المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عند تلخيص جولة المواجهة الأخيرة مع إسرائيل تطالعك الكثير من التحليلات الإسرائيلية، بما في ذلك تحليلات لأشخاص متخصصين في الشؤون الأمنية، لا تتماهى مع البيئة الرسمية المحيطة، السياسية والأمنية، وترى إلى الواقع بعينٍ ثاقبةٍ وتسعى لأن تنزع عنه أوراق التوت بغية كشف علله.

ونقصد بهذا الكلام سيلاً من التحليلات خلص في شبه إجماع إلى أن نتائج تلك الجولة من ناحية إسرائيل، حتى على الصعيد العسكري، لم تكن في المستوى الذي أرادته وعملت من أجل الوصول إليه. وزاد الصورة العامة لتلك النتائج كآبة، كما أشير في أكثر من تحليل، أن الجمهور العريض في إسرائيل بقي مُحبطاً من استمرار المقاومة في قطاع غزة في إطلاق الصواريخ، ومن عجز الجيش الإسرائيلي عن منع ذلك، ومن عدم تحقيق ما يوصف بأنه انتصار إسرائيلي واضح وقاطع. وبموجب أحد التحليلات، ففي الاستديوهات المفتوحة في قنوات التلفزة المتعددة اعتُبر كل إطلاق جديد لصواريخ المقاومة علامة على إخفاق الجيش الإسرائيلي في ضرب الفصائل الفلسطينية.

ووفقاً لأدبيات "معهد أبحاث الأمن القومي"، فإن الإحباط بشكل عام يشكل حصيلة ثلاث مفاجآت رئيسة شهدها الجمهور الإسرائيلي خلال أيام المواجهة التي أطلق عليها اسم "عملية حارس الأسوار"، إلى جانب مفاجآت أخرى وصفتها تلك الأدبيات بأنها صغيرة ولها علاقة بعمليات المقاومة (على غرار البدء بالعملية بحد ذاته، وإطلاق الصواريخ على القدس، والقصف الكثيف في اتجاه منطقة الوسط الإسرائيلية). لكن المفاجآت الثلاث الرئيسة لا تزال هي نفسها: أولاً، اكتشاف الجمهور الإسرائيلي أن حكومته تختار مُجدداً ردع حركة حماس بدلاً من إخضاعها؛ ثانياً، كون العمليات الهجومية للجيش الإسرائيلي غير قادرة على وقف إطلاق الصواريخ على الرغم من قوتها الهائلة والأضرار الكبيرة التي تتسبّب بها بشرياً ومادياً؛ ثالثاً، الصعوبة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في تفسير وتجسيد الإنجازات الحقيقية التي حققها خلال أيام العملية. وتنوه الأدبيات نفسها بأنه إلى جانب هذا الإحباط الذي يتميز به الجمهور الإسرائيلي في العادة، فإن هذه المفاجآت هي وليدة سياسة إخفاء متعمدة تُطبَّق منذ أعوام طويلة، مقرونة بفشل مستمر للقيادتين السياسية والعسكرية في تقديم شرح للجمهور بشأن الاستراتيجيا الإسرائيلية والخصائص الحالية للمواجهات العسكرية. وبالرغم من هذا الإخفاء امتلك الإسرائيليون قدرة على تبصّر بعض الأمور عند بدء المواجهة، وفي مقدمها أن ثمة تفضيلاً واضحاً من جانب القيادتين المذكورتين لعمليات ردع تعتمد في الأساس على سلاح الجو، إلى جانب نفورهما من "عمليات حسم" تفرض استخدام القوات البرية في حرب داخل أرض الخصم. واستذكر أحد التحليلات أن في الإمكان رؤية مثل هذا التفضيل على الأقل منذ الحروب والعمليات العسكرية التي جرت في تسعينيات القرن الفائت، واستمر أيضاً في حرب لبنان الثانية (2006) وفي سلسلة الحروب في غزة (2008- 2009، 2012، 2014)، وأن الهدف المطلوب تحقيقه من ورائها هو "تعزيز الردع"، الأمر الذي يؤثر في طبيعة العملية ونتائجها بصورة أساسية، إلى ناحية عدم تحقيق حسم واضح وقاطع، في حين أن الخطابات الرنانة التي تصدر عن مسؤولي القيادتين ما زالت تتحدث عن "الحسم" و"الانتصار" لغرض في نفس يعقوب!

واضح أن التقييم السالف يتعلق أكثر بالجانب العسكري والأمني بشكل عام، والذي لا تنفك إسرائيل تمتلك تفوقاً واضحاً فيه، غير أنه في الوقت عينه لم يعد يسعفها في فرض واقع مريح لها فقط، ولحاجاتها ومصالحها، ومع ذلك فهي ترفض أن تفهم ذلك، وتتمسك بفهم مسبق البرمجة يقف حائلاً أمام تبني مقاربة تكون مغايرة لهذا النهج، بموجب ما يؤكد الكاتب دافيد غروسمان.

أما الجانب السياسي فلا شك في أن قراءته تحتاج إلى عودة أخرى، وخصوصاً بعد أن تتراكم مزيد من المؤشرات التي بوسعها أن تنبئ بما أفضت إليه هذه الجولة من مستجدات ذات قيمة مُضافة لم تكن قائمة قبلها، ويمكن التعويل عليها، من جهة. ومن جهة أخرى يمكنها أن توضح جوهر التداعيات التي ترتبت عليها داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية الداخلية وكيفية تأثيرها في أزمة إسرائيل الداخلية الناشبة بين قواها العديدة، وكذلك تأثيرها في سياق علاقة الدولة مع المواطنين الفلسطينيين الذين كانوا شركاء في الهبّة الشعبية توكيداً لكونهم جزءاً أصيلاً من الوطنية الفلسطينية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات