يبدو في الظاهر كما لو أن الهدف الواقف وراء مُعظم الحراكات، التي تطغى على المشهد السياسي في إسرائيل في الآونة الأخيرة، هو الحفاظ على مجرّد البقاء السياسي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، في ظل شبهات الفساد التي تحوم حوله، حسبما ينعكس الأمر مثلاً في آخر مستجدات قضية طالبي اللجوء الأفارقة (والتي
على نحو جازم لا يقبل التأويل يستخلص أستاذ اللسانيات الإسرائيلي، البروفسور عيدان لاندو، أن "البربرية الإسرائيلية الحديثة"، حسبما تجسّدت مظاهرها في آخر الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في أراضي 1967، هي البربرية الإسرائيلية القديمة ذاتها، لكن من دون خجل، نظراً إلى أن "مُستنقع الاحتلال يخلع شكلاً ويرتدي آخر. فهو هنا منذ سنوات طويلة، ونحن غارقون فيه إلى درجة أصبح من الصعب معها أن نرى التغييرات الحاصلة فيه"!.
يصعب التحرّر من انطباع عام مؤداه أن التطورات السريعة، التي تشهدها التحقيقات بشأن شبهات الفساد الحائمة حول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والتي أفردنا لها جلّ مساحة هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، بدأت تشي بتضييق الخناق أكثر فأكثر حول عنقه، وتلوّح في الوقت عينه بإشارات قوية إلى بداية نهاية عهده السياسي. ولعلّ أبرزها الإشارة
يشير تقرير مُقتضب نشرناه في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" إلى مبادرة خاصة واستثنائية تقوم بها مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين تأسست مؤخراً باسم "أكاديميا من أجل المساواة"، وتتضمن إعداد وإنشاء "بنك معلومات" ستطلق عليه اسم "أكاديميا مجنَّدَة" يشمل مواد وتقارير إخبارية، ترمي أساساً إلى فضح زيف الادعاء الإسرائيلي بأن الجامعات في إسرائيل "جسم مستقل، متنور وتقدمي" من خلال كشف وتأكيد الدور العميق الذي تؤديه الجامعات الإسرائيلية في تكريس الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في مناطق 1967، عبر تعاونها الوثيق مع المستوطنات والمشروع الاستيطاني، ومع الجيش والصناعات الحربية، ومع "الجهد الإعلامي" الإسرائيلي ضد حركة المقاطعة الدولية.
بات من "الأسرار المفضوحة" أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية تستقوي بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل الدفع قدماً بسياستها لا فيما يخص الفلسطينيين فحسب، إنما أيضاً فيما يرتبط بكل من يخالفها الرأي في الحلبة السياسية الداخلية.
يمكن أن نضيف إلى الوقائع التي نتعقبها ضمن الكثير من مواد هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" بشأن ما أسميناه تفاقم مظاهر تديين الحيّز العام في إسرائيل، واقعة أخرى هي الفشل الذي منيت به مبادرة إحدى عضوات الكنيست من ميرتس لتشكيل لوبي برلماني يعمل على الدفع قدماً بالثقافة والهوية العلمانيتين في إسرائيل في مقابل حملة التديين الجارية على قدم وساق في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي.
الصفحة 43 من 51