المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لا ندلي بأي جديد لدى القول إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، حكومة بينيت- لبيد، تبدو بعد مرور مئة يوم على إقامتها في حالة استقرار نسبية جيّدة، ومن المتوقع أن تواصل القيام بمهماتها في ظلّ ذلك، إلى حين ظهور أزمات قويّة من شأنها أن تهدّد هذا الاستقرار وقد تؤدي إلى انفراط عقدها.

وفي مناسبة مرور الأيام المئة الأولى صدرت تصريحات عن كل من رأسي الحكومة نفتالي بينيت ويائير لبيد. وفيما ركّز الأول بالأساس على التغيير الذي تقود لواءه الحكومة في كل ما يتعلق بمواجهة أزمة جائحة كورونا، والمفاصل الرئيسة للسياسة الخارجية المرتبطة بالعلاقات مع الولايات المتحدة والعالم ودول الإقليم بما في ذلك إيران، تكلم الثاني حصرياً حول السياسة الخارجية التي تنتهجها الحكومة واصفاً إياها بأنها مختلفة عن سياسة الحكومات السابقة برئاسة بنيامين نتنياهو من ناحية كونها لا تستند فقط إلى المصالح الاقتصادية والأمنية إنما أيضاً إلى "قيم مشتركة".

وقد وردت أقوال لبيد هذه في سياق مقال ظهر في صحيفة "هآرتس" (19/9/2021) تحت عنوان "الأيام المئة الأولى من سياسة خارجية مختلفة"، ويثير انطباعاً عاماً آخذاً بالتعزّز بأن سياسة الحكومة الجديدة حيال القضية الفلسطينية هي نفس السياسة القديمة للحكومات السابقة، والتي هناك شبه إجماع داخل إسرائيل على أن من بات يُحدّدها هو اليمين وأن "معسكر الوسط - اليسار" يسير منقاداً وراءه بإرادته. وهذا ما أشارت إليه دراسة جديدة صادرة عن "مولاد- المركز لتجديد الديمقراطية في إسرائيل" قمنا بترجمتها ونشرها في مركز "مدار" ضمن العدد 73 من سلسلة "أوراق إسرائيلية"، وأكدت كذلك أن هذا الواقع صار إلى رسوخ من جرّاء تحوّلين شهدتهما المؤسسة السياسية في

إسرائيل في الأعوام العشرين الأخيرة؛ من جهة، تبني "معسكر الوسط- اليسار" رؤى اليمين ولا سيما حيال ما تسمى بـ"عملية السلام". ومن جهة أخرى، صعود اليمين الشعبوي النيو ليبرالي الذي يسعى للهيمنة على جميع مؤسسات الدولة.

وينعكس هذا الأمر في ما كتبه لبيد ضمن المقال المذكور في منحيين: الأول، بذل "كل شيء- بما في ذلك مواجهات علنية مع أصدقائنا- كي نكشف الطبيعة الحقيقية للنظام الإيراني ومشاريعه للحصول على سلاح نووي"؛ الثاني، عدم التردّد في "شنّ عملية ضد قطاع غزة إذا ما واصلت حركة حماس إطلاق الصواريخ على مواطنينا"!

من شأن مقال لبيد هذا أن يعيدنا إلى هويته السياسية هو وحزبه "يوجد مستقبل". وأول ما يتبادر إلى الذهن أن من يروّج تهمة اليسار حيال حزب لبيد هو بنيامين نتنياهو، في حين أن الأول لا يدع مناسبة إلا ويردّ فيها هذه التهمة، ويؤكد أنه وسطي. وفي إحدى هذه المناسبات - في نهاية العام 2020 - شرح لبيد أن الوسط الذي يقصد تأطير نفسه ضمنه، مغاير كليّاً لليمين الذي قال عنه إنه يتبنى قيماً قومية، ولليسار الذي وصفه بأنه يتبنى قيماً تقدمية وليبرالية. وبرأيه فإن ليبرالية اليسار في الممارسة الإسرائيلية استحالت إلى جزءٍ من ديانة حقوق الإنسان الكونية ما أدى إلى تركه الساحة الصهيونية وإلى قيامه بأفعال تناقض فكرة الدولة اليهودية. وهو يحاول إنتاج نفسه كحزب وسط بالرغم من أن أفكاره السياسية والاقتصادية يمينية.

وأشرنا مراراً وتكراراً إلى أن الأساس الأيديولوجي لحزب "يوجد مستقبل" يشي بأنه انطلق من داخل الإجماع الصهيوني اليهودي حول هوية الدولة، والتي لا ينبغي برأيه أن تكون يهودية في هويتها وتوجهاتها الثقافية فحسب، بل أيضاً عليها أن تكون ذات أغلبية يهودية ودولة قومية للشعب اليهودي في أي مكان. وتظهر يمينية الحزب في الجانب السياسي من برنامجه، حيث جاء: لا يوافق الحزب على الاتهامات الذاتية التي يُطلقها جزء من الجمهور الإسرائيلي في مسألة السلام، فنحن نعتقد أن الفلسطينيين رفضوا مرة في إثر مرة يد إسرائيل الممدودة إلى السلام. ويقترح الحزب تبني "حل الدولتين" ولكن ليس بدافع الاعتراف بحقوق الفلسطينيين القومية، بل لغاية الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية ذات أغلبية يهودية، ويعتبر المستوطنين صهيونيين حقيقيين، حيث يشير البرنامج إلى أن "السلام هو الحل المعقول الوحيد للتهديد الديمغرافي ولأفكار مثل دولة كل مواطنيها ودولة ثنائية القومية". أما بالنسبة لشكل الحلّ النهائي الذي يقترحه، فيتمثل في "حل الدولتين"، من دون العودة إلى خطوط 5 حزيران 1967، وعبر الإبقاء على الكتل الاستيطانية في الضفة، والإبقاء على القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، وحلّ مشكلة اللاجئين في الدولة الفلسطينية فقط، وتمتلك إسرائيل الحق في محاربة "الإرهاب" حتى داخل الدولة الفلسطينية التي ستُقام. ويوضح برنامج الحزب السياسي أنه لا يقدم تصوراً مختلفاً منذ تأسيسه، عما طرحه نتنياهو في "خطاب بار إيلان"، غير أن الأخير يريد من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية بينما يريد لبيد انتزاع ذلك على أرض الواقع.

إن كل ما تقدّم ينطبق على سياسة الحكومة الجديدة الخارجية، فما الذي في جعبتها على صعيد السياسة الداخلية؟ سوف يحتاج الأمر إلى وقفة لاحقة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات