بأدواتنا، ووفق ظروفنا، وبموجب ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات